سنغافورة تزواج بين الجمال الطبيعي والابداع البشري
كتب بواسطة د. زلفى أحمد الخراط
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1252 مشاهدة
لقد حبا الله تلك البلاد طبيعة خلَّابة من غابات وحدائق وجُزر وبحر ونهر، وهي يانعة ناضرة طوال العام، والأشجار باسقة راسخة الجذور، والأزهار والورود متنوعة لا حصر لأنواعها ولا حدَّ لأشكالها، والبِساط العُشبيُّ الناعم منبسط في كلِّ زاوية وكلِّ ناحية.
الجوُّ فيها واحد فهي في صيفٍ ربيعيٍّ دائم، وهو لطيف جميل رطب، ولكنْ يشتدُّ حرارةً ورطوبةً مدة ثلاثة أشهر في العام، ثمَّ يحلو ويلطف؛ ولا سيما مع نسمات الصباح الأولى وساعات الليل المتأخرة.
المطر يسقيها كلَّ يومٍ تقريباً، قد تقصُر مدَّته وقد تطول، ويعظُم فيهطل غزيراً شديداً مصحوباً ببرقٍ ورعدٍ عظيمَين، لم أرَ مثل قوَّتهما.
البحر فيها بديع الزرقة متقلِّب المزاج، يهدأ بصفاء الجوِّ ورِقَّة الرِّياح، ويُزمجر مع المطر العاصف والبرق الراعد. وشواطئه ممتعة بنوعَيها الرمليِّ والصخريِّ، وما أمتع لعب الأطفال برماله الناعمة والقفز بجانب صخوره المتناثرة المحفوفة بالعشب الأخضر اليانع.
ومع كون سنغافورة أشبه بحديقة كبيرة جداً _ لكثرة الأشجار والبسط العشبية في كل نواحيها ومختلف أرجائها _ إلَّا أنَّ الحكومة تزيد على ذلك بأنْ تهتمَّ بتخصيص أماكن للحدائق وتسويرها، والعناية الفائقة بتنظيمها ونظافتها، وزراعة الأزهار والورود الغريبة المتنوعة فيها، وهي كثيرة متناثرة في كل مكان، ولكلٍّ منها ما يميِّزها عن غيرها من حيث أنواع الأشجار والأزهار، أو طريقة الممشى فيها، وأغلبها خارجيٌّ مكشوف، وقليل منها مغلق مُكيَّف لِمَن يفضِّل الجوَّ البارد على الحرارة والرطوبة.
سنغافورة دولة منظمة ومرتَّبة لأبعد الحدود، فكلُّ شيءٍ فيها يسير وفق نظام صارم، وترتيب دقيق، والناس فيها اعتادوا على هذا النظام وساروا عليه، فالأسواق لها وقت محدَّد تفتح فيه وتغلق، وكذا الدوائر الحكوميةوالمدارس والمواصلات العامة والمستشفيات. وقد وضعت الحكومة عقوبات صارمة جداً لمخالفي النظام، ولا يستطيع أحدٌ خَرق الأنظمة مهما كان منصبه أو مكانته، فالجميع سواء تحت مظلَّة الدولة.
ومن الأمور المميَّزة في تلك البلاد جهد حكومتها الملموس للتَّطوير الشامل لكافة النواحي التعليمية والإدارية والصناعية والزراعية والتجارية والتنموية، مع العناية الشديدة بالطبيعة، ومحاولة الحفاظ عليها ممَّا يؤذيها ويخدش جمالها.
وقد شمل التطوير جانب المواصلات العامة، فالدولة صغيرة جداً (710 كم2)، والكثافة السُّكانية كبيرة (8 مليون) بالمقارنة مع مساحتها، واكتظاظ الشوارع بالسيارات يهدر الوقت، ويشوِّه الطبيعة؛ فبادرت الحكومة بإنشاء مشروع المِترو الذي يسير معظمه تحت الأرض، وجزء قصير منه يسير على جسور فوق الأرض، مع إنشاء شبكة من الحافلات العامَّة الكبيرة، وقد ربطت الدولة طرقها بتقنيَّات الشبكة العالمية، فأصبح من اليسير معرفة طرق الوصول للوجهة باستخدام خريطة (جوجل) تدلُّك على أرقام الحافلات، وأسماء محطات المِترو التي ستوصلك لوجهتك بيُسر وسهولة.
في سنغافورة يشعر المرء بالأمان التَّام، فلا يخشى على نفسه من اعتداء أحد عليه أيّاً كان نوع ذلك الاعتداء، ويعمُّ ذلك الشعور جميع طبقات المجتمع وأجناسه من فقير أوغني أو امرأة أو رجل أو طفل، وقد وُضعتْ في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الأمان. ولقد لمستُ ذلك بنفسي، فلم تصادفني خلال إقامتي فيها أيَّة مشكلة، كما لم يتعرض لي أحد بسوء أو يزعجني بكلمة، بل على العكس تماماً كان الجميع يُظهر ليَ الاحترام، ويبادلني الابتسامة؛ بل والمساعدة أحياناً.
يعتني الشعب السنغافوري بصحته كثيراً، ففي الصباح الباكر ومع غروب الشمس تلاحظ بوضوح كثرة المشاة والمهرولين في الحدائق العامة من جميع الأعمار، ويحرصون على اصطحاب قارورة ماء معهم أينما ذهبوا؛ في التنزه، والتسوق، وفي أوقات الدوام.
ومن عناية الدولة بصحة شعبها أنها فرضت رقابة شديدة على مطاعمها المنتشرة في كل مكان، بحكم عمل الزوجين، وحاجتهما إلى الأكل الجاهز. كما منحت البلدية المطاعم درجاتٍ حسب التزامها بالقواعد الصحية، وجودة طعامها، وجعلت تلك الدرجة في مكان بارز أمام المطعم ليعلم الزَّبون درجة هذا المطعم قبل الإقدام على الشراء منه.
وإلى جانب المطاعم المتنوعة والأسواق الضخمة المنتشرة على طول البلاد وعرضها تتنوَّع وسائل الترفيه. ففيها الاستمتاع بالطبيعة من غابات وحدائق وشواطئ، وحديقة حيوان، وأخرى للفراشات، وثالثة للطيور، وسباحة بحرية أو في المسابح الخاصة. وبقربها جزيرة صغيرة تسمى (سنتوسا) يقطنها قلَّة سكانية، وقد استغلَّتها الحكومة بشكل كبير؛ فربطتها بسنغافورة بممرٍّ بريٍّ للمشاة يستغرق نصف ساعة للوصول إليها، بالإضافة إلى جسر معلَّق يمرُّ عليه قطار سريع، كما يمكن استخدام السفن البحرية الصغيرة أو العربات المعلَّقة. وفي سنتوسا كل ما يخطر على البال من وسائل الترفيه الطبيعية والصناعية؛ ففيها شاطئ رملي للتشمُّس والسباحة، وفيها الألعاب الترفيهية المكشوفة بين أحضان الطبيعة، والألعاب الترفيهية الصناعية المغلَقة المكيَّفة، وهي إحدى مدن الألعاب العالمية.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة