هجاء ربيع العرب
لافت جداً، أن يلتقي على هجاء ربيع العرب أصناف متناقصة من البشر، بل يلتقون أحياناً على تفسيره، أو يتناقضون في التفسير، فيما لا نعدم آخرين لا يزالون على العهد يدافعون عنه كتعبير عن أشواق الشعوب في الحرية والتحرر، سواء ذهبوا في اتجاه اليأس، أم بشّروا بإمكانية أن يعاود مسيرته من جديد، بعد زمن يطول أو يقصر.
حين كنا نتحدث عن مسيرة الربيع منذ البداية، لم نكن ممن استبشروا بنهاية سعيدة قريبة، وقلنا مرارا: إن تغيرات تاريخية في منطقة بالغة الحساسية للعالم أجمع، وفيها الكيان الأكثر قدرة على استنفار السياسات الدولية، أعني الكيان الصهيوني، فضلاً عن وجود النفط والثروات لن تمر سهلة ولا سلسلة بحال، وقبل ذلك وبعده وجود أنظمة متجذرة تمثلها شبكات لن تسكت على تهديد مصالحها بأي حال.
ينتمي صاحب هذه السطور إلى الشق الأخير من الأصناف المشار إليها، أعني ذلك الذي يرى ربيع العرب حراكاً طبيعياً، في ذات الوقت الذي يرى أن مسيرته ستتجدد بعد زمن يطول أو يقصر؛ لأنها مسيرة تنسجم مع تيار التاريخ، فيما تجدّف مسيرة الطرف المناهض له عكس التيار.
ليس هذا ما يعنينا هنا، بل ذلك الانسجام بين متناقضين في هجاء الربيع وتحميله مسؤولية الحريق الدموي الذي يجتاح المنطقة.
هنا ينسجم أنصار العبودية مع أدعياء الثورية والمقاومة والممانعة، على هجاء الربيع واعتباره مؤامرة أميركية وصهيونية، واللافت أن كليهما يرددان ذات المقولات السخيفة عن «الفوضى الخلاقة»، في استعادة لمقولة عابرة لوزير الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.
واللافت أيضاً أنه لا هذا الطرف الذي يناصر الأوضاع الراهنة بكل مصائبها، ولا الطرف الذي يزعم الممانعة، يشير إلى السبب الحقيقي في تحويل الربيع إلى أنهار من الدماء والدمار.
لا الطرف الأول يشير إلى أنظمة الثورة المضادة التي دفعت أبهظ الأثمان في ملاحقة الربيع لأجل إفشاله، بل ولأجل تربية الشعوب حتى لا تثور من جديد، ولا الطرف الثاني يشير إلى جريمة إيران الكبرى التي ساهمت أكثر من قوى الثورة المضادة العربية فيما جرى.
رأس الطرف الأخير، أعني خامنئي أطلق على ربيع العرب مسمى «صحوة إسلامية»، قبل أن يجعل منه مؤامرة أميركية صهيونية حين وصل سوريا، أما أتباعه، فلا يشيرون إلى الجريمة الكبرى في سوريا، تلك التي لم تدمّر البلد وحسب، بل عطلت كل مسيرة الربيع أيضاً، وساهمت في نجاح الثورة المضادة في مهمتها في الدول الأخرى، ولو مرّ الربيع في سوريا لنجح في الدول التي سبقته، ولانتقل إلى مربعات أخرى.
خامنئي دمّر ثورة سوريا، وساهم في إفشال مسيرة الربيع، ثم انتقل إلى بلد كانت ثورته تحاول لملمة جراحها في اتجاه إيجابي، أعني اليمن، فيما كان قبل ذلك قد ساهم في تدمير العراق بدفع المالكي نحو سياسات طائفية مجنونة.
والخلاصة أن الطرفين يهجوان ربيع العرب والشعوب، ولا يشيران لمن أجرموا بحقهما، فأية مفارقة غريبة؟!!
إنه لا أحلام خامنئي ستتحول إلى وقائع، ولا سياسات الطرف الآخر ستؤدي إلى تربية الشعوب ودفعها نحو الخضوع الطويل، فما هي سوى جولة، لن تلبث أن تعاود الكَرّة، أما الصهاينة الذي استمتعوا بالأوضاع قبل الحريق الأخير، وزادت مكاسبهم بعده، ويحلمون بالكثير الآن، فلن تطول متعتهم أيضاً، ففي هذه المنطقة أمة لا تعرف الاستسلام، وسيتأكدون من ذلك إن عاجلاً أم آجلاً.;
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة