أحلام
كتب بواسطة سهاد عكيلة.
التاريخ:
فى : قصص
3202 مشاهدة
أحلام... فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً. لديها هذا العام تقديم شهادة البريفيه. أحوال عائلتها المادية متوسطة وهي الإبنة الوحيدة المدللة لدى والدَيْها. الأم موظّفة والأب عامل نشيط.
وفتاتنا هذه لها هواية أثيرة على قلبها غالية على نفسها. أخذت من عقلها وتفكيرها ووجدانها كل مأخذ، هوايتها هي: "أحلام اليقظة". فهي تمضي ثلاثة أرباع وقتها تحلم ويبقى الربع الباقي لدراستها التي لا تخلو هي الأخرى من تلك الأحلام.
قبل الإخلاد إلى النوم لها مع أحلامها موعد. وعند الاستيقاظ قد تُكمل ما بدأت، عند تناول الطعام تفعل مثل ذلك، وعند ركوب الباص متوجهة إلى المدرسة أيضاً. أما كارثة الكوارث فهي عندما تكون داخل الفصل الدراسي والمعلمة مستغرقة في الشرح بينما تكون هي غائبة عمّن حولها.
سألتها معلِّمتها مرّة وقد لا حظتْ شُرودها :
من فضلك يا أحلام أعيدي لي شرح هذه المسألة.
وتقف أحلام مشدوهة فاغرة فاها لاتدري بم تُجيب. فهي كانت حاضرة جسداً غائبة فكراً وعقلاً.
قالت في نفسها:
يا إلهي ماذا أُجيب؟! لا أدري حتى عنوان الدرس ولا موضوعه، لماذا لم تختر غيري من زميلاتي؟!
وتعيد المعلمة الطلب متهكِّمة:
أرجو أن تكوني قد توصّلت للحلّ بعد هذا التفكير العميق يا أحلام!.
أحلام عذراً يا آنسة، لم أنتبه إلى شرح الدرس.
ويتكرر هذا المشهد مع أحلام مرات عدة وفي أماكن مختلفة، فهذه صديقتها تحدِّثها أثناء الفسحة فترجوها إعادة ما قالت لأنها لم تكن حاضرة ذهنياً.
هبة: ما بك يا أحلام لا تعيرين حديثي بالاً. ألا يُعجبك؟
بداية ارتبكتْ أحلام ثمّ قالتْ متظاهرةً أنها سعيدة، بما هي عليه الآن:
بلى يا هبة، لا تسيئي الظن بي، ولكن افهميني، أحلامي وتخيّلاتي تملأ عليّ نفسي، أشعر أنني لا أستطيع التكيّف مع الواقع لأني أجد في أحلامي كل مبتغاي، فأنا أكون كما أٌريد وأرسم الصور التي يهواها قلبي وترتاح إليها نفسي، وأكون الآمرة الناهية المُطاعة في عالمي الخاص. باختصار أعيش عالماً غير عالمكم الذي تَحيوْن...
وهكذا عُرفت أحلام بين المحيطين بها أنها "أحلام الحالمة" أو"الحاضرة الغائبة".
وبدأت تعليقات الأُخريات تُضايقها وتجعلها خَجلى ممن حولها ومع ذلك فهي تتظاهر دائماً أمامهنّ بأنها سعيدة بأحلامها، تُجيد بخيالها رسم المكانة التي تريد، مع أنها ضمنياً غير ذلك. فها هي تقول في سرِّها:
يا إلهي لقد أثرتُ انتباه من حولي بحماقتي هذه، ولكن كيف السبيل إلى الخلاص منها؟ ففي كل مرة أقرِّر أنني سأشغل نفسي بما ينفعني ولا أسرح بخيالي ثانية أجدني تركتُ كلّ شيء إلاّ أحلامي!.
وحدّثتها مرة صديقتها هالة في أمرها قائلة:
إلى متى ستبقَيْن هكذا يا أحلام؟ ما هو شعورك وأنت تضيِّعين مستقبلك وتفوِّتين عليك فرص التفوق والنجاح؟ خاصةً وأنك فتاة ذكية وكنت في طفولتك نشيطة ومجتهدة فكيف تسمحين للشيطان أن يتغلّب عليكِ فيجعلكِ تضيِّعين واجباتك؟
ألا تدرين أنك تلاحقين سراباً؟ ! ما يفعل فِعْلكِ إلاّ مهووس، فكيف ترضين ذلك لنفسَك؟! بقيت أحلام فترة طويلة صامتة تفكر بكلام صديقتها محدِّثة نفسها:
أجل كل شيء يضيع مني فقط لأني أحب الكسل والأحلام التي لا طائل من ورائها سوى الإحباط، فأمواج أحلامي دائماً تتكسّر على صخرة الواقع الأليم.
وفجأة حوّلت بصرها إلى محدِّثتها قائلة كمن يكلم نفسه:
أجل أحبّ أن أتغيّر وأملأ كل أوقاتي حتى لا تبقى لي فرصة للأحلام، ولكن كيف السبيل وأنا جِدُّ لا أستطيع؟! والدليل أنني حاولت مراراً بدون فائدة.
لا يا أحلام، لو اقترنتْ هذه المحاولة بنيّة صادقة وعزيمة ثابتة وإرادة قوية لوصلت إلى ماتريدين، ليس الأمر بهذه الصعوبة التي تتوهّمين. فقط حاولي من جديد. وها أنا أمامك أتظنّين أنْ ليس لي تمنّيات وأحلام أرجو أن تتحقّ؟ بلى.
ولكن لا أجعل هذه الأمور تقف حَجَر ٍ في طريق تفوّقي ولا أجعلها تدمِّر حياتي. بل أضعها هدفاً نصب عينيّ أسعى إلى تحقيقه. إذاً فكلانا يحلم ولكن كل على طريقتها.
إلى هنا انتهى الحوار بين الصديقتين والذي كان كثيراً ما يتكرر حيث كانت هالة تحاول معها حتى كادت تسأم من ضعف إرادتها ووهن عزيمتها.
واستمرّت أحلام على هذه الحالة لا تُصغي لنصح أحد، لأنها ببساطة لا تملك إرادة قوية تتغلب بها على شهواتها.. إلى أن انتهى العام الدراسي وشارفت الامتحانات الرسمية على الابتداء ولم يعد أمام أحلام إلا القليل لتعمل فيه الكثير الذي فوّتته على نفسها خلال العام. ودأبتْ في هذه الفترة تحصّل ما فاتها قَدْر المستطاع. وها هي اليوم في قاعة الامتحانات مرتبكة مضطربة تداخلتْ المعلومات عليها مؤخراً في رأسها لا تكتب إلا ما رسخ في ذهنها.
وجاءت النتائج وجلستْ الصديقات إلى جانب المذياع ينتظرن النتائج بقلوبٍ مضطربة وأعصاب مرتجفة:
- راسبة؟ أنا راسبة؟
وانفجرت أحلام في البكاء.
رسبت من الطالبات من أهملت دراستها وفازت من اجتهدت.
اقتربتْ هالة من أحلام مواسية:
- هوّني عليك، ما حصل قد حصل ولن تجدي الدموع نفعاً واحمدي الله أنك قد تخولت لامتحانات الدورة الثانية ولمَ تؤجّلي للعام المقبل. وبدل من التحسّر على الرسوب. فإنه لديكِ متّسع من الوقت للدراسة والاجتهاد لاجتياز امتحانات الدورة الثانية، وتذكّري أنّك بحاجة إلى صبر وثبات وإرادة قوية وما عليك إلاّ الاستعانة بالله. وأدعو الله أن يُعينك ويثبّتك ويمنحك ثمرة جهدكِ إن اجتهدت. أما الأحلام فدعيها لمن ليس لها مكان على مائدة الحياة.
- تنهّدت أحلام وقالتْ في سرّها:
- هالة على حقّ، ماذا يفعل بي المجتمع إذا كنتُ عالة عليه؟!
***
وتعلّمت أحلام الدرس القاسي الذي تلقّته وغيّرت مَسار حياتها، حتى إنّ احترامها لوقتها وتنظيمها له وحُسْن استغلالها إيّاه دفعها إلى إنجاز الكثير من الأعمال النافعة إلى جانب اهتمامها بدراستها. وقد وقفتْ صديقاتها إلى جانبها وساعدنها على تخطِّي محنتها وتعاونّ معها على إكمال دراستها, ومرّت معها مواقف كثيرة ودروس بليغة في هذه المرحلة علّمتها الكثير ونقلتها نُقلة نوعية من حياة اللهو والعبث والأحلام إلى حياة الجدّ والاجتهاد.
***
وهكذا يتبيّن لنا في هذه القصة عاقبة الإهمال واللامبالاة، كما يبرز فضل الصحبة الصالحة في التأثير على سلوكيات الأفراد.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة