فقه الواقع
كتب بواسطة أماني جازية
التاريخ:
فى : المقالات العامة
5207 مشاهدة
أقصد بفقه الواقع فَهمَ الواقع بشكل صحيح، ومن ثم التعامل معه بشكل صحيح. ورغم أن هذا الأمر من الأمور الجوهرية، والتي تؤثِّر على مسيرة الإنسان؛ إلَّا أنِّي لم أجد مَن تكلم فيه بتفصيل وتنسيق.
يتعامل الناس مع الواقع وفق عدَّة طرق خاطئة:
• يظنُّون أنَّ الواقع هو فقط ما تدركه حواسُّهم، ولذا يكتفون به ولا يبحثون عن واقع آخر، وعلوم أخرى قد يجدون فيها واقعاً أفضل من واقعهم، وبفضل الله فإنه حاليّاً من السهل أن نوسِّع دائرة رؤيتنا ودائرة سمعنا ليشمل العالم كله عن طريق الإنترنت، بإمكاننا سماع المحاضرات والتعرُّف على مِهنٍ جديدةٍ وتعلُّمها بالكامل عن بُعد ونحن في بيوتنا.
والبعض يعطِّلون حواسَّهم، وعند تعطيلهم لهذه الحواس يظنُّون أنَّ الواقع قد تغيَّر، كالذي يغمض عينيه عند قطع الطريق كي لا يرى السيارات، ويتصرَّف وكأنَّ السيارات غير موجودة فعلاً لأنه لا يراها.
أنكروا الواقع؛ كي يريحوا أنفسهم، أو بسبب قِلَّة إدراكهم. وإنكار الواقع لا يغيِّر من حقيقته، ولا يخفِّف من وطأته، فالحقيقة هي الحقيقة مهما تجاهلناها أو أنكرناها، أمَّا الاعتراف بالواقع مهما كان أليماً فإنه سيدفعنا للتغيير، تماماً كالذي تعرَّض لمشكلة صغيرة، لكنَّه كان ينكر وجودها إلى أن تكبر ويصعب عليه حلها، ولو أنه تعامل معها بشكل صحيح منذ البداية، وأدرك أنها ستكبر، وسيضطر في النهاية لمواجهتها لاتَّجه لحلِّها فوراً.
• في بداية العمر وفي سنِّ الشباب؛ نجد أن الإنسان لا يُحسن إدارة عاطفته جيداً، بل عاطفته هي التي تديره. وعقله يكون محشوّاً بالمثاليات التي لا تصلح للواقع، وقد ينتقد الأكبر منه سنّاً؛ الذين يحاولون أن يوظِّفوا تجاربهم في الحياة في توجيه غيرهم بلُغة العقل والمنطق.
• الخلط بين الواقع الحقيقي وبين رؤيتنا له ومشاعرنا تجاهه؛ يجعلنا نستعجل بالحكم عليه، ويمنعنا من الاستفادة منه بشكل كامل، لذا فلنعلنها صراحة: هذا العمل مفيد لكن أنا لا أحبه، هذا الشيء جميل لكن لا أحب هذا النوع من الجمال. إنَّ الفصل بين الواقع والمشاعر مهارةٌ يُمكن تعلُّمها واكتسابها بالتدريب، وهي تجعل نظرتنا للواقع أكثر موضوعية وشمولية.
• النظرة السوداويَّة لكلِّ شيءٍ، حيث لا يستطيع أن يرى الخير القابع في أعماق الناس، أو الفُرص الموجودة في الواقع، قد يكون ذلك بسبب تجارب قاسية مرَّ بها أفقدته الثقة في الآخرين، لكن عليه أن يعلم أنَّ الأخيار موجودون بالتأكيد وهم محيطون به، فليبحث عنهم وليدعو الله أن يدُلَّه عليهم.
• وكذلك النظرة الورديَّة المثالية ليست أقلَّ خطراً من النظرة السوداويَّة، إذ يُقبِل صاحبُها على الواقع بدون معرفة بحقيقته وطبيعته، وعند التعامل معه يصاب بخيبة أمل، وربما ينكفئ على نفسه ويكره العالم.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة