ناشط إسلامي في الحقل الشبابي، متخصِّص في الهندسة الميكانيكية | لبنان
التخصيص
ينتهي من الصلاة ويتوجَّه لعوام الناس بخِطابٍ فيقول: "عنوان درسنا في دقائق قليلة عن الفَرْق بين صفات الله الذاتية والفعلية"؟! وآخر يمرُّ على اختلافٍ بين الفقهاء ويريد شرح حُكم المرتد في الإسلام في درس بعد صلاة الفجر!!! وآخرون يدخلون على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة في الناسخ والمنسوخ في شرحه وعرضه؟!؟ حتى انتقلت هذه العدوى لعوام الناس فأصبح من هو مقصِّر في صلاته يريد أن يعطي رأيه ومذهبه في حُكم تسريح المطلَّقة!؟!
من الطامات التي حلَّت علينا دعاةٌ لا يفقهون هدي النبوة ولا القانون الأساسي في الدعوة ألا وهو: "التخصيص"، وتعود هذه الطّامة إلى عدم انتهاج نهج واضح تحت عنوان: "ما كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال لناس يقال لغيرهم"... لأنَّ مدارك وأفهام الناس وتجاربهم وممارساتهم تؤدي إلى فهم خاطئ عند استماعهم لك ولحديثك. ببساطة لأنَّ الكلام سيُؤوَّل، وفي أغلب الأحيان يؤدِّي حديث داعية فذٍّ في مجلس عامَّة إلى اقتيادهم لبدعة أو الوقوع في معصية!!
ومما نستنبط من فعل السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا)) هذا بيان صريح من النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس العوام يمكن أن يفهموا فهماً خاطئاً للحديث فيضلوا!! وكذلك كَتب الإمام البخاري في صحيحه تعقيباً بقوله: "من خصّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا". وقال سيدنا علي: "حدِّثوا الناس بما يَعرفون، أتحبُّون أن يكذب الله ورسوله؟". فكم من دعاة حاولوا شرح شُبهة للناس أتوا بها من كتب المستشرقين، فزادوا الناس وهماً وجهلاً...
وكذلك وضعها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه واعتبرها كقاعدة في منهجه: "فأما عوام الناس الذين هم بخلاف الخاص من أهل التيقظ والمعرفة؛ فلا معنى لهم بطلب الكثير، وقد عجزوا عن معرفة القليل"!!! فكم رأيت شخصاً من العوام يتكلَّم في أحكام سجود التلاوة ويُصدِر حُكمه على المصلين وهو متعامل بالربا ومهمل لأصول الدين ومتمسك بالفروع ويعتبرها قارب النجاة!!!
وأيضاً ليس فقط تخصيصاً للعوام؛ إنما أيضاً للدُّعاة، وليس ذلك تضعيفاً بهم أو عدم الثقة بهم، ولكن منعاً لسوء الفهم، أو إدخالهم في فتنة، أو لحفظ قلوبهم من الوسواس... وهذا أيضاً كان من نهج العلماء ودأبهم... كالإمام مالك في الصفات: "فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب"... ورُوي عن ابن مسعود قال: "ما أنت بمحدِّث قوماً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".
فيا جمهور المربين والدُّعاة الأفاضل!! اقتصروا في حديثكم على ما ينفع، وترك الخوض إلى ما يقود إلى الخلاف، وتذكَّروا أن الفقه ليس بكثرة الكلام، وإنما باختياره لمن يصلح له. وهذه وصيتي إليك.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة