طالب ثانوي مهتم بشؤون المسلمين | لبنان
معضلة النقد في العالم العربي
كتب بواسطة عمر عوض
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1667 مشاهدة
العالم العربي قد وقع في آبائية لا تقل "جاهلية" عن آبائية مشركي العرب، وهي الاتباع المطلق والتسليم التامّ لما ذهبت إليه بعض الشخصيات العلمية أو الفكرية من آراء أو أفكار إلى حد يبلغ التقديس والتقليد الأعمى والجمود على هذه الأفكار وإن لم تعد صالحة لإقناع طفل صغير ! فالمهم والأهم ألا يمس "صنم" كل واحد من هؤلاء، وألا يتعرض شيخه أو باحثه المفضل للنقد والاعتراض على أفكاره وآرائه وإن بطريقة علمية ومنهجية... هذه الآبائية قد طغت بشكل واضح على العالم العربي، فأضحت عملية النقد تسمى "طعناً" بالشخص المنقود، والاعتراض على فكرة معينة تَعَرّضَ لشتى أنواع الهجوم من التبديع والتجهيز وما شابه ذلك...
وعلى أثر كل هذا،فإن الفكر في العالم العربي يعيش في حالة مزرية للغاية، إذ إنه متّصف بالجمود والتقليد والتعصب والآبائية، وهذا ما يقف في وجه تجديد الفكر والإبداع المعرفي من جهة، ويعمل على استمرار التخلف وتوليد الجهل من جهة أخرى...
لقد بات النقد الذاتي للأفكار والحركات الموجودة ضرورة ذاتية يفرضها علينا وجودنا، لأن النقد الذاتي معناه إعلان الوعي الشامل والتعامل مع الأفكار كقيمة ذاتية بغض النظر عن شخصياتها. ولو تأملنا في القرآن الكريم لوجدنا أن الاعتراف كان هو الطريق الصحيح دائماً لتصحيح المسار. فهذا سيدنا آدم يعترف بخطيئته مقراً قائلاً: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا).
فبدأ بنفسه قبل إلقاء اللوم والشعور بشعور المظلوم المتهم البريء، فكانت النتيجة أن فتح له باب الخير.
وعلى الجانب الآخر المنطق الفرعوني، الذي يجسد الانغلاق المعرفي على الآخر والقدسية المطلقة التي لا تُنازع من مثل قول الله تعالى حكاية ً عن فرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) ويعارضه المنطق السوي الذي أرادنا الله أن نكون عليه، إذ أمرنا أن نردِّد يومياً (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم) لكي نتذكر أننا ما زلنا مفتقرون إلى الهداية والمعرفة، وأننا لم نصل بعد إلى الهداية والمعرفة النهائية المطلقة...
وليس سيدنا آدم هو الوحيد المتفرد بانتقاد نفسه، فهذا سيدنا موسى يرتكب خطأً فيقتل نفساً بغير حق ويقول: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
ويونس يقول: (سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
وهكذا نرى في باقي الأنبياء كان اتجاه لومهم على أنفسهم وليس للعالم وليس للخارج المحيط.
ولعل أبرز مثال أورده القرآن حين سأل أصحاب أحد عن سبب هذه المصيبة التي حلت بهم، فكان الجواب صاعقاً مفاجئاً، لم يتحجَّج بقوة الكفار وعتادهم،،بل كان القرآن واضحاً صريحاً قال لهم: "أنتم سبب الهزيمة" (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).
تلك أرقى فلسفة في فهم طبيعة المشكلة وحلولها بغض النظر عن نظريات المؤامرة وفروعها.
فالمشكلة إذاً في الكتابات التي لا تزال حتى الآن تمشي في اتجاه تزكية النفس والثناء دون محاولة دراسة المسار ونقده نقداً بنَّاءً قادرًا على أن يستوعب المرحلة الحالية.
ولقد آن الأوان للمسلمين اليوم أن يعيدوا النظر في التجارب التي مرت بها الأمة الإسلامية كي يبدأ العقل مسيرته الصحيحة والله ولي التوفيق.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة