الانكسار بريد الدخول
الأشياء في انقضاء وعقرب الثواني ماعاد كما كان عقرباً للثواني بل تولى مهمة (مؤشر الساعة) وصار يقود الحياة ..
والأيام لكثرة جريانها امتلأت لياقة وباتت تركض أسرع ..!
البدر الذي اُستخدم التلسكوب لمشاهدته ، يستعرض اليوم تمامه(يومض) للناس: ذهب النصف !!
من ذات الأبواب ندخل ونخرج، أُلوف الأقدام تصطف على مسافة واحدة لاتَقدم ولاتأخر ،
الأعقاب حذو الأعقاب ، ولاشيء سوى مشهد(البكّائين) يستحق الوقوف ،
والوجع أن(تسترق النظر) لما حرمت منه !
أتمضي الحياة كذا مُـرّة ؟
فلا من خشوع ولا من بكاء
وألمح حولي ألوف العباد
وأدمعهم من سناً وسناء
فيا رب جُدْ لي بقلب نقي
إذا هتف الدمع لبى وجاء
وهل في الدنيا أعذب من ملاحة الدمع ،
وهل وجد ساعي البريد أفصح من المراسلة بمداد الدموع ؟!
في إحدى الحارات رأى أحدهم باباً قد فُتح ، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي ،
وأمه خلفه تطرده حتى خرج ، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت ، فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف حائرا ..أين أبيت ولا مأوى لي غير البيت الذي خرجت منه ؟
فرجع(مكسور القلب) ووجد الباب مغلقاً فتوسده ، ووضع خده على عتبة الباب ونام ، فلما خرجت أمه ورأته على تلك الحال ، لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي
وتقول ياولدي :أين تذهب عني ؟ ومن يؤيك سواي ؟ثم أخذته ودخلت
فانتهز ابن القيم تلك الحكاية قائلاً: تأمل قوله صلى الله عليه وسلم (لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها )
وأين تقع رحمة الوالده من(رحمة الله) التي وسعت كل شيء ؟! .
بمن ألوذ إذا ماضاق بي ألمي
ومن سيؤنسني في غربة الدرب
كل النداءات خانتني وأوصلني ..
بابَ السماء : فم ناداك ياربي
نمضي إلى(سدّتك الكبيرة) في موكب من العصاة والنادمين ..
وحين نستلقي على الأرض من الإعياء، تصل العين لآخر مدى سماوي
فتبدو لنا المسافة بين السماء والأرض بعيدة
وتُخيّل الذنوب وكأنها سلسلة جبال قد غطت المدى ..
فيخترق الحاجز نداءك الحاني : ياعبدي لو بلغت ذنوبك عنان السماااء ثم استغفرتني غفرت لك .
وكلما قلتُ ذنوبي كثيرة .. ردّ الصدى : ياكثير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر !!
بين الحين والآخر نأتيك بملامح شرودة من شدة الخجل ، نصيح من ظلمات القلب كما صاح يونس :
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
ونعترف كاعتراف كلِيمك موسى : إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فلعلك تتفضّل وتجيب (فغفَر له)
أرخيت علينا الستر يوم (الخطيئة) ، وكنت الحليم ساعة (التجاوز) ، والغفار رغم (الإصرار) ، والعفوَّ لحظة (العودة) ، والبر الرؤوف حين أدرنا الظهور وغرنا طول الأمل
في لحظات النهوض ومحاولات الإفاقة كنت السند،
وفي لحظات(التعثر) كنت الجابر ،
كم مرة (غارت) نضَارتي (ففاض) حنانك
أدخل متكدرا فأخرج أصفى ..
أجلس ضعيفا فأعود أقوى ..
وكلما ذوى غُصني سقتني (رحمتك) ..
أقلق فيأتي قولك مطمئناً :{ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم }.
وإذا خيم ظلام اليأس شعّ أملك :{ لاتقنطوا من رحمة الله }
توسعت شرايين الرجاء واشتد الطمع حين قرأ الإمام :
{قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ماقد سلف}
(يارؤوف) هذا قولك العطوف لمن جحدوك فكيف ودادك بالذين شهدوا لك بالوحدانية؟!
وهل نؤمل إلا عفوك ؟
نادى المنادي في شهر الجود : ياباغي الخير أقبِل..
فتأخرنا وتردّدنا.. وسلكنا طريق اليمن في موسم الشام
والعزاء أن خطوات الرجوع إليك تطوى أسرع (وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) .
وكل الفضاءات تقود إليه ،، وباب الأوبة عنده لايوصد ..
وما مقام أحلى عنده من هيئة منكسر ، قد أطرق رأسه يستأذن الدخول، قدم الدمع قرابين :
علّ نزول الدمع يُعقِب راحة
من الغم أو يشفي خفيّ البلابل
مشهد دونه الدنيا كلها ولاتكفيه المعاجم
ما جاوز في وصفه ابن القيم رحمه الله سوى أن قال :
(كسرةٌ خاصة تحصل للقلب لايشبهها شيء)
تأمل : لايشبهها شيء!! وحاول التجربة
لعلها تكون بريد الدخول على الملك ، ومن يدخل أتُراه يخيب ؟!
عصيتُك رَبي فأمهلتني
وتَستُرني رغم أني عَنيد
أَتيتكَ يا خالِقي باكياً
ودَمعُ الأسَى كل حينٍ يَزيد
وقَد قلتَ في الآيِ لا تَقنَطوا
و إنْ تعف عَني فذا يوْمُ عيد
و إنْ تَعف عَني فذا يوْم عيد
يارب لا مال(ابن عوف) لنجهز به عسرة ، ولا سبق(الصديق)، ولا وضوء(بلال) ، ولا سريرة(أبي ضمضم)
فبجودك سيدي أكرمنا بكَسرة (ماعز) تكون بريد الدخول إليك.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة