هل هناك أزهر آخر غير الذي نعرفه؟
قرأنا، في الأيام الفائتة، عن اعتقال الشرطة المصرية للطلاب الصينيين (الإيغور)، من أبناء تركستان الشرقية، الذين يعانون من اضطهاد نظامهم القمعي المشهور بانتهاك حقوق الإنسان. الأخبار المتداولة رجحت أن حملة الاعتقالات تمت على خلفية ترتيب مصري - صيني لترتيب زيارة الرئيس الصيني لمصر، حيث طالب النظام الصيني بتسليم هؤلاء الطلاب، بعد أن أنذرهم منذ شهور بضرورة تسليم أنفسهم، ثم تعرض الطلاب الذين امتثلوا لأمر النظام لأحكام قاسية بالسجن، تصل إلى المؤبد والخمسة عشر عاما.
طالب نشطاء كثيرون بتدخل الأزهر وشيخه أحمد الطيب لإنقاذ الطلاب المساكين من المصير الأسود الذي ينتظرهم. لم نسمع ردا من الأزهر إلا يوم، السبت 8 يوليو، حيث صرحت مصادر أزهرية لم تعلن عن نفسها، لصحيفة المصري اليوم بأن شيخ الأزهر يتابع الموقف ويحرص على منع تسليم الطلاب الصينيين المقيدين بجامعة الأزهر فحسب.
أرجو أن تصْدُق هذه المصادر المجهولة، رغم أن المتحدث الإعلامي لجامعة الأزهر نفسه طمأن الإعلام بأن الطلاب لم يُعتقلوا، مطالبا، (يا للنكتة) وسائل الإعلام بالدقة في تحري الأخبار، لنقرأ اليوم تصريحات المصادر المجهولة، المناقضة لتصريحاته، والمعترفة بوجود المشكلة واعدة بحلها على يد الطيب. ليت المتحدث الإعلامي يتحرى الدقة إذن.
لكن هذه المصادر المجهولة لم تفسر لنا بعض أمور: ماذا عن الطلاب الصينيين الذي أتموا دراستهم بالأزهر وخافوا من الرجوع لنظامهم القمعي؟ ماذا عن الاستنكار الشديد الذي أعلنه الأزهر وشيخه منذ سنتين تقريبا، للتضييق على مسلمي الإيغور ومنعهم من الصيام، مع إدانة صريحة للنظام الصيني، بل مع دعوة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للتدخل لحماية الأقلية المسلمة المضطهدة هناك؟
الحق أن هذا الاستنكار في محله، وأن اضطهاد أية أقلية في أي مكان بالعالم جريمة، مهما كان دين هذه الأقلية أو عِرقها، لأن الظلم مدان في الشرائع والثقافات الإنسانية كلها. لماذا إذن تعلن المصادر الأزهرية المجهولة تخلي الأزهر عن هؤلاء المسلمين أنفسهم لمجرد أنهم لم يعودوا من طلابه؟ ولماذا لا يضغط الأزهر لترحيل هؤلاء الطلاب إلى الجهات التي يختارونها، إن كان ترحيلهم من مصر واجبا قانونا؟ لماذا لا يستنكر الأزهر هذه الأيام، القمع الذي يتعرض له مسلمو الإيغور؟ هل يحق لذوي النفوس الخبيثة أن يربطوا شجاعة الأزهر في استنكاره بعدم ممانعة النظام المصري له في حينه، بينما تغيرت بوصلة مصالح النظام الآن؟
على أن ذلك كله أثار لديّ سؤالا أكثر خبثا: "عمن يدافع شيخ الأزهر؟". إذا بحثنا على محرك البحث الشهير جوجل عن جملة "شيخ الأزهر يستنكر" سنجد استنكارات كثيرة من شيخ الأزهر للهجمة الإعلامية التي وصفها بالشرسة، على مستشاره القانوني محمد عبد السلام. ما طبيعة هذه الهجمة "الشرسة"؟ وكيف واجهها الأزهر؟ ومن هو ذلك المستشار الذي مدحه الطيب مديحا مضحكا فوصفه بأن: "فضله على الأزهر لا يساويه فضل، وأنه جندي خفي معنا وراء تحقيق إنجازات المشيخة.. وأن محمد عبد السلام وجهده وراء نجاح الأزهر الشريف"، دون أن يوضح كيف يمكن لأي مستشار قانوني أن يكون فضله على الأزهر، بجلاله، فضل لا يساويه فضل؟ وما هي إنجازاته بالتحديد؟ وأين فضل مؤسسي الأزهر وقياداته على مر تاريخه؟ وكيف يكون جهد رجل واحد سببا لنجاح مؤسسة بحجم الأزهر؟ هل هناك أزهر آخر غير الأزهر الذي نعرفه؟
هكذا وجدت نفسي مضطرا لعمل أشد خبثا: البحث عن هذا المستشار القانوني ومحاولة فهم كيف حمل الأزهر على كتفيه حتى عبر به إلى بر النجاح والإنجازات؟ هنا كانت الكارثة.
اكتشفت مقالات وتقارير أذهلتني. منها سلسلة مقالات نشرها الكاتب أحمد الخطيب رئيس القسم السياسي في جريدة الوطن، عن وقائع الفساد في الأزهر، وعن وقائع فساد مرتبطة بعبد السلام نفسه. منها واقعة اختيار الدكتور عبد الحي عزب رئيسا لجامعة الأزهر بناء على حكم قضائي مزور قدمه الرجل، الذي عين زوجته مستشارا له بعد انتهاء فترة عمادة كليتها، ثم اكتشاف أن الحكم الذي قدمه لمجلس القسم بأحقيته في العمل حتى الخامسة والستين حكم مزور، ثم تقديم استقالته فجأة، وعدم التحقيق في شيء من ذلك.
تناولت سلسلة مقالات الكاتب ملفات فساد مفصلة تمس عبد السلام، منها دوره في ترقية غير مستحقة لأحد أقربائه، ومحاولة تأسيس فرع للأزهر بدولة خليجية ثرية على نحو غير سليم، وتعطيل اختيار إمام أزهري لأكبر مسجد في أوروبا لمدة عام تقريبا، ووجود استراحة فاخرة له بالأزهر... (سأرفق روابط لهذه المقالات في نهاية المقال لأن إيجازها هنا غير مناسب للمساحة المتاحة).
بحثت عن رد الأزهر على هذه المقالات، لأنه يصعب تجاهلها مع تواليها ودلالتها المذهلة على الفساد، فكيف جاء رده؟ رفع قضية على الكاتب ورئيس تحرير الجريدة، مع أن الكاتب صرح دائما بتقديره لشيخ الأزهر وتحدث عن السيسي باحترام واضح، وطالب فقط بمحاسبة المستشار عبد السلام على أخطائه، ومع أن جريدة الوطن ذات نهج سياسي منحاز بوضوح لنظام السيسي. لم يناقش الأزهر تفصيلة واحدة مما ورد بالمقالات، لم يحقق في واقعة منها، لم يحاسب مسئولا واحدا على شيء، بل اتهم الكاتب ورئيس التحرير بإهانة الأزهر ونشر أخبار كاذبة... إلخ
ولأن الاتهامات التي ضمتها المقالات كانت مخيفة وغريبة حقا، آثرت أن أبحث عن شهادات أخرى عن المستشار الجليل عبد السلام، فوجدت استغاثات من نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، بالرئيس السيسي والشيخ الطيب لإنقاذهم من عبد السلام الذي يرونه وبالا على الأزهر. ستجدون روابط لبياناتهم وتوسلاتهم التي ذهبت سدى.
ثمة مفاجأة أخيرة لكم: في يناير الماضي تمت إحالة الكاتب ورئيس تحرير الوطن لمحكمة الجنايات في قضية إهانة الأزهر، وبدأت محاكمتهما في مارس ومازالت مستمرة، حيث يطالب الأزهر بتعويض يليق بعجائبية الموقف: مليون ومائة ألف جنيه. استرها علينا يا رب
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن