الزواج وطلب العلم
.
"البارحة التقيت بأحد طلبة العلم ، وهو من المشاهير والمشهود لهم من أهل التخصص ، ودروسه يتناقلها الطلبة ، وله إنتاج علمي غزير ، وفي معرض حديثنا تطرق للكلام عن حياته الشخصية ، وكان مما لفت انتباهي أن زوجه أيضًا طالبة علم وتدرس الدكتوراه حاليًا ، ولهم أبناء ، فأحببت سؤاله عن مدى تأثير ذلك على زواجهما ، فوجئت بأنه قال :- بالعكس ، هي خير معين لي ،، كثيرًا ما تعد معي الدروس ، وتساعدني في البحث ، وأنا أفعل ذلك لها أيضًا ، بل لولا الله ثم هي ما كنت أنا الذي تراه الآن ، وذكر عن أنها
كانت تسهر معه كثيرًا وتحملت الكثير لأجل أن يصل لما وصل إليه.
بصراحة ذهلت ، فكلامه ينقض ما يسود بين غالبية من أعرف من أن الزواج بطالبة علم أو من تسمى مثقفة أو مهتمة بجانب معرفي متعب ، وفي الغالب يفشل ، أو على الأقل يصرفك عن كثير من اهتماماتك وإن لم يفعل فلن تنعم بحياة أسرية هانئة فهي منشغلة وأنت كذلك ، وحقيقة هناك الكثير ممن أعرف حصل لهم هذا فعلًا ، وأعرف شخصيًا كذلك من فشل زواجهم ويتذرعون بهذا السبب.
و الصواب برأيي أن ادعاء قاعدة عامة في مثل هذه الأمور غير صحيح ،، فالعلاقات الإنسانية معقدة جدًا ، وطرح رأي نجعله جوهراني أو نموذج لما يحدث بين البشر ونعممه عليهم هو من قبيل الحماقة.
شهد التاريخ الكثير من الحالات التي شهدت نجاحًا من هذا النوع ، ومعروف مثلًا مثال ابن حجر العسقلاني وزوجه أُنْس بل وعامة أهل بيته ، وكذلك نواب شاهجان زوج صديق حسن خان القنوجي ، ورابعة المقدسية زوج عبدالغني المقدسي ، والكثير الكثير جدًا ، بل ويذكر عن بعضهن أخبار عجيبة مثلما ذكر ابن بسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ، عن سارة بنت ابن كسران التي ليلة زفافها على الشيخ حمد بن عتيق قرأت عليه سورة البقرة كاملة !
وأما في السياق الغربي فحدث ولا حرج ، هذا ويل ديورانت مع زوجه أريل مكثا ما يربو على أربعين سنة ليصنفا كتاب قصة الحضارة ، وألفين توفلر مكث مع زوجه هايدي ما يقرب ثلاث عشرة سنة في تأليف كتابهما المهم جدًا " الثروة واقتصاد المعرفة" وظاهرة التأليف الزوجي المشترك مشهورة في السياق الغربي ، ومعلوم ما يربط بين الفلاسفة هيدغر وحنة ارندت وسارتر وسيمون دو بوفوار وإن كانت علاقات ليست زوجية ، وهناك علاقات زوجية مثل الفيلسوف والأديب تودوروف مع زوجه الأديبة نانسي هيوستن وغيرهما كثير ..
المراد هنا هو تحطيم أسطورة القواعد المعممة على العلاقات الإنسانية المعقدة ،، فكل علاقة لها سياقها العام إشكالاتها وعوامل نجاحها وفشلها ، وقد تصح القواعد العامة المشتركة بين الجنسين والتي لا تغرق بالتفاصيل مثل طلب التعامل بحكمة ، وأيضًا مثلما قال النبي ﷺ :- لا يفرك مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلق رضي آخر .. مثل هذه النصائح مطلوبة لأنها تراعي السياقات وتضع الكرة بملعب أطراف العلاقة ، لا تلك النصائح الموجهة والحاكمة الجبرية التي تأتي من خارج الدائرة .."
والله أعلم
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة