مقوِّمات المربي الناجح
منذ كنا تلاميذ وطلاباً كنا نميِّز ثلاثة أصناف من المعلمين والأساتذة، فنقول: هذا مدرِّس متمكِّن من مادته لا تكاد تغيب عنه منها شاردة ولا واردة؛ لكنه لا يملك القدرة الجيدة على إدارة الصف، والتأثير في الطلاب وكسب قلوبهم، وفرض هيبته وتوصيل المعلومة إليهم.
وذاك على عكس الأول؛ يمتلك الجاذبية والمرونة والقدرة على التفهيم... لكنه محدود العلم، فإذا سُئل عن أي مسألة خارج حدود الدرس الذي حضَّره؛ لا يكاد يعرف الإجابة، فتراه يتهرَّب بلباقة أو غير لباقة.
وثالث يجمع بين الحُسنيين: التمكُّن من المادة التي يدرِّسها، والقدرة على التعليم والتفهيم، والتأثير في نفوس الطلاب...
وواضح أنَّ المربِّي من النوع الثالث هو الأكثر نجاحاً في عمله. وإذا أردنا أن نسبر غَوْره ونتعرَّف إلى أسباب نجاحه وجدنا في شخصيته ثلاثة مقوّمات:
• الأول: العلم والمعرفة في الجانب الموكول إليه، فمعلِّم اللغة (العربية أو الأجنبية) ينبغي أن يكون متمكِّناً من مادته، وكذا معلِّمو التجويد والفقه والرياضيات والتاريخ والأخلاق...
بل ما أجود أن يكون المعلّم واسع الاطّلاع في جوانب أخرى من العلوم والمعارف، وهو الذي يوصف بأنه يعرف شيئاً عن كل شيء، فهذا يُكسِبُه مزيداً من الثقة بنفسه، ومزيداً من الاحترام من طلابه، ومزيداً من القدرة على ربط المعلومات والمفهومات والقيم.
وقد كان بعض مَن درَّسني الرياضيات متمكِّناً من قواعد اللغة العربية، فكان يصوغ البرهان على النظريات والمسائل الهندسية بأسلوب فصيح، بل كانت له اطلاعات وقراءات في علوم وآداب شتَّى... فكان يملك قلوب الطلاب وعقولهم.
• الثاني: أن يكون صاحب قدرات تربوية تمكِّن من توضيح المعارف، ومن غرس القيم، وتوجيه الطلاب أخلاقيّاً ومسلكيّاً، وتقديم النصح لهم ليكونوا أكثر علماً وأقوم سلوكاً وأعمق إيماناً...
وهذه القدرات قد يملك المعلِّم شيئاً منها بحكم الميراث والفطرة والتربية التي تلقَّاها منذ صغره في بيئته... ولكن هذا _ كما نرى _ ليس بكسبه وجدِّه. فهناك سببان آخران مما يقدر على اكتسابهما؛
أحدهما: سعة اطلاعه على كتب علم النَّفس التربوي والمقالات والبحوث المتعلِّقة به؛ مما تنشره بعض المجلات وبعض مواقع الإنترنت، فهذا مما يُنشئ عنده أو يوسِّع ويعمِّق الحسَّ التربويَّ في شخصيَّته. بل من الجيد أن يُحصِّل شهادة دبلوم في التربية.
وثانيهما: الخبرة والممارسة والتجربة... فهذه تعين على ربط النظريات التربوية بالواقع المعيش. فالمربِّي يتعلَّم من تجاربه هو، كما يتعلَّم من تجارب أساتذته وزملائه، فيقول في نفسه: لو مرَّت معي مثل هذه الحالة لعالجتها كما عالجها المربي فلان، أو لعالجتها بأسلوب أجدى...
• الثالث: وهو لا يقل أهمية عن المقوّمين السابقين، لا سيَّما في مجال غرس القيم والمفاهيم وإكساب المهارات. ونقصد به استقامة المعلِّم في سلوكه وأخلاقه، والتزامه بما يدعو إليه. فإيمان المعلِّم وتقواه وتواضعُه ولباقته وصدقه ووفاؤه لأساتذته وشيوخه، وحفظ غيبة زملائه، وحرصه على نفع طلابه وعلى استثمار وقت الدرس بما يفيدهم، والتزامه بالمواعيد وحسنُ تحضيره الدروس... وامتناعه عما ينهى عنه تلاميذه من الأخلاق الهابطة والعادات السَّيِّئة... كل هذا مما يجعله مربِّياً حقاً.
ولقد كان ما هدانا إليه نبيُّنا [ لا يقتصر على تبليغ كتاب الله تعالى، ولا على ما أتحفنا به من عظيم العلوم والمعارف والأخلاق والتوجيهات، بل فوق ذلك ما تحلَّى به [ من خُلق عظيم، وعبادة دائبة، وذكر لله لا ينقطع، وتواضع وكرم ورحمة وشجاعة وحياء وحكمة... وهو ما جعله الأسوة الكاملة مصداقاً لقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا ).
9 / 40
فكان هذا من كمال قيامه بمهمة تزكية أمته وتعليمهم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
ولقد وصفه أحد أصحابه، وهو معاوية بن الحَكَم فقال: "ما رأيتُ معلّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه". رواه أبو داود.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد معلِّم الناس الخير، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة