...كيف أثق بك؟!
تتسلّل أشعة الشمس إلى غرفتها لتنذرها بقدوم فجر جديد.. ولتنزعها من فراشها الداثر ليوم آخر مزدحم.. فيطول انهماكها بتحضير حاجيات الزوج وتوضيب المنزل ليكون كل شيء على أحسن وجه حين يستيقظ زوجها.. فلا تقصِّر في أداء واجبٍ زوجي لأنها تنظر إلى الهدف البعيد في الحياة.. رضا الله جلّ وعلا وجنّة عرضها السماوات والأرض.. تدخلها من أي أبوابها شاءت..
لم تتأفف يوماً بالرغم من كثرة المسؤوليات.. ولم تتلكأ عن مهمّة أو طلب إلا أن تكون في حالة لا تستطيع معها أن تتنفس! وتسعى جهدها لإقامة أعمدة المودة والرحمة مع زوج له وعليه!
وتدق ساعة الخروج كي لا يحبسها ازدحام الطريق عن الوصول إلى عملها على الوقت..
هي: سأخرج إلى العمل حبيبي الآن.. هل توصيني بشيء؟
هو: لن تذهبي للعمل بعد الآن.. انتهينا!
هي: انتهينا من ماذا؟ ما الذي يجري؟ لِم تريد منعي من العمل؟!
هو: هكذا قررت وعليك التنفيذ.. لم يعد يروق لي أن تخرجي كل يوم وتغيبي كل تلك الساعات في عملك..
هي: ولكننا اتفقنا قبل الزواج على أن أبقى في العمل، وأنت أكّدت لي أنك لن تمنعني طالما أنا أرغب بذلك.. ما الذي تغيّر؟
هو: لا شيء تغير إلا قراري.. وعليك الالتزام بما أقول!
هي: ألتزم بما تقول عندما تلتزم أنت بوعودك أولاً.. وإذا أردت تعديل قرار وافقتَ عليه فيجب أن تستشيرني ونتحاور حتى نصل إلى خيار يُرضينا نحن الاثنين.. أمّا أن تُصدر الأوامر وأنا أنفّذ ما تريد فقط فهذا ليس معقولاً لا شرعاً ولا أخلاقاً!
هو: الموضوع انتهى.. ابقَيْ في البيت.. هذا قراري أعجبك أم لا.. نفّذي والسلام!
هي: إنها ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها عن وعد قطعتَه أيام الخطوبة.. كيف تريدني أن أثق بك بعد اليوم؟!!
هذه هي الكلمات التي لم يجد الزوج غيرها ليبلّغها تراجعه عن قرار آخر دون تفاهم معها حول رغبتها وأسبابه! وهنا لنا وقفتان.. الأولى مع الزوجة والأُخرى مع الزوج..
فقد تكون الزوجة قد قصَّرت في حقوقه.. أو أن دوامها طويل.. يأتي قبلها إلى البيت فلا يجد من يهتم به.. أو أنها تعود منهكة القوى لا تستطيع تلبية متطلبات البيت والزوج.. فهنا يجب أن تقف الزوجة مع نفسها لتعرف: هل يمكن إسقاط أي من هذه الأمور عليها فتبدأ المعالجة؟ أم تقتنع بما يريد الزوج لأن فيه المصلحة الكبرى؟
وقد يكون الزوج مستبداً متسلِّطاً ديدنه كسر شوكة زوجته لعقدة فيه، فمفهوم القِوامة مشوّه عنده، ويعتقد أن من حقه أن يُصدر الأوامر وعليها التنفيذ بدون اعتراض. فهنا معرفة المعنى الحقيقي للقِوامة واجب عليه، وأنها مقرونة بالمشورة، خاصة إن كان الأمر يتعلق مباشرة بالزوجة. وإنْ صَدَق في توجهه وكان همّه مصلحة الأسرة فسيصلان إلى حل يُرضي الطرفين بالحوار والتفاهم..
وفي قضية منع الزوج زوجته من العمل بالتحديد، والتي كثيراً ما يحصل الخلاف بسببها.. فهناك بعض تفصيل..
فإن كانت الزوجة قد وضعت شرط عملها في عقد الزواج فهذا من الشروط الجَعلية; أي ما توافق عليه الزوجان وجعلاه في العقد، وهناك رأيان للفقهاء; رأي يقول إنه يجب الوفاء بالشرط ديانةً وقضاءً إن لم يكن يخالف نصاً شرعياً أو مقتضى العقد، ورأي يقول إنه يُلغى وليس على الزوج الوفاء به.
أما إن لم يكن شرط العمل قد أُدرِج في عقد الزواج: فيحق له منعها خاصة إن كان عملها يفوِّت عليه حقّه أو حق بيته.. ولكن ماذا عن تراجعه عن وعده لها وعدم إشراكها في أخذ القرار؟! المشكلة تكمن في طريقة التعاطي مع هذه الجزئية، فلو تحقق التقصير فعلياً لاستطاع بتحاوره معها أن يبرهن ذلك، فإن كانت راغبة باستقرار البيت والحفاظ على ودّ الزوج ركنت إلى قراره بعد الشورى..
أما أن يقوم بمنعها للإضرار بها فلا يجوز له المنع، ويكون متعسّفاً في استعمال الحق!
وقد يستفحل الوضع إنْ تكرر تراجعه عن أمور عديدة كان قد وعدها بها قبل الزواج.. فبعض الأزواج في فترة الخطوبة يَلينون في كثير من الأمور التي ترغب بها المخطوبة فقط لتقبل الزواج.. ثم حين تصبح في المنزل الزوجي يتراجع الزوج عن قراراته وبالتالي تفقد الزوجة الثقة به تدريجياً وتشعر أنه غُرِّر بها، ثم تبدأ العلاقة الزوجية بالتدهور! وفي حقيقة الأمر لربما رفضت هذه الزوجة الارتباط بهذا الزوج لو أنه أصْدَقها القول منذ الخطوبة أنه لن يسمح لها بالعمل أو غيره من الشروط التي اشترطتها عليه للزواج!! يقول رسول الله صلى االه عليه وسلّم: «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج». ويقول - بأبي هو وأمي -: «المسلمون عند شروطهم». فهل من المروءة والأخلاق والدِّين أن يتهرّب الزوج من وعوده وينكث بها من دون مسوّغ منطقي أو شرعي؟ وحتى مع وجود المسوّغ، يجب أن يتحلّى بالأخلاق الراقية ويتحاور مع الزوجة ليقنعها بنظرته المستجِدّة للأمور التي تراجع عنها فيخرجا من الحوار متفقين راضيين.. وقد تتنازل هي راضية عما تريد إكراماً له بسبب نبله ورِفعة أخلاقه في تعاطيه معها!
ولْيَبْقَ في وجداننا دوماً أنه بالحوار والمودة والرحمة تصطلح الأمور وتتذلل العقبات وترفرف السكينة في بيوتنا لتصبح سعيدة آمنة!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن