وقفة وفاء
رحل الجسد و بقيَتِ الذكرى
تعشعش في الحنايَا
بقلم: إيمان رمضان
مسؤولة القسم النسائي
مرَّ عام على رحيل أختنا سحر المصري رحمها الله تعالى. وما زلت أقلّب فكري وخاطري بين حقيقة ويقين الثقة بالله وبسنن الحياة التي كتبها علينا، وبين المعادلات التي تحاول عقولنا أن تصوغها لتريح الأنفس من ألم التفكير بآلام الفَقْد وآثاره.
كتب الله الموت على بني آدم وعدّد لذلك الأسباب، وبتعدّد الأسباب والظروف تتعدد النتائج والآثار. وكل ذلك وَفْق سنن الله تعالى في حياة البشر. ليعتبر أناس و يجتهد أناس ويُختبر أناس آخرون. سبحانه ربي! لكن المتفق عليه بين كل البشر أن الموت يُحدث حزناً لا يستطيع المرء المصاب التخلص منه إلا بمعونة الله ومشيئته.
بالنسبة لنا في جمعية الاتحاد الإسلامي فإن موت أيِّ أعضائها يسترجع فينا حزن الفراق على كل أخ أو أخت فارقونا، خاصة من كان لهم دور رائد في العمل الدعوي أو إدارة المؤسسات. لأنهم بجهودهم وتضحياتهم شكّلوا إضافة للعمل في الساحة الإسلامية عامة وفي ميدان مؤسساتهم خاصة فالجرح يطال كل من عرفهم ومن لم يعرفهم.
ولعل الجرح الكبير يكمن بموت المؤسِّسة الأولى للعمل النسائي، الأخت أم علاء رحمها الله تعالى (والتي توفيت قبل 7 أعوام) ثم لحِقَتْها العام الماضي وفاة الأخت سحر تغمدها الله بواسع رحمته، وقبلهما وبينهما أخوات لنا لا ننساهن و نترحم عليهن في دعائنا وصلواتنا. ولأن الميت يُذكر بآثاره ومواقفه، فسأذكر أهم خصالهما التي عرفت عنهما بين النساء في ساحة العمل الدعوي والإنساني.
إن موت أي إنسان يبعث الحزن في عائلته ومحبيه، ولكن خصوصية هاتين الأختين في البصمة التي تركتاها -في قلوب كل من تعرّفت عليهما - هي أشد ما نتحسَّر عليه. فمن منا لا يعرف كيف بدأت الأخت مطيعة (أم علاء) حياتها الدعوية بالتضحية والحرص على إتمام العمل الدعوي والأسري واحتضان الأخوات ليكنّ خَلَفاً لها في الدعوة والإصلاح؟
هل نسيت إحدانا سعيها الدؤوب لكسب مهتدِيات جديدات ولسد حاجات أمهات الأيتام و رعاية المسنّات و إرشاد صاحبات الهم والحزن لما فيه خير الدنيا والآخرة (التمسك بديننا والتخلق بأخلاق نبينا) لتسعد وترمي عنها الحزن وتكون فاعلة في مجتمعها وتعين غيرها ممن لم تصل هي إليها؟
هل نسينا يوماً بيتها الذي جعلته محطة لكل أخت تطلب العلم أو النصح أو التدريب على حمل الهم الدعوي؟! وهي إذ كانت رحمها الله تقوم بذلك لا ينسى قلبُها الحنون أن يتفقد كل أخت منعها ظرفٌ ما من الحضور لتكون هي المبادرة بزيارتها وإعانتها لتأخذ دورها بين الأخوات. أحببناها بهذه الخصال التي كانت آخرها أن اتصلت بكل أخت وهي في مرضها وعلى فراش آلامها في المستشفى تسلِّم عليها وتقول لها: إني أحبكـ... توزع الحب وهي أشد ما تكون بحاجة إليه!! عرفت حقيقة الحياة واستسلمت لقضاء الله بصمت واطمئنان كما عملت طوال حياتها بصمت واطمئنان.
أما سحر (فراشتنا البيضاء) فإن كلماتي لن توفيَها حقها وجرحنا فيها لم يندمل بعد. وربما تسابقت الأقلام في رثائها لما لها من آثار طيبة في المجالات واللجان كافة. وفي غمرة الفتن التي تموج بالأُمّة فإني أذكر تلك العزة التي سطرتها كلمات في حبها للأقصى وقضيته *(قضية كل المسلمين)*، وفي اعتزازها بحجاب المرأة الشرعي وبحقوقها و قضاياها. لا يغيب عن ذهني حملها هم النساء التي كانت تقابلهن في محاضرات لجنة المرأة و الأسرة *حنايا*، فبدل أن ترتاح بعد محاضرة أو دورة ما فإن عملاً جديداً كان يبدأ لتلاحق هموم وحاجات كل واحدة. وتُتابع التواصل مع كل واحدة لفتت انتباهها باختصاص أو مهارة لتتعاون معها في تفعيل ذلك الاختصاص أو المهارة لإفادة العمل الدعوي. قلب عطوف ومشاعر راقية وعنفوان لافت وحرص على العمل، جمعت مع كل ذلك ذكاءً اجتماعياً لفت كل
35 / 40
من قابلها أو سمعها. اللهم لا نزكي عليك أحداً أنت أعلم بحال كل واحدة منهما ونحسبهما على خير بإذن الله.
السطور لا تتسع لذكر المواقف أو المآثر ولا لتعزية أهلهما الذين لم ينسوهما للحظة وإنما أتمنى أن تكونا في ركب من تقبلهنّ الله من الداعيات وأن تبقى ذكراهما أسوة لنا ولبناتنا اللاتي يَخْطون خطواتهن الجديدة في طريق الدعوة.
أم علاء وسحر.. وطيّب الأثر
بقلم: سهاد عكّيلة
أم علاء وسحر..
نجمتان سطعتا في سماء الدعوة.. ثم غادرتانا على عجل..
كلتاهما أبدعتا في جوانب، كلتاهما كانتا البلسم للكثيرين والكثيرات، كل بحسب ما خصّها الله به من مواهب...
أما أم علاء، فقد جعل الله في قلبها حباً فطرياً وتواضعاً للمساكين وأصحاب الحاجات. فكان منزلها موئلاً لهم، لا يهدأ لها بال حتى تقضي للمحتاج حاجته..
وأما سحر، فقد سخرت جُل وقتها للإسهام في إصلاح الأسر من خلال الاستشارات التي تستقبلها والبرامج الإذاعية والمقالات.. فضلاً عن الإسهام مع أخواتها في إنشاء لجنة المرأة والأسرة: حنايا..
هذه صفة لكل واحدة منهما: لعلها الأبرز، ولله الحمد أن جعل سبحانه في أبناء الأمة الخير الكثير.. فقد كثرت فيهما الخصال المحمودة، وقلّت نقاط الضعف:
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها
كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
وحيث إن اختيارات الإنسان في هذه الدنيا، الدروب التي يسلكها، والبيئة التي يجعلها مَوضع نشاطه... كلها تكشف عن معدنه، وتشكّل الصورة الإنسانية التي يراه الآخرون من خلالها، لتكون مؤشّراً على مآله في الآخرة: ((أنتم شهداء الله في الأرض)) رواه مسلم.. فإننا نُشهد الله أن أم علاء وسحر قد أثنى عليهما خَلْق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، وشهدوا لهما بالاستقامة على طريق الحق، وما ذلك إلا نتاج ما زرعتاه وما تركتاه من طيب الأثر:
وخــــذْ لـــكَ زاديـــنِ: مـــن سيــرة
ومن عمـلٍ صالـحٍ يدخرَ
وكن في الطريقِ عفيفَ الخُطا
شريفَ السَّماعِ، كريمَ النظر
فإليك أم علاء.. وإليك سحر.. قد أدّيتما الذي عليكما، نحسبكما كذلك والله حسيبكما، وتركتما بصمات خير سيبقى أثرها بإذن الله حتى نلقاه سبحانه وتعالى.. قد أراحكما الله من عناء الدنيا.. أما نحن فلا زلنا في الامتحان الصعب.. ولا زلنا نحاول التسديد والمقاربة.. ونحسن الظن بربنا أن يختم لنا على خير ما ختم به لعباده الصالحين.
رحمكما الله، وأزال عنا فُرقة الدنيا، وأطفأ نيران الشوق؛ بأن يجمعنا سبحانه معاً تحت ظل عرشه، وعند الحوض، وفي أعلى عليين.. على سررٍ متقابلين.. نتذاكر ما كان منا وكان وكان...
أمَّ علاء.. يا أمَّ علاء
بقلم: منى العاصي
لا أستطيع أن تمر ذكرى وفاتك ولا أخط لك ما يختلج في قلبي يا حبيبة قلبي..
مقولة أبدأ بها وللكلام تنمة:
36 / 40
"غداً سيذكرك الزمان لم يزل للدهر أنصاف وحسن جزاء "..
أم علاء يا قطعة من القلب فارقتني.. كم أشعر بالحزن وفداحة الخسارة حين أذكرك.. دموعي تختنق... فأنت المغذية لشرايين قلبي.. أنت سيرة عطرة، وذكرى طيبة وروحاً نقية، وميراث قيم.. ورثنا عنك.. حمل هم الدعوة.. الهمَّة العالية.. حب الإنفاق في سبيل الله..التضحية لدين الله.. الصبر.. ويا ليتنا نستطيع أن نكون مثلك... يا من كنت نبع العطاء المتدفق... يعز عليَّ فراقك، لأن مثلك في هذا الزمن قليل.. فكم نحتاج لأمثالك.. وفية صادقة متواضعة طيبة متفهمة...
أم علاء
مهما كتبت من كلمات ورثاء، وسطرت من حروف حزينة باكية، لن أوفيك حقك، ستبقى ذكراك الطيبة حية في قلوبنا، يا ساكنة في نبضات قلوبنا، وفي حدقات عيوننا... سأبقى كما عهدتني على العهد أبداً، أذكرك كلما طاف بي محياك، وهاجت بي أوان الدمع ذكراك... أنت الحاضرة الغائبة فينا.. ما يعزينا ويصبرنا أننا حتى لو افترقنا في هذه الفانية.. سنجتمع بإذنه في الباقية في جنة عالية قطوفها دانية.. على منابر النور في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ولا باقٍ إلا وجهه..
ان الكلمات عاجزة عن بث أوجاعها في ذكرى وفاتك، حتى باتت مغتسلة بالدمع..
أم علاء
سلام الله عليك، وعلى روحك الطاهرة... اللهم أغدق عليها شآبيب رحمتك ورضوانك.. واجمعنا بها ومن نحب في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة