وفيات الأعيان
كنت أظنه كتاباً قديماً في التراجم والسير يعرض حياة أعلام من العرب في أزمان سابقة وإذ به ينتقل من بين دفتين ليصير واقعاً سلبياً نعايشه في زمن مات ويموت أغلب من تألقوا بالبيان وحملوا السنان فأشير اليهم بالبنان فكانوا أعلاماً وأعياناً بأقوالهم و أفعالهم!
في هذا الزمن بقيت الألقاب وغاب المضمون والمحتوى، ظلت القشرة واختفت الحشوة، ظل من الكبراء أسماؤهم وتلاشت سيماهم!
إنه زمن الأنا المتضخمة التي تراكم الماديات دون عون من الروح يدعمها، دون إحساس يحفظ لها إنسانيتها، دون بساطة مختلطة بعزة نفس ذاتية لا تزيد بمراكمة الذهب و لا تقل إذا رق الحال.
وصدق الشاعر:
يعز غني النفس ان قل ماله
ويغنى غني المال وهو ذليل
إنه زمن سقوط الألقاب والأقنعة والنياشين التي أصبحت ظاهرا سطحياً لباطن خبيث، لنور يبدو ساطعاً إذا نظرت، و هو نار تحرق إذا اقتربت و مسست.
أما الأدهى من هذا فإننا ما زلنا نتطلع إلى مثل هؤلاء بالإكبار و نظن ان لكل صاحب لقب من هذا اللقب نصيبا و لكل حامل وسام وسما و صفة و حالا يعيش بها بين الناس و ما زلنا نصاب بالإحباط كلما ظهرت الحقيقة مغايرة لتخيلاتنا!
ملامون نحن اذ نقدس بعض الأحياء عن الخطأ أو نظن بهم الترفع في زمن زادت فتنه و شبهاته وتلونت الدنيا لكل طالب لا يتقن الموازنة بين متطلبات الجسد و الروح!
ملامون إذ نصاب بالصدمة في المبادئ عندما يتخلى عنها الناس او يخطئون في تطبيقها و كأن البشر وتصرفاتهم هم القياس على نبل المبادئ و صحتها!
ملامون نحن عندما نصطنع الأعذار و الحجج الواهية لأنفسنا لنبرر تخلينا مثلما تخلى غيرنا و كأن المبادئ فرس نتركها و نطلق عليها رصاصة الرحمة إذا لم تبلغنا السباق!
لقد آن للناس أن يدركوا أن الخير مطلق فوق الشخوص وأدائهم ولذا قيل : «اعمل بعلمي و لا تنظر الى عملي ينفعك علمي و لا يضررك تقصيري و انظر لنفسك فيما أنت فاعله من الامور و شمر فوق تشميري»؛ فمن أدرك ذلك كفى نفسه ألم الخذلان و زعزعة الثقة و اهتزاز الخطوة و حرر نفسه من سلطة البشر و إحسانهم او إساءتهم، فما الأعيان من الناس إلا من دلت عليهم افعالهم و استقاموا على ذلك حتى مماتهم، ما الأعيان إلا من زادت بهم شعوبهم بصيرة و رفعة، أما غير ذلك من ألقاب في غير موضعها فما زادتنا غير انتكاس و انتفاش و ارتكاس و نحن نرى بعدها عن واقعها و صدق اجدادنا إذ قالوا «اللي بمشي عرجليه لا تحلف عليه»
العين من الناس كل مشهور و مقصود و هؤلاء مهما اختلفت ميادينهم منظور عملهم و محفوظة سيرتهم و السعيد من تألق بالاسم و تخلق بالفعل و أضفى لمسة خير و خلق صدق على لقبه.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن