لماذا يجب على بريطانيا الاعتذار عن وعد بلفور …
حتى هذه اللحظة، لا يبدو أن الحكومة البريطانية تميل إلى مراجعة سلوكها الاستعماري في فلسطين، والذي أدى إلى إنشاء الكيان الصهيوني على أرضها وإلى الكارثة التي أصابت شعب فلسطين، فاقتُلع من معظم أرضه ودُمّر نسيجه الاجتماعي، وأصبح غالبية أبنائه من اللاجئين. وما تصريحات رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي المتعجرفة التي تفخر بوعد بلفور وإنشاء ”إسرائيل“ إلا دليل على ذلك.
حاولت السياسة البريطانية طوال عقود الادعاء أنها سعت أثناء احتلالها لفلسطين 1917-1948 عدم الإضرار بالشعب الفلسطيني… وأن سياق الأحداث هو الذي أدى إلى تلك النهاية المأساوية للشعب الفلسطيني.
نورد فيما يلي عشرة أدلة ومؤشرات على العقلية السياسية الاستعمارية البريطانية التي لم تكن تأبه لإرادة الشعب الفلسطيني، والتي تؤكد أن السياسة البريطانية تعمدت الخداع والكذب، وتنكرت لعهودها للفلسطينيين والعرب، ومارست على الأرض إجراءات تعلم أنها ستؤدي إلى نتائج كارثية للفلسطينيين، وتعمدت قمع الشعب الفلسطيني، وحرمته من تطلعاته للحرية والاستقلال:
1. بالإضافة إلى مراسلات الحسين – مكماهون 1915-1916 التي فهم منها الشريف حسين والعرب، أن فلسطين ستكون تحت الحكم العربي بعد جلاء العثمانيين عنها، فإن بريطانيا قدمت ثلاثة وعود أخرى صدرت كلها بعد وعد بلفور، وفهم منها العرب أنها جاءت ملغية لوعد بلفور ومطمئنة لهم بشأن مستقبل فلسطين.
أولها كان ”تأكيدات هوجارث“ في كانون الثاني/ يناير 1918.
وثانيها ” التصريح البريطاني للسوريين السبعة“ في حزيران/ يونيو 1918.
وثالثها ”التصريح البريطاني الفرنسي“ في 7/11/1918، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، وبعد استكمال احتلال فلسطين. وفيها التزمت بريطانيا بالحقوق السياسية والاقتصادية للفلسطينيين والعرب وبعدم الإضرار بها. وقد تنكرت بريطانيا لكل هذه العهود.
2. التزمت بريطانيا أثناء احتلالها لفلسطين بتطبيق الشق الأول من وعد بلفور بإنشاء ”وطن قومي لليهود في فلسطين“، لكنها لم تلتزم بشقه الثاني الذي يتضمن عدم الإضرار بحقوق الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون في ذلك الوقت نحو 92% من السكان وفق التقديرات البريطانية نفسها.
3. تنكرت بريطانيا لجوهر مهمتها كقوة انتداب وفق ميثاق عصبة الأمم. فقد حصلت بريطانيا على غطاء دولي في 24/7/1922 يُعيّنها منتدبة على فلسطين. وجوهر فكرة ”الانتداب“ وفق ميثاق عصبة الأمم ينص على أن تقوم القوة المنتدبة بمساعدة الشعب تحت الانتداب على بناء مؤسساته السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتهيئته للحصول على الاستقلال… وهو ما لم تلتزم به بريطانيا إطلاقاً تجاه شعب فلسطين. وبالرغم من أن بريطانيا أدخلت وعد بلفور ضمن وثيقة الانتداب
إلا أن ذلك لم يُعفها من مسؤوليتها تجاه شعب فلسطين.
4. تعمّدت بريطانيا تبنّي سياسات تعلم أنها ظالمة تجاه الفلسطينيين مع سبق الإصرار:
بالرغم من الدعاية البريطانية، إلا أن تطلعات الشعب الفلسطيني لم تكن تستحق الاهتمام بالنسبة للزعماء البريطانيين. وعلى سبيل المثال، كتب بلفور إلى اللورد كيرزون (الذي أصبح وزيراً للخارجية بعده) في 11/8/1919 قائلاً إنهم في فلسطين لا يرغبون في استشارة الناس حول تطلعاتهم، إذ إن القوى العظمى على حدّ تعبيره ملتزمة تجاه الصهيونية. ”وأياً تكن الصهيونية حقاً أم باطلاً، جيدة أم سيئة، فإنها أهم بكثير من رغبات ومظالم السبعمائة ألف عربي المقيمين الآن في هذه الأرض القديمة“.
أما وزير المستعمرات ونستون تشرشل فذكر في مجلس العموم البريطاني في 9/2/1922 أن السياسة البريطانية في فلسطين ”معتدلة“!! فهي ”تسعى من جهة لإقناع طرفٍ ]العرب[ بالإذعان، وإقناع الطرف الآخر ]اليهود[ بالصبر“. أي أن ما كان يسميه الساسة البريطانيون اعتدالاً كانت عملية إخضاع منهجي للفلسطينيين، لكنها عملية متأنية متدرجة تستدعي الصبر وعدم العجلة من اليهود الصهاينة.
كان المطلوب إنشاء ”الوطن اليهودي“ بطريقة ذكية متدرجة تتجنب قدر الإمكان ثورات الفلسطينيين والعرب التي قد تعطل المشروع، والتي قد تزيد من تكاليف الاحتلال البريطاني لفلسطين. ولذلك، عندما قرر رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونالد سنة 1931 تعيين مندوب سامٍ جديد لفلسطين قال لرئيس الحركة الصهيونية العالمية في ذلك الوقت حاييم وايزمن، إنه يريد أن يُعيّن جنرالاً يقوم بتنفيذ الأمور برأـسه (بعقله) وليس بقدمه!!
ويتسق هذا السلوك مع إصرار الحكومة البريطانية على رفض توصيات لجنة كنج-كرين الأمريكية الرسمية سنة 1919، والتي قالت إن إنشاء دولة لليهود في فلسطين، لا يمكن أن يتم دون إحداث أخطر انتهاكٍ للحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين.
كما تجاهلت الحكومة البريطانية تصويت مجلس اللوردات البريطاني ضد السياسة البريطانية في فلسطين بأغلبية 60 عضواً مقابل 29 عضواً، في 21/6/1922، لأنه وجد أن سياستها الانتدابية مرفوضة بشكلها الحالي، لأنها تنتهك بشكل مباشر تعهدات الحكومة البريطانية تجاه شعب فلسطين.
5. تعمّد تعيين مسؤولين وموظفين بريطانيين مؤيدين للصهيونية في فلسطين. وقد أشار إلى هذا السلوك مثلاً رونالد ستورز الحاكم البريطاني للقدس (1917-1926) مؤكداً أن الذين كانوا يظهرون تعاطفاً مع العرب كان يتم التخلص منهم (were eliminated) كما أكد ذلك نورمان بنتويش، وهو يهودي صهيوني، تولى منصب المدعي العام خلال فترة العشرينيات.
6. الحكم الاستعماري المباشر: فبالرغم من أن السياسة الاستعمارية البريطانية العامة كانت تميل إلى الاستعمار غير المباشر من خلال حكام محليين يتبعون سياستها ويعملون تحت سقفها، إلا أنها في فلسطين عمدت إلى الحكم المباشر بالرغم من أن القدرات والكفاءات والخبرات التي كان يملكها الشعب الفلسطيني، كانت أكبر بكثير من الإمكانات في بلدان أخرى تولى أبناؤها الإدارة والقيادة. لقد كان المندوب السامي هو ”الملك غير المتوَّج“ الذي يملك صلاحيات تكاد تكون مطلقة. وفي الوقت نفسه رفضت بريطانيا بإصرار تشكيل حكومة فلسطينية ولو تحت إشرافها، كما رفضت عقد انتخابات برلمانية تمثّل بشكل صحيح سكان فلسطين.
وتحكمت بكافة الوزارات والمؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية في فلسطين؛ وتولى إدارتها بريطانيون، في الوقت الذي حُرم فيه الفلسطينيون من تطوير مؤسساتهم بأنفسهم، وتجهيز أنفسهم لمرحلة ما بعد الانسحاب البريطاني والاستقلال. وينطبق على ذلك أن الفلسطينيون حُرموا من تأسيس قوة عسكرية تتمكن من حمايتهم وحماية البلد بعد الانسحاب البريطاني، بينما سُمح لليهود بتطوير بُنى عسكرية ضخمة استعداداً للخطة الحاسمة.
7. مندوبون سامون بخلفيات عسكرية عالية: فقد كانت فلسطين تحت الحكم العسكري البريطاني المباشر في الفترة 1917-1920، حيث حكمها موني ثم واتسون ثم بولز وكلهم جنرالات في الجيش البريطاني. وعندما تحولت إلى الحكم المدني تولى منصب ”المندوب السامي“ شخصيات متقاعدة من السلك العسكري في أغلب الأحيان.
فاللورد بلومر (1925-1928) وصل إلى مرتبة فيلد مارشال، وجون تشانسلور (1928-1931) كان ضابطاً في قسم الاستخبارات في وزارة الحرب، وآرثر واكهوب (1931-1938) كان جنرالاً، وكذلك جون جورت (1944-1945)، وآلان جوردون (1945-1948) كلاهما كانا جنرالين. أما هربرت صمويل (1950-1925) فكانت تكفيه خلفيته كيهودي صهيوني وكوزير داخلية سابق في الحكومة البريطانية. أما هارولد مكمايكل (1938-1944) الذي كان مستشرقاً، فإن معظم الفترة التي حكم فيها كانت فلسطين تحت الأحكام العسكرية العرفية، بسبب الثورة الفلسطينية، ثم بسبب الحرب العالمية الثانية؛ حيث نُقلت الكثير من صلاحيات المندوب السامي إلى قائد القوات العسكرية في فلسطين.
8. إعادة تشكيل وبناء النظام القضائي والقانوني بما يتوافق مع سياستها في فلسطين، وبما يعطيها الغطاء لقمع الثورات والانتفاضات، وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم، وتسهيل الهجرة والاستيطان اليهودي وتحويل ملكية الأراضي وإعطاء الجنسية ”الفلسطينية“ لكل المهاجرين اليهود.
وقد تولى المهمة في العشرينات اليهودي الصهيوني نورمان بنتويش، حيث أشرف على إصدار أكثر من 350 قانوناً ونظاماً. وكان الفلسطينيون يشتكون دائماً من مظالمه في الوقت الذي كان مكلفاً بحراسة ”العدالة“ في فلسطين!!
وأجازت السلطات البريطانية قوانين للعقوبات الجماعية، والاعتقال الإداري دون تهمة، وللمحاكم العسكرية، وللعمل بالإكراه… وغيرها؛ بحيث أصبح قمع الشعب الفلسطيني وتطلعاته، عملاً يتم تحت حماية ”القانون“!!
9. بالرغم من أن بريطانيا من الناحية الرسمية التزمت بإنشاء ”وطن قومي لليهود“، وهو مصطلح فضفاض، لا يعني بالضرورة إنشاء دولة، إلا أنها عملياً كانت تشتغل لإنشاء دولة لليهود. فمثلاً عندما سئل بلفور في 7/2/1918 عن ذلك قال إن رغبته الشخصية أن اليهود سيستخدمون الفرصة لإنشاء ”دولة يهودية“ مضيفاً إن الأمر يتعلق بهم “لقد أعطيناهم فرصتهم العظيمة”.
كان فتح المجال لليهود لبناء مؤسسات الدولة وتقوية أنفسهم، ومنع الفلسطينيين من ذلك، هي السياسة المعتمدة غير المعلنة أو غير المكتوبة التي تم تنفيذها. فأنشأ الصهاينة الوكالة اليهودية التي كانت تقوم بمهام مشابهة لمهام الدولة في فلسطين، ومن خلالها تم تطوير البنى الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية اليهودية. وفي الوقت الذي سحقت فيه بريطانيا الثورات والانتفاضات الفلسطينية، خصوصاً في 1920، و1921، و1929، و1933، والثورة الكبرى 1936-1939؛ فإنها دعمت أو سمحت أو سكتت عن إنشاء قوات عسكرية وشبه عسكرية يهودية صهيونية كالهاجاناه التي وصل عديدها سنة 1948 إلى نحو 64 ألف مجند. هذا، مع الإشارة إلى وجود خمسة آلاف مجند من الأرجون، وألفي مجند من شتيرن (وهو نحو ثلاثة أضعاف الجيوش العربية التي دخلت فلسطين في مايو/ أيار 1948، والتي كانت نحو 24 ألف جندي).
وتشير الدلائل أن المخابرات البيريطانية MI4 ومعها فرع مخابراتي اسمه ”العمليات الخاصة“ EX, SOE كان لهما دور مهم في إنشاء وتدريب الوحدات العسكرية الضاربة (قوات النخبة) في الهاجاناه المعروفة بالبالماخ سنة 1941.
كما أن الحكومة البريطانية سمحت في سنة 1944 للصهاينة اليهود بإنشاء وحدات عسكرية خاصة بحجة دعم البريطانيين والأمريكان في الحرب العالمية الثانية؛ ومع نهاية الحرب كان الصهاينة قد جندوا ودربوا 32 ألف جندي يهودي.
وهكذا، تحت الاحتلال والإشراف البريطاني عدد اليهود في فلسطين 12 ضعفاً من 55 ألفاً سنة 1918 إلى 650 ألفاً سنة 1948 (من 8% إلى 31.7% من السكان) وتضاعفت ملكيتهم للأراضي من نحو 1.8% إلى 6% من أرض فلسطين.
10. تجاهل أو إلغاء توصيات لجان التحقيق البريطانية: ومن ذلك تجاهل توصيات جون هوب سمبسون، فيما يتعلق بالأرض وضبط الهجرة اليهودية، والكتاب الأبيض الذي صدر بناء عليها في تشرين الأول/ أكتوبر 1930، بإصدار ”الكتاب الأسود“ في شباط/ فبراير 1932 ملغياً هذه التوصيات التي أعطت بعض الروح الإيجابية للفلسطينيين. ومن ذلك الكتاب الأبيض الذي صدر في أيار/ مايو 1939 والذي تعهدت فيه بريطانيا بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات، وبمنع الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات إلا بموافقة الفلسطينيين، وبحيث لا يزيد عدد اليهود عن ثلث السكان، وبوقف بيع الأراضي لليهود إلا في أضيق نطاق. غير أنها ألغت هذا التعهد في 13/11/1945 عندما أصدرت ما يُعرف بتصريح بيفن الذي كان وزير خارجية بريطانيا.
***
إن النقاط العشر السابقة تثبت أن الحكومة البريطانية قامت بدور متعمد وبشكل واعٍ تماماً وعن سبق إصرار بجعل فلسطين تحت أوضاع لا يمكن إلا أن تؤدي إلى أضرار كارثية بالشعب الفلسطيني. وعندما قررت الحكومة البريطانية إنهاء احتلالها لفلسطين، ورفعت الأمر إلى الأمم المتحدة سنة 1947؛ كان الفلسطينيون المنهكون مادياً واقتصادياً، والمسحوقون عسكرياً، والمحرومون طوال ثلاثين عاماً من تهيئتهم لإدارة مؤسسات بلدهم بأنفسهم؛ يواجهون مشروعاً صهيونياً ضربت جذور مؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية في الأرض. وأصبح قادراً على حسم المعركة مع الفلسطينيين. وتوفرت لهذا المشروع بيئة دولية داعمة، رفضت إعطاء شعب فلسطين حقّ تقرير المصير بخلاف مواثيق الأمم المتحدة، وقررت تقسيم فلسطين دون استشارة شعبها. كما أن النفوذ البريطاني في مصر والأردن في ذلك الوقت انعكس سلباً على إمكانية تقديم دعم حقيقي لشعب فلسطين بما يؤدي إلى تغيير موازين القوى لصالحه.
ولذلك، تمكن الصهاينة بمساعدة دولية، من حسم حرب فلسطين 1948 لصالحهم، فاستولوا على 77% من أرض فلسطين، وشردوا أكثر من 800 ألف فلسطيني من أصل مليون و400 ألف هم مجموع شعب فلسطين أي نحو 57%؛ وأنشأوا على آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني ما عُرف بدولة ”إسرائيل“.
لقد كان الدور البريطاني جوهرياً في التسبب بكارثة الشعب الفلسطيني، حيث ما زالت أرضه محتله، وما زال أغلبية أبنائه مشردين ولاجئين خارج فلسطين، فضلاً عن اللاجئين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وما زالت قضية فلسطين تشغل المنطقة والعالم طوال السبعين سنة الماضية.
لقد فتح السلوك البريطاني الأبواب في المنطقة على سلسلة من الحروب والصراعات وسفك الدماء والمعاناة. وهي مسؤولية تاريخية لا يمكن التهرب منها. وعلى بريطانيا كخطوة أولى أن تقدم اعتذارها لشعب فلسطين عما تسببت به من كوارث لهم.
***
من الناحية النظرية، يبدو أن الاعتذار البريطاني أمراً ممكناً، إذ سبق لبريطانيا أن اعتذرت عن دورها في تجارة العبيد في الحقبة الاستعمارية، كما اعتذرت عن دورها في تسببها بالمجاعة في إيرلندا في القرن التاسع عشر.
غير أن هذا الأمر يبدو بعيد المنال في الواقع المعاصر لأسباب عديدة، أبرزها أن الطبقة السياسية الحاكمة (محافظون، عمال، ليبراليون) لا تميل إلى تقديم هكذا اعتذار، لخلفيات سياسية أو دينية أو ثقافية أو مصلحية… وغيرها. وما تزال قطاعات بريطانية واسعة تؤمن بـما يسمى ”الحق التاريخي لليهود في فلسطين“، وتتعاطف مع الرواية الإسرائيلية، ومع ما عانوه من مظالم تاريخية (معظمها على يد الأوروبيين أنفسهم).
كما لا يزال النفوذ الصهيوني أكثر حضوراً وقوة في أدبيات السياسة البريطانية. وبالرغم من الحضور المتزايد للحق الفلسطيني إلا أنه ما زال أمامه شوط طويل للوصول إلى القطاعات الأوسع في الشارع البريطاني وإقناعها.
ثم إن هناك خشية كبيرة من أن يفتح الاعتذار البريطاني للشعب الفلسطيني الباب لمطالبات ضخمة تنوء بها الموازنات البريطانية، تعويضاً للشعب الفلسطيني.
والوضع الحالي القوي لـ”إسرائيل“، والضعف والتشرذم العربي يسهمان أيضاً في إضعاف أوراق الضغط على بريطانيا.
كما أن الاعتذار البريطاني يفتح الباب على ملفات بالغة الخطورة في العقلية الغربية مثل شرعية وجود الكيان الإسرائيلي نفسه، وواجبات المجتمع الدولي تجاه إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني… وهو ما يجعل الاعتذار البريطاني مرتبطاً بحسابات لا تخص البريطانيين وحدهم… وتثير غضب الحلفاء الأمريكيين واللوبيات الصهيونية في العالم و”إسرائيل“ والعديد من القوى الغربية.
***
لا يبدو أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية منشغلة بشكل جدي في الاعتذار البريطاني عن وعد بلفور، خصوصاً وأنها قد وقعت اتفاقية أوسلو التي تعترف بالكيان الإسرائيلي ”وشرعيته“ على معظم أرض فلسطين التاريخية، وأصبح لديها التزامات دولية بموجب ذلك. ولذلك فإن ما تقوم به لا يعدو تعبيراً عن المشاعر أو تجاوباً إعلامياً مع الساحة الشعبية الفلسطينية… بينما يحتاج الأمر إلى جهود هائلة منظمة وممنهجة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي لتشكيل حالة ضغط غير مسبوقة لحشر النخبة السياسية البريطانية على الأقل في الزاوية.
وبالتالي لا ينبغي المراهنة كثيراً على اعتذار بريطاني في المدى القريب والوسيط. ومع ذلك، فإن أي جهد يتم بذله الآن في هذا الصدد من أفراد وخبراء وسياسيين وإعلاميين ومنظمات مجتمع مدني وغيرها… هو جهد يستحق التقدير، فلعله يصب في النهاية في إلزام بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني.
هذا المقال هو نسخة معدلة وموسعة عن النص الذي نشر في الجزيرة.نت، الدوحة، 29/10/2017
المصدر : مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن