الحجاب منهج حيــاة
ضيفتنا في سطور
* من الأردنّ.
* خريجة الجامعة الأردنية عام 1974م.
* من مؤلفاتِها:
- عالم المرأة المسلمة: (باللغة العربية والإنجليزية).
- الحجاب منهج حياة: (باللغة العربية والإنجليزية).
- حقوق الزوجين: (باللغة العربية والإنجليزية).
تُسيء كثيرات من بنات المسلمين اليوم للحجاب الشرعي عبر اللباس غير اللائق، أو بالقول، أو بالسلوك والعمل بما يتنافى مع ما جاء به ديننا الحنيف ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ويتنافى كذلك مع الرسالة التي يجب على المسلمة أن تحملها وتبلّغها للجيل الصّاعد. ولأهمية هذا الموضوع وضرورة طرحه دائماً والوقوف عنده كان لمنبر الداعيات حوارٌ مع الداعية الأردنية خولة بشير عابدين.
1. «منبر الداعيات»: ما قصة «الحجاب المودرن» الذي يعني بالعربية «الحديث»، فهل الحداثة هي في التفلّت من الحجاب الشرعي؟ وما أسباب وصول هذا المفهوم لبنات المسلمين؟
- الحجاب «المودرن» مع الأسف ظاهرةٌ خطيرةٌ بين الصبايا اليوم، لعدم فَهْم الغاية من الحجاب ولأنّ النساء يحاولنَ تقليد كل ما هو غربيّ وأوروبيّ، ثم يحاولن أن يخترن من الحجاب ما يتناسب والموضة ويتناسب والصرعات، حمانا الله من الصَّرع!!
تصوّري أنّ إحداهنّ تُغطي شعرها وينكشف ظهرها أو بطنها عند جلوسها أو حركتها! فأيُّ حجابٍ هذا؟! أَيُعقل أن يُسمى هذا حجاباً؟!
2. «منبر الداعيات»: ما الأسباب التي أبعدت المرأة المسلمة والفتاة المسلمة عن ارتداء الحجاب الشرعي الذي أمر الله سبحانه وتعالى به؟
- ضَعْفُ الإيمان عند النساء وعدم ربط موضوع الحجاب بالدين والتدين.
- العولمة والانفتاح؛ بحيث صارت المسلمة تبحث عن تقليد الأجنبيات والغربيات في لباسهن وسلوكهن.
- ومع الأسف فإنّ الأمة المهزومة تقلِّدُ الأمة القوية دائماً, وهذا راجع لهزيمة نفسية عند بعض بناتنا، فكلّ ما هو غربيّ رائع ومقبول أكثر مما يأمرنا به ديننا! ولو اعتززن بدينهن وبأخلاقهن وبلباسهن ما قلّدن إطلاقاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتّبعن سَنَنَ الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لاتِّبعتموهم» (متّفق عليه).
- وأرى أنّ إهمال الأبوين لبناتهم من الأسباب المهمة جداً؛ حيث إن الأبوين اليوم بحاجة أولاً إلى تربية إيمانية عالية ثم بحاجة إلى أن يُفهموا الأولاد مسؤولياتهم أمام الله عز وجل.
- وأيضاً غياب القدوة؛ فنحن بحاجة إلى نساء مؤمنات معتزّات بدينهن وبحجابهن حتى يكنَّ قدوةً للجيل.
- اختلاط المفاهيم وعدم اعتماد القرآن والسُّنة في التدين، فالأصل أنْ يؤخذ ديننا من كتابِ الله وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد رسم الرسول صلى الله عليه وسلم لنا الطريق إلى الله عز وجل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتُ فيكم شيئين لن تَضلّوا بعدهما: كتاب الله وسُنّتي، ولن يتفرّقا حتى يَرِدا عليّ الحوض».
وهنا يبرز دور الداعيات إلى الله عز وجل، وإخلاص النّصيحة والرحمة، وبيان عظَمة هذا الدين، وعظَمة أحكامه ومنها الجلباب، لذلك أركّز في دعوتي على الشابات، فهنَّ أمهات المستقبل وعليهنّ ستقوم النهضة الإسلامية القادمة إن شاء الله.
3. «منبر الداعيات»: كونكِ داعية وأُمّاً، ما الأبواب التي تجدينها مدخلاً للأم في حثّ ابنتها على الالتزام بالحجاب الشرعي بشروطه كافة؟
- سأذكر لك تجربتي مع ابنتيَّ الاثنتَيْن، الأولى تحمل «ماجستير» في الإرشاد النفسي والأخرى في السنة الأولى من الجامعة تتخصص في «نُظُم المعلومات الإدارية».
رأيتُ في بداية زواجي في إحدى الأُسَر المتدينة ابنة هي الصغرى في العائلة، وكلّما تكلّم الأب أو الأخ في لباسها قالت الأم: إنها صغيرة، وغداً تكبر وتلبَس الحجاب, وكبرَت وتزوجت وأنجبت ولم تلبس الجلباب بصفاته الشرعية، فكانت هذه الحادثة حافزاً لي لأهتم بلباس ابنتيَّ حيثُ سلكت هذا المنهج معهما: بدأتُ بالتدرج في تطويل الكُم والفستان والتنورة، ثم اتخذتُ لها جلباباً وهي بنتُ ثماني سنين، ثم صوّرتها به ووضعت صورتها في غرفتها. رسمت لها صورتها المستقبلية. ثم رأت الأمّ القدوة في لباسها لا تتخلى عنه أبداً في كل المناسبات فكانت ثمرة كل ما سبق أنِ ارتدت الجلباب من أول يوم بلغتْ فيه، وما زالت حتى الآن ولله الحمد. بل أكثر من ذلك، دائماً تقول بنتاي: جزاكِ الله خيراً يا أمّنا على تعويدنا على الجلباب، وأنا دائماً أقول لهما هنيئاً لكما ظلُّ الله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه مصداقاً لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «سبعة يُظِلهم الله بظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه... وشابٌّ نشأَ في طاعة الله»، حتى أجعل حجابهما مصدر اعتزازهما في الدنيا وتطلُّعاً للأجر العظيم يوم القيامة. والحمد لله نجحت تجربتي مع الاثنتين، وأرجو أن تستفيد منها الأمهات في هذا الزمان وفي كل زمانٍ مع بناتهنّ.
4. «منبر الداعيات»: كيف يمكن أن نصحِّح مفاهيم الأمهات اللواتي تسبّبْنَ في ابتعاد بناتهن عن الحجاب، أو ارتدائهن حجاباً لا يتوافق مع هدف الحجاب وحقيقة فرضِه من الله تعالى؟
- مِن أهمِّ أسباب ابتعاد البنات عن الالتزام بالحجاب الإسلامي: الأمهات، فالأمهات بحاجة إلى علمٍ وفقه حتى يعلمن حقيقة هذا الأمر الرباني، والأمهات بحاجة إلى الوعي بمسؤوليتهنّ أمام الله عز وجل في الدنيا والآخرة عن بناتهن, ويجب أن يكُنَّ قدوة في لباسهنّ حتى يقلّدهن البنات، وقد قيل «فاقد الشيء لا يعطيه», وعلى الأمهات أن يعلَمْنَ أن التكشُّفَ والتزَيّن لا يؤديان إلى الإسراع في تزويج بناتهنّ، فكثيراً ما نجد من الأمهات مَنْ يقُلنَ: بعد الزواج تلبس ابنتي الحجاب، (فالعريس أولاً) وهذا فَهم خاطئ، واليوم والحمد لله، الشاب المثقف الواعي المؤمن لا يختار إلا المؤمنة التقية.
5. «منبر الداعيات»: كيف للحجاب أن يكون منهج حياة يُطبَّق عملياً في حياتنا اليومية، بما أنكِ كتبتِ كتاباً تحت هذا العنوان؟ ولماذا اخترتِ هذا الموضوع بالذات؟
- كتابي بعنوان: (الحجاب منهج حياة).
أولاً: العنوان يرمز إلى حقيقةٍ يجب أن تلتفت النساء المتحجبات إليها، وهي أنَّ الحجاب ليس ثوباً يغطي الجسد فقط بل هو لباس ينمُّ عن عقيدةٍ وفكرٍ وسلوكٍ وإيمان. لذلك قال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سَوْءاتكم وريشاً، ولباسُ التقوى ذلك خير}، إذن، فاللّباس المطلوب هو لباس التقوى. لذلك كثيراً ما نرى: (محجّبة) ويدُها بيد صديقها... (محجّبة) والماكياج يملأ وجهها... (محجّبة) وعطرها يفوح... (محجّبة) تضحك وتعلو ضحكاتها (أمام الأجانب)... (محجّبة) ترقص في عُرسٍ مختلط بحجابها... (محجّبة) تؤانس السّائق طوال الطريق... (محجّبة) لا قيود على نظرها وسمعها ولسانها...
أردتُ بهذا الكتاب أن أقول لنفسي أولاً ثم لكلِّ مسلمةٍ: إنّ الحجاب عفةُ النظر وعفة اللسان وعفة الحركات وعفة القلب وعفة الفكر، بالإضافة إلى عفة الجسد. عندئذٍ لن نرى الصور الشاذّة السابقة للحجاب.
كما أردتُ أنْ أحبّب النساء بستر الله عليهن، ودائماً أذكِّرهــــــنّ بنســـــاء الأنصار وسلوكهن والسمع والطاعة، فلمّا نزلت الآية الكريمة: {وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن} (النور:31) ما تردّدْنَ، بل فوراً غطَّين رؤوسهن وفتحات الصدر، هذه هي الصورة المطلوبة للمسلمات في هذا الزمان. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «إنّ لنساء قريش لفضلاً، وإني واللهِ ما رأيتُ أفضل من نساء الأنصار، ولا أَشَدّ تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أُنزلت سورة النور: {وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن} فانقلب رجالُهن إليهن يتلون عليهنّ ما أَنزل الله إليهم فيها, ويتلو الرجل على امراته وابنته وأخته وعلى كل ذاتِ قَرابة، فما منهنّ إلا قامت إلى مِرْطها المُرَحّل فاعتَجَرَتْ (تلفّفت به) تصديقاً وإيماناً بما أَنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأنّ على رؤوسهنّ الغِربان» (رواه أبو داود).
أمّا اختياري لموضوع الحجاب فلكثرة الصور المؤذية للحجاب في واقعنا ومجتمعاتنا. لذلك دفعني حبي للأخوات المؤمنات لأجمع كل ما تَوافَر من أدلة شرعية وعقلية وقصص واقعية بل آراء الغربيات في المرأة المسلمة عسى أن يكون هذا الكتاب سبباً لنجاة الكثيرات من غضبِ الله تعالى ثم من النار.
وأخيراً، أرى أنّ ازدياد المحجّبات في كل المجتمعات، حتى الغربية منها، صفعة قوية عنيفة ضد أعداء هذا الدين العظيم من كل المِلل والنِّحَل؛ فقد باءت محاولاتُهم بالفشل والحمد لله.
6. «منبر الداعيات»: ما دور الآباء في تغيير هذا الواقع، خاصة أنّ مسؤوليتهم عظيمة تُجاه زوجاتهم وبناتهم بين يدي ربّنا جلّ وعَلا؟
- وجهتُ في كتابي نداء إلى الزوج والأب تحت عنوان: «إليك ندائي أيها الزوج والأب»، أقول فيه:
«إنّ القِوامة واجبٌ على الزوج والأب في أسرته، لأن أسرته أمانة في عُنُقه إلى يوم القيامة». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته، والإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة مسؤولة عن رعيتها ...».
ومعنى القِوامة في الإسلام: الحماية، حمايةُ النساء من كلِّ ما يؤذيهن ويُلحق بهن الضرر في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم ناراً وَقُودها الناسُ والحجارة عليها ملائكة غِلاظٌ شِداد لا يَعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (سورة التحريم: 6).
إضافة إلى تحذير الآباء والأزواج من تضييع نسائهم وعدم حرصهم على لباسهنّ وأنْ تتوافر فيه الصِّفات الشرعية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما مِن عبدٍ استرعاهُ الله رعية فلم يُحِطها بنُصحِه إلا لم يجد رائحة الجنة».
وأرى أنه لم تفسد النساء وتصل إلى هذا التبرج والسفور والتهاون بدينها وحجابها إلا بسبب تهاون الرجال وفَقْدهم النخوة والغَيْرة وتركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيوتهم. فكيف إذا كان وليُّ الأمر هو مَن يمنع الزوجة والابنة من التستر والعفة والحجاب؟
فعلى الرجال أن يشجعوا ظاهرة الحجاب عند نسائهم، وليحمدوا الله على النساء العفيفات الطاهرات، وليخشَوا يوماً ثقيلاً سيقفون فيه للمساءلة والمحاسبة، وما هو ببعيد: {إنهم يَروْنه بعيداً ونراه قريباً}.
أخي الرجل:
انشر الفضيلة والعفة في بيتِكَ وحافظ عليها تُحقق سعادة الدارَيْن، والنساء إما سترٌ لك من النار أو جسرٌ إلى النار. قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «من ابتُلِيَ من هذه البَنات بشيءٍ فأحسنَ إليهن كنَّ له ستراً من النار» (متفق عليه).
وأقول: لا سعادة ولا خير ولا نعيم إلا بالرجوع إلى النبع الرقراق للشرب منه؛ إذ ليس هناك أفضل من الإسلام لسعادتنا، ومنه نستقي أحكام ديننا ولباسنا وحياتنا وآخرتنا.
عسى الله أن يغفر لنا ما قد سلف ويتقبلنا في عباده الصالحين ويبدِّل سيئاتنا حسنات.. اللهم آمين.
في الختام، نشكر الأستاذة خولة عابدين على توجيهاتها الحكيمة البنّاءة، ونسأل الله تعالى أن يحفظ بنات المسلمين من مزالق الشيطان.
نشر في العدد 137 من مجلة منبر الداعيات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة