كاتبة
إبراهيم أبو الثريا.. لم تترك لأحد حجة بعدك
إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم أبو الثريا لمحزونون.
وها هو التاريخ يسطر بطولة أخرى لا يكاد يصدقها السامع لو صدق الروايات، ولولا أن رأيناها اليوم بأم أعيننا في أرض الرسالات، أرض الرباط والمرابطين، فلسطين العربية المسلمة، وتحت رايتها يجلس القعيد على تراب فلسطين مهدداً أمريكا بأن تتراجع فوراً عن قرارها بنقل سفارتها للقدس المحتلة!
قعيد فقد رجليه الاثنتين ينزل عن كرسيه المتحرك، يزحف بجسده على تراب بلاده مدافعاً عن مقدساتها فتغتاله يد الغدر الصهيونية برصاصة دون أن تأبه لقعوده وعدم قدرته على الهرب، بينما هو لا يريد هرباً بقدر ما أراد شهادة وقد أعطاه الله عز وجل الرخصة في كتابه العزيز، بل أعطاها للأعرج الذي فقد ساقاً أو يعرج بها، فكيف وقد فقد ساقيه؟ وكيف وقد فقد قدرته على الحركة تماماً ثم هو يقرر أن يكون في أول الصفوف فيرتقي؟ فتلك هي إحدى عجائب المسلمين إذا تمكن الإيمان من قلوبهم، وإذا قويت العقيدة وتمكنت منهم.
ليتحول حزننا على إبراهيم أبو الثريا شهيد الجمعة في فلسطين المحتلة إلى غبطة لرجل صدق الله فصدقه الله، ونحسبه من الشهداء وليبدله الله بساقيه جناحين يطير بهما في الجنة حيثما شاء.
ولتتكرر قصة عمرو بن الجموح الذي منعه أبناؤه الأربعة من شهود بدر وقد رخص الله له بالقعود، لكنها النفس الأبية التي تأبى أن تكون مع الخوالف حتى مع وجود رخصة، فأصر على شهود أحد داعياً الله أن يطأ بعرجته الجنة.
فعن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاريّ -رضي الله عنه- قال: (أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلتُ في سبيل الله حتى أُقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: نعم، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم، فمرَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة) (رواه أحمد وحسنه الألباني في كتابه).
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: ( جاء عمرُو بن الجموح إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحُدٍ فقال: يا رسول الله مَنْ قُتِل اليوم دخل الجنة؟، قال: نعم، قال: فوالَّذي نفسي بيدِه لا أرجِعُ إلى أهلي حتَّى أدخل الجنة، فقال له عمر بن الخطاب: يا عمرُو لا تأَلّ (تحلف) على الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَهلاً يا عمر فإنَّ منهم مَن لو أقسَم على اللهِ لَأبَرَّه: منهم عمرو بن الجموح، يخوضُ في الجنَّةِ بعَرْجَتِه) (رواه ابن حبان)، وفي رواية أخرى: (إن منكم مَنْ لَوْ أَقْسمَ على الله لأَبَرَّه، منهم: عمرو بن الجموح، ولقد رأيته يطأ في الجنة بِعَرْجَتِهِ).
الله أكبر، يقسم على الله أن يدخله الجنة صحيحاً فيدخله إياها صحيحاً، فلله درك يا إبراهيم الفلسطيني، ذلك الذي شاهدناه على شاشات التلفاز العالمية يتحدي آلة العهر الصهيونية في مشهد يراه العالم ولتقتله اليد البغية بكل صلف وكبر لا يعنيها إنسانية ولا تلزمها قوانين دولية!
إن إبراهيم أبو الثريا عرّف المسلمين الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وحماية المقدسات، علّم المسلمين درساً سطّره بروحه، أن هؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأنهم لا يفهمون إلا لغة واحدة، هي لغة القوة والمقاومة والإصرار وبذل الروح
إن إبراهيم أبو الثريا عرّف المسلمين الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وحماية المقدسات، علّم المسلمين درساً سطّره بروحه، أن هؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأنهم لا يفهمون إلا لغة واحدة، هي لغة القوة والمقاومة والإصرار وبذل الروح قبل المال، هؤلاء الصهاينة لا يردعهم إلا الجهاد ولا يرعبهم سوى الإيمان النقي الخالص الصادق والعقيدة الراسخة والوعي الكامل بطبيعة الحرب وطبيعة القضية وطبيعة العدو الذي قتل الطفل محمد الدرة، والشيخ القعيد أحمد ياسين ثم هو اليوم يكرر جرائمه بإصرار ويقتل الشاب القعيد إبراهيم في جريمة يستنكرها من يحمل أدنى الصفات الإنسانية!
قوم يعرفون كيف يمارون وكيف يفاوضون وكيف يتلاعبون بالألفاظ ثم يدعون المظلومية وهم أبعد ما يكونون عنها، عرفهم الله لنا في الكثير من الآيات، وحسبك أن تقرأها لتتعرف على طبيعتهم وخداعهم.
ففي سورة البقرة تجدهم قوم يمارون الله ويجادلونه سبحانه في بقرة أمرهم بذبحها، وقد كان يكفيهم ذبح أي بقرة، وقد كان يجزئهم أي اختيار، لكنها طبيعتهم وجبلتهم، المراء والجدل العقيم، فكيف بجدال مع مفاوضين من البشر على حق تاريخي يزعمونه، كيف بهؤلاء الذين يصرون على المفاوضات المعلنة وغير المعلنة مع هؤلاء الصهاينة لا يتعلمون من بطل قعيد قرر أن يتخلى عن كل الاتفاقات الهشة والعهود الكاذبة ويعلمنا دروساً في بالغ الأهمية، منها:
الدرس الأول: وهو خاص بالشعوب، أن عليها أن تقوم بالجهاد، فهو واجب أولاً على أهل فلسطين، وواجب العرب والمسلمين جميعاً مؤازرتهم بالمال والعتاد والضغط على الحكام بفتح الحدود، ففلسطين غير قابلة للمساومة، وأمريكا ليست دولة لا تقهر، والصهاينة البالغ تعدادهم ثلاثة عشر مليوناً من البشر ليسوا بكثير على أمة فيها من هم مثل إبراهيم أبو الثريا.
والدرس الثاني: للحكام العرب أنه لا حقوق تعود بالمفاوضات، لا حقوق تعود بالمساومات، لا حقوق تعود إلا بإعلان راية الجهاد ووحدة كلمة المسلمين والصمود في وجه المحتل الغاشم.
لله درك يا إبراهيم، نسأل الله أن تكون الآن مع عمر بن الجموح وشيخك الياسين ومن قبلهم مع نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، لعلنا نتعلم من كلماتك التي أحرجتنا جميعا أمام أنفسنا وأمام التاريخ، لم تترك لأحد من بعدك حجة، لم تترك لصحيحي الأجساد حجة أيها الشهيد.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة