مئوية أرطغرل”.. أضخم هجمة مرتدة!
عرضت قناة TRT1 الرسمية التركية ليلة الأربعاء الحلقة رقم 100 من المسلسل التاريخي الشهير والأكثر مشاهدة في تاريخ الدراما التركية “قيامة أرطغرل”.. وأن تأتي الحلقة مئة يعني أن المشاهد قد أنهى 200 ساعة مشاهدة على المسلسل، وبمعنى آخر أنه أخذ من حياتنا ثمانية أيام ونصف كاملة من المشاهدة، فهل يستحق ذلك؟
كنت قد كتبت في مقال سابق لي بعنوان: “أرطغرل وعبد الحميد.. ليست مجرد حكايات” عن المسلسل، وتحدثت عن الأهداف الكامنة من خلف هذا المسلسل ورديفه عبد الحميد، وأن المسألة ليست مجرد حكايات يرويها مخرج المسلسل وتعرضها القناة التركية، بل إسقاط الماضي على الحاضر والاستفادة من تاريخ مَن سبقونا، وكذلك إظهار مخاطر الأعداء والخونة، وأصحاب المصالح والمطامع الشخصية.. والكثير.
وكان ذلك حين كان المسلسل في جزئه الثاني، وهو اليوم في موسمه الرابع ولا زال يحقق الصدارة، بل زاد ذلك إلى حد أن وصفته صحيفة ألمانية بـ”المسلسل الأكثر مشاهدة في العالم”.. حقًا هو كذلك، فقد اقتحم المسلسل معظم بيوت المسلمين عربًا وتُرك، وحصلت على حقوق بثه أكثر من 60 دولة حول العالم.
فماذا استفاد المشاهد؟ ما هي رسائل المسلسل بعد 100 حلقة؟
أظهر المسلسل عقيدة المسلم الصحيحة، من الصبر على البلاء، وشكر النعم، والثبات على المبدأ، وعدم المحاباة في الحق، محاربة أصحاب المصالح الشخصية والطامعين بالحكم مهما كانت صلة قرابته، ففي الموسم الأول أعدم أرطغرل عمه لأنه تعاون مع الصليبيين، وفي الموسم الثالث وقف علي يار ضد قبيلته عندما تركت العدالة ولجأت للجشع والطمع، وفي الموسم الرابع وقفت أصليهان بجانب أرطغرل ضد عمها “بهادير” حين أراد الحصول على الحكم لمصالحه الشخصية.
زرع المسلسل في نفس المشاهد أخلاقًا وسننًا إسلامية حميدة غابت عن الكثير، فترى الرجل فيهم إذا أراد شرب الماء جلس وذكر الله ثم شرب، وتراهم يضعون أيديهم على قلوبهم عند ذكر الله والنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.. وكذلك الاستئذان عند دخول الخيمة، حتى لو كانت خيمة الأم!.
أظهر المسلسل رحمة المسلم تجاه المخالف والكافر ما لم يغدر، فهذا أرطغرل يضع محاسباً نصرانياً على سوق الخان الذي فتحه بالجهاد، وقبلها ينقذ النصراني هاتشتوريان ويشتريه بالمال ويعتقه في وقت كانت القبيلة تحتاج إلى كل درهم بسبب أوضاعها الصعبة وكلمته حول ذلك: “هاتشتوريان هو ضيف الرب”.. وكذلك زواج المحارب بامسي ألب من “هيلينا” والتي أسلمت فيما بعد “بإرادتها” وأصبحت تدعى “حفصة”.
السمع والطاعة؛ وقد أظهر المسلسل هذا الركن على أجمل وجه، حيث تجلى السمع والطاعة من القبيلة تجاه سيدهم، لكنها كانت طاعة فيما يرضي الله، فهم أطاعوه حين حكمهم بشرع الله والعدالة، وواجهوه بخطأه حين رفض عقد اجتماع للسيادة في بداية الموسم الثالث، فهو بذلك خالف عادات الترك، فصحح من خطأه وشكرهم على وقوفهم في وجهه عند الخطأ والزلل!
سلطان العلماء، لا علماء السلاطين.. فهذا أرطغرل أمير القبائل وسيد الكايي هو من كان يجلس بباب الشيخ ابن العربي، ويدخل عليه خيمته ليأخذ منه النصائح والدروس والتوجيهات، وكيف كان يحترم ويجل ويقدر الشيخ ابن العربي، ويتأدب أمامه، ويخضع لكلامه وإرشاداته.. على خلاف ما نرى اليوم من علماء يفصلون الفتاوي على مقاس الأمراء والحكام!
“روح المسلم غالية”، ففي الوقت الذي كان فيه الصليبي لا يهتم لموت أحد جنوده، بل ويذبح الجندي حين يأتيه بمجرد خبر سيء، وبما في ذلك من استهتار بروح الإنسان.. نرى كيف كانت روح المسلم غالية، وشعارهم الدائم “لن يبقى دم المسلم على الأرض”.. ولن نبتعد كثيرًا، ففي الحلقتين 99 و100 نرى كيف أن تورغوت لم يهدأ له بال حين فقد أحد حراسه، وخرج مرتين للبحث عنه بنفسه.
“الجهاد ذروة سنام الإسلام”، ولا داع للتفصيل بهذا المجال، فالمسلسل منذ حلقته الأولى حتى حلقته الـ100 وهو يطبق هذا الحديث فعلًا لا قولًا، ولكن.. لم يكن الجهاد لمغنم، ولا حبًا في الدم والقتل، إنما لنشر العدالة، وإنهاء نظام الشر في العالم.. وليس ببعيد عنا ما رددوه كثيراً في المسلسل: “فتح قلب شخص واحد، أفضل من فتح ألف قلعة”، فكان همهم فتح القلوب ونشر العدالة والمرحمة والحكم الصالح في الأرض.
الحوار: وهنا أبدع المخرج إبداعًا ليس له مثيل في عالم السينما والدراما، فكان الحوار في المسلسل قويًا رائعًا جميلًا، فترى في حديثهم جزالة الألفاظ، وفنون الرد، وجمالية الأسلوب، والرق في الحديث مع الأحباب، والبأس مع الطغاة.
البعض ينتقد قلة المحاربين، ولكني أراها مقصودة من المخرج، فإمكانيات المسلسل كبيرة وليس من الصعب أن يستقدم ممثلين جدد لأداء أدوار قتالية، ونجد كثرتهم في الجيش الصليبي، ولكنه أراد ذلك لإظهار أن القلة المؤمنة المسلمة تغلب الكثرة الكافرة الظالمة.. وأذكر أن أحد الأصدقاء ذات مرة قال لي مستغربًا ومستنكرًا، وهو يشاهد معي بعض مقاطع القتال بالمسلسل: “يعني تورغوت لوحده قتل كل هؤلاء الجنود!!”.. وكانت إجابتي عليه: “علك لا تعرف أن أعظم معارك المسلمين كانوا فيها أقلة، والكثير من المصادر التاريخية ذكرت أن الفارس المسلم الواحد كان يحارب من 8 إلى 10 صليبيين ويقضي عليهم”.
أخيرًا، موسيقى المسلسل: تلهب الحماسة وتيقظ ذلك الشيء المدفون داخلك، فتستشعر جمال الحديث وقوته ورهبة المشهد، بفعل الموسيقى التصويرية والتي تناسب كل مشهد، من مشاهد حزينة ومؤثرة إلى مشاهد الحرب والغزو والجهاد في سبيل الله.
بعد قراءة هذا المسلسل قد يتبادر إلى ذهنك: “كاتب المقال يبالغ كثيراً، في النهاية هذا مجرد مسلسل”.. وأنا أطمئنك، هذا المسلسل والكثير من أحداثه ليست تاريخية بل درامية، لم يكن الهدف منه تحقيق دخل عالي مثل باقي المسلسلات الأجنبية والعربية، بل أُريد من خلاله إيقاظ روح المسلم الحقيقة في داخلنا، والاستفادة من أحداثه وربطها بالواقع، وطريقة الخروج من المؤامرات، ومحاسبة الخونة، والالتزام بسنة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.. باختصار؛ هذا المسلسل هو أكبر “هجمة مرتدة” على الغزو الفكري والثقافي الصليبي ضد العالم الإسلامي.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة