التلاعب بالجينوم البشري.. أطفال خارقون وأسئلة أخلاقية ودينية
لا بد أنك في يوم من الأيام شاهدت فيلما أو قرأت في جريدة أو مجلة عن تعديل الجينوم البشري كأحد أحلام العلماء القديمة، التي تطفو على السطح من فترة إلى أخرى، لكن بدون أي نتيجة فعلية على أرض الواقع. وربما تمنيت في نفسك أن تكون مُعدلا جينيا، بحيث تمتلك قدرات جسدية وعقلية أفضل، أو تمنيت ذلك لأحد أفراد عائلتك المصابين بمرض وراثي معين تسببه طفرة في أحد الجينات، أو ربما أردت طفلا ذا قدرات خارقة وشكل جذاب وملامح فاتنة، لكنك لم تعرف الطريقة.
في السطور التالية، نلقي الضوء على إحدى أحدث الطرق التي أحدثت ضجة كبيرة في مجال تعديل الجينوم؛ لما لها من مميزات عديدة ترشحها بامتياز لتعديل الجينوم البشري، الذي يحتاج إلى قدر كبير من الدقة وقدر أكبر من الحذر.
فهل سيقتصر الأمر على الطب وعلاج بعض الأمراض، أم يتعداه ليشمل التلاعب بالصفات الجسدية والنفسية؟ هل ينجح العلماء في مسعاهم ويُتوجون بالنصر، أم يلحقهم عار الهزيمة؟ هل نحن على أعتاب ولادة "سوبرمان" جديد، أم "فرانكشتاين" مرعب؟ ماذا لو تسبب التعديل الجيني في نشأة جنس بشري جديد؟ هل يستحق الأمر المخاطرة؟ وهل توجد تطبيقات طبية نستطيع استخدامها في علاج الأمراض؟. سنعرف الإجابة عن بعض هذه الأسئلة في هذا المقال، والبعض سيظل عالقا في ذهنك لتبحث عن إجابته في خيالك.
الجينوم البشري
لا بد أنك تتساءل الآن ما هو الجينوم البشري؟ وكيف عرفناه؟ وما أهمية هذه المعرفة؟ وكيف سنتمكن من تعديله؟ من أجل الإجابة على كل هذه الأسئلة؛ سنصحبك في رحلة طريفة في علم الوراثة.
لا بد أنك سمعت عن "مندل"، مؤسس علم الوراثة، وكيف أثرت قوانينه في جيل كامل من علماء الوراثة، بعد أن أعيد اكتشافها بعد عشرات السنين، لكن المدهش أن مندل لم يكن يعلم ما هو الجينوم ومم يتكون، إلا أنه أسس قوانينه على أساس ملاحظاته في حديقته حول كيفية توريث الصفات.
لقد ظل الأمر غامضا عشرات السنوات.. ما هي المادة التي تنقل المعلومات الوراثية؟ استطاع إفري وزملاؤه الإجابة عن هذا السؤال وأثبتوا أن المادة المسئولة عن توريث الصفات هي الحمض النووي، لكنّ السؤال الآن: ممّ يتكون هذا الحمض؟ وكيف يتم توريث الصفات من خلاله؟
لم ننتظر كثيرا حتى خرج علينا واتسون وكريك بتركيب الحمض النووي، في اكتشاف يعد أكبر اكتشافات القرن العشرين. هذا الاكتشاف الذي حصلا من خلاله على جائزة "نوبل" بعد فترة قصيرة جدا.
الآن، يبدو لك أننا قمنا بحل كل شيء، لكنْ هذه كانت البداية فقط. صحيح أننا نعلم تركيب الحمض النووي، لكنْ حتى الآن لا نعرف تتابع "النيكليوتيدات" (وحدات بناء الحمض النووي). هذا التتابع المحدد الذي يختلف من شخص إلى آخر هو الذي يحدد ما نحن عليه؛ شكل أجسادنا وصفاتنا النفسية وغيرها. ولحسن حظ البشرية، اكتشف سانجر طريقة لمعرفة هذا التتابع(1).
مشروع الجينوم البشري
تضمن المشروع مجهودات آلاف العلماء في مختلف دول العالم وانتهى عام 2003 بتكلفة بلغت 3 بليون دولار (رويترز)
لم يمض وقت طويل على اكتشاف سانجر هذه الطريقة حتى انطلق أكبر مشروع علمي بيولوجي في عام 1990؛ جاعلا وجهته هي تحديد تتابع النيوكليوتيدات في الحمض النووي البشري، أو بمعنى آخر أراد العلماء فك شفرة الحمض النووي.
لقد تضمن هذا المشروع مجهودات آلاف العلماء في مختلف دول العالم، كلهم يعملون بأقصى سرعة من أجل هدف واحد. وبتضافر كل هذه الجهود، انتهى المشروع في 2003 بتكلفة بلغت 3 بلايين دولار، وهي أكبر تكلفة لمشروع بيولوجي حتى الآن. وإذا افترضنا أن عدد "النيوكليوتيدات" في الحمض النووي 3 بلايين نيوكليوتيدة يمكنك بعد إجراء عملية حسابية بسيطة استنتاج أن تكلفة معرفة تتابع نيوكليوتيدة واحدة بلغ دولارا أمريكيا واحدا.
في النهاية، حصلنا على مرادنا وقمنا بفك شفرة الجينوم البشري؛ لنكتشف حقيقة مذهلة وهي أن 2 في المائة فقط منه عبارة عن جينات، والباقي عبارة عن تتابعات لا يعرف فائدة معظمها حتى الآن، وأن عدد جينات الإنسان 20 ألفا فقط، بينما كان يقدره العلماء بـ 100 ألف.
نعم، 20 ألف موضع في الجينوم يمكنها تحديد كل صفاتك. فما رأيك الآن لو دخلنا إلى هذه الأماكن المحدودة وقمنا بتعديل الحمض النووي فيها؟ هذا ما نطلق عليه تعديل الجينوم البشري. ستدرك الآن أن هذه العملية دقيقة ومعقدة، لأن المطلوب منك استهداف أماكن معينة في منطقة من الحمض النووي، لا تشكل أكثر من 2%. الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش (2).
تعديل الجينوم
يهتم العلماء كثيرا بتعديل الجينوم ليس فقط في البشر، لكن في حيوانات التجارب والنباتات. ويستخدمون في ذلك إنزيمات مبرمجة سابقا على استهداف أماكن محددة في الحمض النووي والعمل على إحداث تغيرات فيها، غير أن المعضلة التي طالما واجهتهم هي استهداف هذه المناطق بدقة فائقة.
بدأ الأمر في 1996 عندما استخدم العلماء طريقة "نيوكليس إصبع الزنك"، وهو بروتين يتكون من جزءين: الجزء الأول مسؤول عن استهداف جزء محدد من الحمض النووي وهو الجزء المراد تعديله، والجزء الثاني يختص في إحداث التعديل المراد. وكان عيب هذه الطريقة -كما قلنا- هو عدم القدرة على استهداف المناطق المراد تعديلها بدقة فائقة، وأيضا أنها تسبب تسمم في بعض الخلايا؛ ما يؤدي إلى موتها قبل حدوث التعديل الذي نريد.
جاء الحل أخيرا في 2009، عندما طور العلماء تقنية جديدة أفضل من التقنية السابقة، وأقل سمية منها تدعى "TALENS". وكلتا التقنيتين السابقتين تستخدم البروتين في التعرف على المكان المراد تعديله. وبما أن تصنيع البروتين عملية صعبة ومكلفة؛ فقد انتظر العلماء ظهور تقنية جديدة (3).
تقنية "كريسبر" لتعديل الجينوم
لا شك أنك فهمت من الفقرة السابقة أننا بحاجة إلى أداتين لتعديل الجينوم؛ الأداة الأولى عليها تحديد الهدف بدقة، والأداة الثانية عليها العمل على إحداث التغيير، أو التعديل الذي نريده في الحمض النووي. لكننا تغلبنا هنا في تقنية "كريسبر" على عائق مهم، وهو أننا نحتاج قطعة صغيرة من الحمض النووي الريبوزي بدلا من البروتين؛ لكي ترتبط مع الجزء من الجينوم الذي نريد تعديله.
وبما أن تصنيع قطع صغيرة من الحمض النووي سهل جدا في المعمل، فقد وفرنا الكثير من الجهد والوقت والتكلفة. ليس هذا فحسب، فهذه التقنية الجديدة تتميز بخاصيتين جعلتاها على رأس كل التقنيات الحالية. الأولى هي خاصية الحساسية، فإذا قصدنا استهداف 100 خلية لتعديل الجينوم الخاص بها باستخدام تقنية "كريسبر"؛ فإننا نحصل على أكثر من 90 خلية جديدة معدلة، بعكس التقنيات السابقة، التي إذا استهدفنا بها العدد نفسَه من الخلايا نحصل على عدد قليل جدا من الخلايا المعدلة
القدرة على التحديد سهلّت على العلماء استخدام تقنية كريسبر في تعديل الجينوم البشري وجينوم الأجنة (الأوروبية)
هناك أيضا خاصية مهمة سهلّت على العلماء استخدام تقنية كريسبر في تعديل الجينوم البشري وجينوم الأجنة وهي القدرة على التحديد؛ فمع التقنية الجديدة يمكننا استهداف الأماكن التي نريد تعديلها بدقة شديدة أفضل من أي وقت مضى(4).
الاكتشاف الذي سخر منه كثير من العلماء يتحول لاكتشاف القرن
في 2005، افترض أحد العلماء في جامعة "أليكانتي" الإسبانية أن التتابعات الموجودة في الحمض النووي لبعض البكتريا قد تكون جزءا من جهاز مناعي مكتسب، الأمر الذي سخر منه كثير من العلماء؛ فكيف تمتلك بكتيريا بدائية هذا النوع من المناعة المتطور، والموجود فقط في الكائنات العليا على حسب اعتقادهم؟
"تستطيع البكتريا التذكر بعد أن كونت الذاكرة الخاصة بها، وأيضاً تستطيع توريث هذه الذاكرة للأجيال القادمة من البكتريا، أي تستطيع توريث المناعة المكتسبة"
هل يمكن للبكتيريا أن تمتلك جهازا مناعيا متطورا محددا، يمتلك ذاكرة مثل الموجود في الإنسان؟ الإجابة المنطقية لا؛ لأن البكتريا بدائية جدا، كيف يمكنها أن تتذكر وهي لا تمتلك جهازا عصبيا؟!
رغم ذلك، فإن الإجابة الحقيقية هي نعم! تملك البكتريا ذاكرة قوية؛ إذ تقوم إنزيمات "كاس بقطع الحمض النووي لـ"البكتريوفاغ" (فيروس) المهاجم للبكتريا. وتقوم بدمج قطع معينة منه داخل الحمض النووي للبكتريا في تتابعات تدعى "كريسبر"، وفي المرة التالية التي يهاجم فيها الفيروس تتذكره البكتريا بأن تأخذ نسخا من القطع التي احتفظت بها في المرة السابقة وتطابقها بالحمض النووي للبكتريوفاغ، فإن وجدت تطابقا قامت إنزيمات "كاس" بتمزيق الفيروس (البكتريوفاغ) بسرعة وشراسة.
تستطيع البكتريا التذكر بعد أن كونت الذاكرة الخاصة بها، هذا مذهل، صحيح؟ الأغرب من ذلك أنها تستطيع توريث هذه الذاكرة للأجيال القادمة من البكتريا، أي أنها تستطيع توريث المناعة المكتسبة، وهو شيء لا يستطيع جسم الإنسان فعله. على الرغم من شدة تعقيد الجسم البشري، لا نستطيع توريث المناعة المحددة للأجيال القادمة (5).
ربما تعطينا كل هذه الحقائق فكرة عن أننا لسنا الوحيدين المتميزين بقدرات خاصة من بين المخلوقات الأخرى وتجعلنا نعيد النظر في قدراتنا المحدودة. والآن ما صلة كل هذا بتعديل الجينوم؟
صراع بين العلماء على براءة الاختراع
في 2013، خطر لأحد العلماء يدعى فنغ زانج في أحد معامل معهد "ماساتشوستس" للعلوم والتكنولوجيا فكرة عبقرية، ماذا لو استخدمنا طريقة البكتيريا (المناعة المكتسبة) في تعديل الجينوم داخل خلايا الكائنات الحية، ومنها الإنسان؟
كما أشرنا سابقا، تستخدم البكتريا قطع حمض نووي صغيرة في التعرف على الفيروس، وتقوم بتقطيعه باستخدام إنزيم "كاس". يمكننا بالطريقة نفسها تصميم قطع حمض نووي صغيرة لتتعرف على الجينوم الذي نريد تعديله ويدخل الإنزيم "كاس" فيقوم بالقطع.
فكرة بسيطة غيرت مجرى الأبحاث العلمية وغيرت كل الإمكانات المستقبلية، لكنّ الأمور لم تجر بهذه السلاسة؛ فقد أعلنت عالمة أخرى في جامعة "كاليفورنيا" تدعى جينيفر دودنا أحقيتها ببراءة الاختراع؛ لأنها توصلت إلى الفكرة ونفذتها قبل فنغ زانج. واستمر الصراع شهورا حتى حكمت المحكمة بأحقية فنغ زانج ببراءة الاختراع؛ لترتفع أسهم معهد "ماساتشوستس" اليوم التالي لإعلان الحكم في سوق الأسهم ارتفاعا ملحوظا.
وهنا ينشأ جدال أخلاقي، هل يجوز منح براءة اختراع لشيء موجود بالفعل؟ هل يمكن مثلا منح براءة اختراع لاكتشاف غاز جديد في الهواء؟ هل التعديل الجيني اختراع أم اكتشاف؟ وهل سيعرقل هذا مسيرة الأبحاث؛ لأن براءة الاختراع في أيدي معهد واحد على مستوى العالم؟ هل التقنية مهمة جدا إلى درجة أنه لا يجوز لأحد احتكارها؟ سنعرف كل هذا الإجابات قريبا(6).
جائزة نوبل تذهب إلى تقنية "كريسبر"
إذا أردت الحصول على جائزة نوبل في العلوم فأمامك طريقان؛ الأول أن تسير في طريق بحثي متصل لعشرات السنين، وسوف يُعترف بفضلك إذا كانت إنجازاتك على مدى السنين قد خدمت العلم بطريقة كبيرة، أما الطريق الثاني فيشمل اكتشافا كبيرا مدويا، في الأغلب غير متوقع ومفاجئ لك وللعالم وله تأثير مباشر على العلم، وسوف يفتح آفاقا كثيرة، كما حدث مع اكتشاف تركيب الحمض النووي على يد واتسون وكريك.
حينذاك لم ينتظر العالم الكثير من الوقت لمنحهم الجائزة؛ لأن الاكتشاف كان مدويا وهو ما نتوقعه مع "تقنية كريسبر". ربما يُمنح فنغ زانج الجائزة العام المقبل، كان مرشحا لها العام السابق بالفعل في مجال الطب. وعندما مُنحت لعالم آخر قالوا إذن سوف يُرشّح فنغ زانج لجائزة نوبل في الكيمياء، لكن لم يحالفه الحظ مرة أخرى. كان العلماء مُصرين على منحه الجائزة العام الماضي، وأغلب الظن أنه سيحصل عليها هذا العام أو ربما العام المقبل(7).
تعديل جينوم الأجنة في المختبر والطفل السوبر مان
دعنا نلق نظرة سريعة على أحد الإمكانات، التي كانت مستحيلة في الماضي وهي تعديل جينوم الأجنة البشرية. لنفترض أننا أخذنا حيوانا منويا من الذكر وبويضة من الأثنى، وجرى دمجها في أنبوبة اختبار؛ فتنشأ خلية واحدة تدعى "زيغوت" والتي تبدأ في التضاعف من تلقاء نفسها بالانقسام الميتوزي لتكون الجنين بأعضائه المختلفة.
"عند تعديل جينوم الجنين، فإن الشخص الناتج من هذا الجنين عندما يتزوج ويتنج أبناء؛ سوف يرثون نفس التغيرات التي أحدثناها في جينوم هذا الشخص"
ماذا لو قمنا بتعديل الجينوم الخاص بهذا الطفل في مرحلة مبكرة، عندما يكون عبارة عن بضع خلايا؟ وهو الأمر السهل والممكن باستخدام "تقنية كريسبر". ليس هذا فحسب، بل سيكون تعديلا محددا أيضا، أي يمكننا جعل هذا الطفل يمتلك الصفات التي نريدها، ليس فقط الصفات الجسدية، لكن ربما أيضا الصفات النفسية التي تحددها بعض الجينات.
هل يمكننا جعل أطفالنا أكثر ذكاء وأشد قوة؟ هل يتم تجهيز جيوش الآن من هذه الأجنة المعدلة في مختبرات سرية في الدول المتقدمة؟ هل سنصبح معمل العالم الغربي لإجراء هذه التجارب بعد أن نصبح طبقة أقل من الجنس البشري؟ هل نحن بصدد ظهور "سوبرمان" جديد باستخدام العلم، أم أن الأمر سيقتصر فقط على استخدامات طبية؟ وهل هذا هو طب المستقبل؟ يستطيع العلماء الآن ربط الجينات بكل الأمراض، بما فيها الأمراض المكتسَبة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. هل يمكننا منع هذه الأمراض من البداية؟ الإجابة البسيطة هي نعم بشرط معرفة الجينات التي نريد تغييرها، وأنواع التغيرات التي نريد إحداثها، لكنْ ما يمكن أن يحدث داخل المعمل لا يمكن التنبؤ به(8).
جنس بشري جديد يولد في المعامل.. أسئلة أخلاقية ودينية
إذا نظرنا إلى تعديل جينوم الأجنة، نجد أنه عند تعديل جينوم الجنين، فإن الشخص الناتج من هذا الجنين عندما يتزوج ويتنج أبناء؛ سوف يرثون التغيرات نفسها التي أحدثناها في جينوم هذا الشخص، فالأمر لا يقتصر على فرد بعينه، بل ينعكس على سلالة كاملة وربما جنس جديد.
ماذا لو أخطأنا وأدخلنا بعض التغيرات غير المرغوبة ونُقلت إلى جنس جديد؟ هل يكون هذا الجنس الجديد أذكى وأكثر تطورا؟ هل سوف يعادينا في المستقبل؟ ألن تكون هذه النهاية درامية بما يكفي؟ هل نتوقف الآن؟
سيدافع البعض بأن تعديل جينوم الجنين، قد يكون الفرصة الوحيدة لزوجين يموت كل أطفالهما قبل الولادة بسبب طفرة وراثية معينة، وتعديل الجينوم يعد الحل كي ينجبوا طفلا سليما، فهل يحتمل الأمر المخاطرة؟
يجادل البعض الآخر بأنه يجب إشراك الجنين، الذي سيجري عليه التعديل في اتخاذ القرار، وهو الأمر المستحيل طبعا! أيضا يجادل البعض بأن هذه التقنية سوف تكون متاحة للأغنياء فقط دون الفقراء، وهذا أمر غير عادل. والبعض يجادل بأن التقنية ليست آمنة حتى الآن، وربما ينتج لنا "فرانكنشتين" جديد مثلا دون أن ندري. تعد كل هذه الأسئلة موضع النقاش الآن في كبريات جامعات العالم.
هل يعارض علماء الدين المسلمين تعديل الجينوم البشري؟ هل يعارضون تعديل جينوم الأجنة ويعتبرونه تغييرا لخلق الله؟ ما الأحكام الدينية التي قد تنطبق على هؤلاء المعدلين، أم أنهم بشر مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا؟ هل يقف الدين في مواجهة مباشرة مع العلم مرة أخرى؟ وما موقف الشعوب العربية هذه المرة؟(9).
بداية النهاية لمعاناة مرضى الإيدز بفضل التقنية الجديدة "كريسبر"
لقد ظل مرض نقص المناعة المكتسبة مستعصيا على العلاج لفترة طويلة؛ فحتى مع ظهور فئات جديدة من الأدوية التي تثبط نشاط الفيروس، فإن النتائج كانت مخيبة للآمال. تستطيع الأدوية تقليل معدل تضاعف الفيرس، لكنها لا تقضي عليه نهائيا، بالإضافة إلى ارتفاع ثمنها وصعوبة الحصول عليها في مناطق كثيرة من العالم؛ لكنْ مع تقنية "كريسبر" يمكن استهداف الفيروس مباشرة ومنع تضاعفه نهائيا.
في إحدى التجارب، على سبيل المثال، يجري التركيز على إحداث طفرة في أحد مستقبلات الفيروس على الخلايا التائية المساعدة؛ وبالتالي لا يمكن للفيروس دخول الخلية ولا يمكنه تدميرها. بالإضافة إلى العديد من الأفكار الأخرى، التي يعكف عليها العلماء للقضاء على المرض نهائيا (10).
علاج الأمراض الوراثية
لا شك أنك سألت نفسك الآن ماذا عن الأمراض الوراثية؟ كيف سنعالجها باستخدام التقنية الجديدة؟ لنأخذ مثالا لمرض يصيب خلايا الدم وهو "أنيميا الخلايا المنجلية"، الذي ينشأ عن وجود طفرة في الحمض النووي، تجعل الهيموغلوبين يتكتل في خلايا الدم الحمراء عنده تعرضه لنقص الأوكسجين؛ فماذا لو استطعنا إصلاح تلك الطفرة؟
سوف يتعين علينا في هذه الحالة أخذ الخلايا الجذعية، التي تُنتج كريات الدم الحمراء من دم المريض، وسوف نقوم بعملية التعديل الجيني في المعمل على هذه الخلايا ونقوم بإصلاح الطفرة باستخدام طريقة "كريسبر"، ونتأكد أن هذه الخلايا المعدلة أصبحت تُنتج هيموغلوبين طبيعيا، ثم نعيد زرع هذه الخلايا المعدلة داخل دم المريض مرة أخرى؛ لتستقر في النخاع العظمي وتبدأ في إنتاج كريات دم حمراء خالية من المرض.
يمكن تطبيق هذه الطريقة تقريبا مع كل الأمراض، التي تصيب خلايا الدم بكل سهولة. كما يمكن تطبيقها على باقي الخلايا الأخرى المصابة بأمراض وراثية، لكنّ التطبيق سيكون أصعب بكثير. قد تظن أن هذه نهاية المطاف، لكن المؤشرات تؤكد أنها محض البداية، وأن أشياء مذهلة وربما مرعبة في الوقت نفسه على وشك الحدوث (11).
المصادر
1The History of DNA Timeline2All about the Human Genome Project3Genome Editing Comes of Age4CRISPR/Cas9- Targeted Genome Editing: New Era in Molecular Biology5CRISPR Timeline6Bitter fight over CRISPR patent heats up7CRISPR Gets snubbed again by the Nobel Prize Committee8CRISPR fixes disease gene in viable human embryos9?What are the ethical concerns about genome editing10Current-application of CRISPR/Cas9 gene-editing technique to eradication of HIV/AIDS11Gene editing corrects sickle cell mutation
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة