من قصص الملائكة
1- الملائكة مع آدم
أول قصة ذكرها الله سبحانه في كتابه العزيز هي قصة الملائكة مع آدم عليه السلام، حيث أخبرهم جل وعلا أنه سيخلق الإنسان ليكون خليفته في الأرض، ودار الحوار المعروف في سورة البقرة، وفيه تعجب الملائكة من أن يخلق الله تعالى بَشَرًا يعصيه في الأرض، رغم أنهم يسبحون بحمده ويقدسونه ويلزمون أمره بلا أدنى مخالفة، وقد ظهر ذلك عندما أمرهم عز وجل بالسجود لآدم فسجدوا. ولأن القرآن استثنى إبليس من الاستجابة للأمر "فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" "فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ" كثر التساؤل والجدل حول:
هل إبليس من الملائكة؟
من الثوابت والمُسَلَّمات حول هذا الموضوع:
1- قوله تعالى في سورة الكهف: "فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ".
2- قوله تعالى: "وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ".
3- في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خُلِقَت المَلائِكَةُ مِن نُور، وخُلِقَ الجَانُّ مِن مَارِجٍ مِن نَار" فينتج عندنا فرق واضح في أصل الخِلْقة.
4- قوله تعالى عن الملائكة: "لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" وفي المقابل.
5- قال على لسان الجن: "وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا" وقال: "وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ" فينتج فرق آخر، وهو أن الملائكة كلهم مطيعون منقادون لأمر الله، أما الجن فمنهم المطيع ومنهم العاصي، بل منهم المؤمن ومنهم الكافر، وإبليس "أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"؛ لذلك يصح أن نقطع فيه بقول الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس.
يجب الاهتمام بالدعاء لإخواننا المجاهدين والمستضعفين بظهر الغيب، فإن الله عز وجل وكَّل ملَكًا خصيصا للتأمين على الدعوة بظهر الغيب، ثم يقول: ولك بمثله. فإذا ما انشغلت بالدعاء لإخوانك.. قيض الله لك الملك كي يدعو لك
أما استثناؤه في السياق القرآني، فيجوز الاختلاف في تأويله بحسب اجتهاد كل عالم دون المساس بثوابت الوحي، لذلك قال ابن كثير: وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل ليُنظَر فيها، والله أعلم بحال كثير منها. ومنها ما قد يُقطَع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وُضِعَ فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء الجهابذة النقاد، الذين دوَّنوا الحديث وحرَّروه، وبيَّنوا صحيحَه من ضعيفِه، من مُنكَره وموضوعه، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي، خاتم الرسل، وسيد البشر، أن ينسب إليه كذبٌ، أو يُحدَّث عنه بما ليس منه. اهـ
2- الملائكة وقاتل المائة نفس
من أروع القصص التي تذكر طرفا من علاقة الملائكة بالإنسان، قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، حيث تحركت نفسه للتوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدَلّوه على راهب ليس عنده علم، فلما أغلق باب التوبة في وجهه.. قتله هو الآخر، فأتم به المائة، ثم عاد وسأل عن أعلم أهل الأرض، فدَلّوه على عالِم، وفتح له العالم باب التوبة، وأرشده إلى ترك أرضه والهجرة إلى أرض فيها أناس صالحون ليعبد الله معهم، "فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ. فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا، مُقْبِلًا بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ: إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ حَكَمًا فقالَ: قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ" القصة في الصحيحين.
ومع ما في الحديث من فضل العالم على العابد، ومن الحرص على التوبة مهما عظمت ذنوب العبد، وكون البعد عن مكان المعصية أدعى لصلاح الحال بعد التوبة؛ ففيه كذلك شيء من حال الملائكة مع بني آدم، وأنهم ليسوا على درجة واحدة من العلم، قال ابن حجر: وفيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا، وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم. واستُدِل به على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة إذا تنازعوا، وفيه حجة لمن أجاز التحكيم. اهـ من فتح الباري.
3- الملائكة تبشر المؤمنين عند العمل الصالح
في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُّبُّهَا؟ (يقصد: مصلحة متبادلة) قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ"، وفي مسند أحمد وسنن الترمذي: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مُنَادِيًا مِنَ السَّمَاءِ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً" انظر صحيح الجامع وصحيح الترغيب والترهيب للألباني
بل قد ورد في مثل هذا العمل ما هو أكثر من ذلك، فعند الحاكم وأبي داود عن عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا، إِلَّا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ". وقد ورد في باب تبشير الملائكة لأصحاب العمل الصالح من البشر الكثير من الأحاديث، منها حديث: "مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا" وأكتفي بما ذكرته من باب الإشارة.
الملائكة تتنزل على الإنسان عند الذكر عموما وعند قراءة القرآن خصوصا، وقد تنزلت على رجل يقرأ سورة الكهف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام. فمن كان محبا للملائكة.. فليكثر من قراءة القرآن
رويترز
4- الملَك يمتحن ثلاثة من البشر
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ. فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ"
وعند الختام أود التذكير هنا بثلاثة أمور هامة:
الأول: أن الملائكة تتنزل على الإنسان عند الذكر عموما وعند قراءة القرآن خصوصا، وقد تنزلت على رجل يقرأ سورة الكهف في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كما نزلت على أسيد بن حضير رضي الله عنه وهو يقرأ ليلا. فمن كان محبا للملائكة.. فليكثر من قراءة القرآن.
الثاني: الحرص على التبكير يوم الجمعة، واستحضار تواجد الملائكة على أبواب المساجد لتسجيل الحاضرين مبكرا.
الثالث: الاهتمام بالدعاء لإخواننا المجاهدين والمستضعفين بظهر الغيب، فإن الله عز وجل وكَّل ملَكًا خصيصا للتأمين على الدعوة بظهر الغيب، ثم يقول: ولك بمثله. فإذا ما انشغلت بالدعاء لإخوانك.. قيض الله لك الملك كي يدعو لك. والله من وراء القصد.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن