بسبب لعبة.. طفلة العشر سنوات حاولت الانتحار أربع مرات
أخطأت... لا أريد الاستمرار... لكنها تهددني... أصبح موتي حتميا!
"نعم أدركت فعلا أنني أخطأت اختيار اللعبة المناسبة، لم أكن أدرك محتواها... وأنا في العادة من هواة الرسوم المتحركة وبعض الألعاب الجميلة، ترافقني دائما دميتي المميزة... أحب أمي وأبي وجميع أصدقائي... أكره الظلام (العتمة) والوحوش وأخاف من الليل..." بهذه الكلمات المتطايرة والمرتبة والمبعثرة أحيانا دون أن تكون كذلك في الواقع تحدثت طفلة العشر سنوات... "حنين" فتاة صغيرة اجتذبها عالم اعتقدته نقيا جميلا؛ لكنه فاجأها بمكر وعبث وخبث فصرّحت بصوت يرتجف ذات يوم "نعم أردت الموت هربا منها... فهي تلاحقني وتهددني"...
جدير بنا في خطوة أولى أن نطرح السؤال المناسب: لماذا يحدث هذا؟ أطفال ينتحرون وهم يلعبون ولا يدركون خطورة ما يفعلون... ينتحرون وهم يلعبون ... في البال آمال وأحلام تقصفها ألعاب وعصابات!
نعم فنحن في عالم جديد وغريب وعجيب... قد لا ندرك منه سوى المعجزات والخوارق التي تخترقنا من يوم إلى آخر... عوالمُ افتراضية تستضيفنا وإن لم نقبل بها فتصحبنا في فسحة زمن نظنها قصيرة لكنها تطول أكثر مما نعتقد... فدخول هذه العوالم يسير؛ لكنَ الخروج منها عسير وعسير!! تجول بنا تطبيقات ورسوم وأنغام حيث لا نعلم الإطار الزماني ولا ندرك الإطار المكاني، بل ونجهل جميع الشخوص والأبطال... ولا نستحضر سوى أحداث عشوائية تقترف جرما في حق إنسانيتنا وفي حق براءة الطفولة فينا. ألم يقل ألبرت أينشتاين "إنّ التقدم التقني مثل فأس في يد مجرم مريض".
دراسات حديثة تتحدث عن مسؤولية شبكة الإنترنت وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية "الذكية " في حدوث ما يزيد عن 25 في المائة من حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين نتيجة تعرضهم للترهيب والابتزاز الإلكتروني!
أنا طفلة وما زالت أستمتع بذلك الشعور الجميل بداخلي ... لا يخجلني الحديث عنه بقدر ما أخجل من تفاصيل أخرى تجعلني أحذر بل وألعن لحظات طفولية كانت قاتلة ومدمرة لمن لم يعرف بعدُ طريقه إلى مرحلة المراهقة. كلما استحضرت "مريم" و"الحوت الأزرق" لعنت براءة الطفولة فينا... هم أطفال وهي ليست بالألعاب! وتلك مأساة حقيقية!
طفلة العشر سنوات التي حاولت الانتحار أربع مرات على الأقل بسبب لعبة "مريم" وغيرها كثيرون من تونس والجزائر والمغرب وفرنسا والبرازيل وروسيا والسعودية وإيطاليا وبلغاريا والهند وبنغلاديش ممن تعلقت قلوبهم بالأوهام في سعيهم إلى دخول تجارب جديدة ومغايرة تكسر حواجز نفسية خُلقت ربما دون رضاهم؛ ليعلقوا في عوالم افتراضية تصفهم بالأذكياء وتعدهم بالامتياز ثم تختطفهم سريعا ودون سابق إنذار...
"لعبة مضحكة غير مناسبة لضعاف القلوب" هكذا نقرأ تعريف إحدى هذه الألعاب قبل تنزيلها على الهواتف والأجهزة الإلكترونية، وفي هذا التعريف تحد قوي واستفزاز صارخ للأطفال...
"مريم فتاة جميلة تعيش وسط عالم مليء بالضغوطات تحتاج المساعدة... مهمتك إرجاعها إلى منزلها، دلّها عبرالإجابة على بعض الأسئلة المشوقة والمخيفة التي تطرحها، فما عليك إلا أن تكون صبورا مع مريم". ما رأيكم بهذا التعريف للعبة "مريم"؟! يليه بين أسطر اللعبة "القاتلة"، "حاول أن تكون ذكيا وأن لا تُشعر مريم الأصلية بخوفك!"
أن تدفع ظروف معيشية حياتية صعبة طفلا أو مراهقا لم يتجاوز بعدُ سن الـ18 عاما، للانتحار فهذا جائز أو ربما تؤكده بعض الأرقام والإحصائيات وحتى الدراسات الاجتماعية التي تحدثت في أحدث نسخها عن ندرة حوادث الانتحار في مرحلة الطفولة والمراهقة والتي تشمل الفئة العمرية الأقل من 18 عاما، لكنَ معدل حدوثها في ازدياد مستمر وبشكل يدعو إلى القلق ويلفت الأنظار إلى وجود مشكلة حقيقية..
تتناول العديد من الدراسات الانتحار كمرض نفسي تتعدد عوامله رغم انخفاض السن التي يبدأ فيها الطفل عادة بالتفكير في مثل هذا الصنيع المثير للجدل... بعض هذه العوامل المساعدة على تفشي ظاهرة "الانتحار" تبدو بسيطة من وجهة نظر البالغين أو المتعاملين مع الأطفال من مدرسين ومدربين وصولا إلى أولياء الأمور، لكنها يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة لاحقا... تتحدث بعض الدراسات التي تناولت موضوع "الانتحار في صفوف الأطفال" عن أسباب عديدة للإقدام على محاولة الانتحار لعل من أهمها نتائج الامتحانات و بعض الأمراض الجسدية المزمنة والعلاقات الاجتماعية السائدة لاسيما داخل العائلة، بينما تأتي دراسات حديثة لتتحدث عن مسؤولية شبكة الإنترنت وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية "الذكية" في حدوث ما يزيد عن 25 في المائة من حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين نتيجة تعرضهم للترهيب والابتزاز الإلكتروني! تماما كما يحدث مع المشتركين في ألعاب "مريم" و"الحوت الأزرق" و"الطماطم" وغيرها... تطبيقات من العوالم الافتراضية تمجد المنتحرين على اعتبار أن فعل الانتحار يتسم بالشجاعة! وتحصد أرواح أطفال تاهوا في صراعات لم ينتبه إليها أولياء أمورهم.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر: تحدي الحوت الأزرق لعبة مسموحة في معظم البلدان، وتتكون من تحديات عديدة ومختلفة يخوض غمارها المشترك وعلى مدة 50 يوما، وفي التحدي النهائي يُطلب من اللاعب الانتحار!! وهي بالتالي واحدة من بين ما يسمى "مجموعة الموت"؛ لعبة من بين عشرات الألعاب التي تتصدر قوائم الأكثر تنزيلا على تطبيقات الأجهزة الذكية، وواحدة من بين الأكثر بحثا على متجر "Appstore" لهواتف آيفون، تعتمد مؤثرات صوتية وبصرية قوية جدا تصنع أجواء مليئة بالغموض والإثارة تثير الرعب والخوف فى قلوب المستخدمين، خاصة الأطفال منهم والمراهقين تستحوذ على قدراتهم الإدراكية و توهمهم باختبار الذكاء والشجاعة والصبر! وعليه لنا أن نسترجع المقولة الشهيرة لصاحبها ر.بكمنستر فولر "الإنسانية امتلكت كل التكنولوجيا المناسبة لجميع الأهداف الخاطئة" ... وفي النهاية وفي حال أراد أحدهم الانسحاب من اللعبة، سيواجه تهديدا إما بكشف جميع أسراره من خلال تعميمها ونشرها على أهله وذويه! أو بإيذائه وتهديده بالموت مباشرة في حال قرر الانسحاب من اللعبة وحاول إزالتها من الجهاز... ليجد الطفل نفسه فريسة سهلة يدفع ثمن ذنب لم يقترفه!
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن