سوريا وموجة الثورة الصامتة
قاوموه بصمت، تلك حصيلة روح السوريين المقيمين في المدن المحتلة من قبل العصابة الطائفية، فقد ظهرت لأول مرة لافتات وشعارات سريعة ودون ترتيب جماعي ثوري، ولكنها عميقة الدلالة، تعكس حالة غليان وقلق ورفض للعصابة الحاكمة للمدن المحتلة، إن كان في دمشق أو في حلب أو في اللاذقية وحماة وغيرها، فقد أظهر ناشطون وناشطات هذه اللافتات وسط معالم رئيسية لتلك المدن، ومن نوافذ بيوتهم المطلة على شوارع عامة معروفة في العاصمة تقول: نحن مع الغوطة، ونحن محتلون وعاجزون، ولسنا راضين عما يجري في الغوطة.
لعل الأكثر رمزية هو قصاصات تظهر من الزبداني المحتلة، التي عملت العصابة الطائفية وسدنتها على إجلاء كثير من أهلها قبل عامين، تقول القصاصة الصغيرة ذات الدلالة لرمزية المكان: «من الزبداني نحيي صمود مجاهدي الغوطة»، ولم تنسَ حلب المشاركة في هذه الحملة التضامنية تحت هاشتاج #أنقذوا_الغوطة، حيث ظهرت قصاصة ورقية من وسط ساحة سعد الله الجابري المعروفة وسط المدينة تقول: «أهلنا الأحبة في الغوطة، من قلب حلب المحتلة، نحن معكم».
دلالات هذه القصاصات عميقة، وإن كان البعض قد يقول إنها حالات فردية، ومن قال إن الثورات تبدأ بغير هذا؟! ومن قال إن الغليان يبدأ بدون هذا؟! فقد شهدنا كصحافيين -نقوم بتدوين المسودة الأولى للتاريخ- ثورات اليمن وسوريا ومصر، وكلها بدأت بمثل هذه النشاطات الفردية، التي في حقيقتها وجوهرها وكنهها تعكس الحالة العامة الشعبية الرافضة لهذه العصابة الطائفية، وكلنا يعلم عمق وترابط الأسر العربية ومنها السورية، فمثل هذه الحالات ستعكس بالتأكيد حالة كثير من الأسر التي يرتبط بها رافعو هذه الشعارات، وانهيارات الدول الكرتونية التي يقودها الاستبداد يتناقض تماماً مع قوة المجتمعات، التي تزداد قوة وتماسكاً بشكل عكسي مع انهيار الدول المستبدة.
ثمة أسباب كثيرة لمثل هذا الغليان، والذي بدأ يطفو على السطح، بخلاف السنوات الماضية، حين لم يكن يعلن عن نفسه، أو يتحدى العصابة الطائفية التي قبضتها من حديد على الشعب في المدن المحتلة، وهو ما يكذّب أيضاً أن العصابة الطائفية تتمدد شعبياً، وتكسب على حساب خسارة جغرافية للثورة والثوار، فالواقع يحكي أن الثورة إن كانت تخسر الجغرافيا لقوة الاحتلال الداخلي والخارجي والمدعوم من الميليشيات الطائفية المستوردة، إلا أنها تكسب جغرافيا القلوب والديموغرافيا، وهو ما ظهر بهذه اللافتات عميقة الدلالات.
الممارسات الطائفية في المدن الرئيسية بدمشق وحلب وحتى اللاذقية، استفزت كثيراً من الشرائح السنية في تلك المدن، وجعلتها تقرع أجراس خطر حقيقية، بعد أن نالت من وجودها الديموغرافي بتفريغ كتل سنية ضخمة، ولعل هذا أكبر سبب رئيسي وأساسي دفع أهالي دمشق إلى رفع هذه اللافتات، تعبيراً عن رفضهم لذلك.
لا بد أن تتجدد الثورة بأشكال جديدة، ولا بد أن تدرك العصابة المحتلة ومن خلفها، أن هذه الثورة عميقة بعمق حضارة جُلق «دمشق» كأقدم مدينة في التاريخ، وعالية بعلو جبال طوروس، وأحلى من شهد الغاب السوري، وبالتالي فهي ثورة مدنية حضارية، تؤكد من جديد هويتها، التي بدأها أطفال حوران يوم كتبوا: «أجاك الدور يا دكتور»، وتجدد معه أصالتها وهويتها المدنية، التي أرادت لها العصابة الطائفية والمحتلون -كما اعترفوا بأنفسهم- أن تكون عسكرية، لأنهم لا يقهرون شعباً حضارياً ومدنياً بسلاحه الحضاري المدني المتميز به، وإنما يظنون أنهم قادرون عليه بأسلحتهم الجهنمية، فخابوا وخسروا.;
المصدر : القدس العربي
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن