داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
معركة الإرادات: بين الجمعة والبوابات
مِن رَحِم المِحنة تولد المِنْحة، وقد أَغلق الصهاينةُ المسجدَ الأقصى الجمعة ١٤ تموز ٢٠١٧م، فمُنع المسلمون من الصلاة فيه يومين، وسط تواطؤ دولي وانشغال الأنظمة العربية بالصراعات الداخلية، بينما محور "تجار الممانعة" يتلمس طريق القدس في حلب، وأكثر وسائل الإعلام صَمّاء بكماء عما جرى!!
وبعدها بأربعة أيام (١٨ تموز) ابتُلِي المسلمون في لبنان بقانون "إغلاق معنوي" لأبواب المساجد! يمدد دوام عمل وظائف المؤسسات الرسمية يومياً إلى ما بعد العصر دون تيسير حاجات الموظفين لأداء صلاة الظهر، ويقنن السبت عطلة أسبوعية إضافة إلى الأحد بدل استعادة يوم الجمعة الذي ألغاه المحتل الفرنسي وقرر الأحد مكانه).
فكيف واجه المسلمون في كلٍّ مِن القدس ولبنان هاتين المحنتين؟!
• تَمَيَّزَ حَراكُ المقدسيين بـ:
1. المبادرة السريعة بمشاركة الطفل والمرأة والعالِم والعجوز، ولم ينتظر الأفراد القيادة ولا العكس.
2. التزام قرار القيادة الصالحة الأمِينة بعدم دخول الأقصى عبر البوابات الإلكترونية التي نصبها اليهود.
3. الأمل بالله تعالى وطول النفس مما جعل أعدادهم تزداد باطراد.
4. التضحية في سبيل الله، فحصيلة جمعة الغضب: ٣ شهداء و٣٧٧ مصاباً بالقدس (بينهم الشيخ عكرمة صبري)، و١١٠ بالضفة.
5. التكافل والإنفاق وتقاسم الزاد للرباط لينجح المشروع وليثبت المشاركون.
6. تشكيل الرأي العام عبر الوسائل المتاحة والشعارات والهاشتاغات: #البوابات_لأ
7. صبر الآباء والأمهات على ابتلاء الأبناء كوالدة الشاب المتهيئ للزواج التي صبغَتْ كفيه بالحناء بعد استشهاده.
8. تنفيذ عمليات طعن كالتي نفذها عمر العبد فقتل ثلاثة محتلين، وتهديد الفصائل المجاهدة في غزة بفتح معركة انتقامية.
تحت هذه الضغوط تراجع اليهود في ٢٥ تموز وفكوا البوابات مكتفين بالكاميرات الحرارية، لكن المرابطين أكدوا استمرار المواجهات إلى حين عودة الأقصى إلى حاله الأول تحت إشراف الأوقاف الإسلامية وحدها.
وهكذا بُثّ الأمل وتضاعف المرابطون من مئات إلى نحو ٣٠ ألف فدائي أدَّوا صلاة العِشاء مساء ٢٦ تموز مما دعا سلطات الاحتلال إلى اتخاذ قرار الهزيمة بفك الكاميرات وإعادة وضع الأقصى إلى ما كان عليه قبل أسبوعين. إنه إنجاز عظيم خيالي بفضل الله ثم بجهود المرابطين.
• وبالمقابل كيف واجه المسلمون في لبنان قانون عطلة السبت وإبقاء العمل يوم الجمعة ومجرد إعطاء ساعتين للصلاة؟
1. بلَّغ النائب د. عماد الحوت مفتي الجمهورية بوجود هذا القانون المقترح، وأُقِر ومُرّر ولم يسجِّل اعتراضَه إلا النائبان الحوت وضاهر.
2. انتظر الشارع موقفاً حاسماً من دار الفتوى، بينما انتظرت دار الفتوى تحرك الشارع، فخسرنا الأيام الأولى.
3. التقت هيئة علماء المسلمين المفتي فطالبهم بالتحرك، وتوالت الوفود الطلابية والعلمائية والشعبية والاجتماعية... داعمة مطلب دار الفتوى.
4. انعقد المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى ١٢ آب وأكد مطلبه التاريخي: "المطالبة بالتعطيل يوم الجمعة" كاملاً.
5. دعت هيئة علماء المسلمين إلى اعتصام علمائي أمام مجلس النواب قبل توقيع رئيس الجمهورية على القانون وانقضاء مدة الطعن، فأمَل المفتي منهم تَدَرّج الخطوات بتحويل الاعتصام إلى دار الفتوى حيث استقبل حشودهم.
6. انفرد أهل السنة بالمطالبة والتحرك دون أي اكتراث من المرجعيات الدينية والسياسية الشيعية!
7. أما النواب العلمانيون ممثِّلو "أهل السنة" فكانوا موافقين على القانون وتجاهلوا دار الفتوى! مستخفّين بخطر فوات الجمعة على الطلاب والموظفين، والتشبه بغير المسلمين باتخاذ عطلتهم السبت والأحد دون الجمعة.
8. ومِن المفارقات أن اليهود في فلسطين قَننوا الجمعة عطلة رسمية!
9. رئيس بلدية القرقف في عكار (يحيى الرفاعي) كسر التخاذل فأعلن أنه غير معنيّ بقانون لا يحترم دينه، ويعارض الدستور والتعايش والمساواة. وتلاحق المتضامنون معه من كل المناطق؛ رؤساء بلديات ومخاتير.
10. حملة نصرة عطلة يوم الجمعة: تشكلت لتحقيق هذا المطلب، وأنشأت مجموعة على الواتس أب للتواصل بين ممثلي الشرائح والمناطق والفئات... وتسببت بمخاوف للجهة السياسية التي باعت يوم الجمعة، فكُتبتْ المقالات المشككة بخلفية الحملة! وحقيقةً: هذا كان أهم إنجاز للمِحنة؛ أن نرى الوجهاء والعلماء والشرائح الاجتماعية؛ متنوعة الاختصاصات والمواقع تبادر وتتصدَّر للتعاون فيما بينها لاستعادة هذا الحق السليب (بينما كان لا يكاد يتحرك قبل ذلك غير المشايخ).
11. أقامت حملة نصرة الجمعة عدة خطوات منها: جمع تواقيع المعترضين من مختلف الفئات واعتصام أمام مجلس النواب وشاركت فيه هيئة العلماء.
12. تراجع العَلْمانيون تحت الضغط واقترحوا قانوناً آخَر يقلِّص العمل يوم الجمعة إلى الساعة 11 لكنه يبقي العطلة السبت والأحد.
13. استمرت الحملة بمطلبها "عطلة الجمعة كاملة" وبلقاءات مع مفتي الجمهورية وغيره، وحاولوا ربط موعد مع رئيس الحكومة صاحب أعلى موقع سياسي لأهل السنة وأكبر كتلة نيابية، لكن بلا جواب! فلما زاروا نائباً نصرانياً بادر رئيس الحكومة فضرب لهم موعداً فور عودته من السفر (بعد 6 أيام)، لكنه قدم استقالته في سفرته تلك تاركاً وراءه عدة قضايا إسلامية: الجمعة أبرزها!
لكن المعركة لم تنتهِ! وإن نجاح أهل القدس في خطواتهم وتضحياتهم إشراقة أمل تحدونا لأن نقتفي أثرهم ونحشد طاقات مجتمعنا المتنوعة ونكتلها وتستمر المساعي بمزيد وعي وجد لاستعادة حقوقنا؛ ومنها عطلة الجمعة، فـ #الجمعة_حقنا، ونحن أبناء البلد لا رعاياه.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة