تأملات قرآنية
الفكرة الأولى : كيف أسلمت ملكة سبأ ؟
استعمل معها سليمان عليه السلام ثلاث وسائل ، فاستجابت للأخيرة فقط :
1 . التهديد: - " ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين " .
- " فلنأتينّهم بجنود لا قِبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلة وهم صاغرون ".
2 . المعجزة : عندما وصلت من اليمن إلى فلسطين وجدت كرسيّها عند سليمان ، ولا يمكن حدوث هذا آنذاك إلا بمعجزة خارقة لأنها جاءت في قافلة برية مع عدم توفّر أية وسيلة نقل أخرى تمكّن من الوصول قبلها ، فكيف تجد عرشها أمامها وقد تركته خلفها مسيرة أسابيع ؟.
احتارت ( قيل: أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو ) لكنها لم تسلم.
3 . التفوّق العلمي : همّت بدخول قصر سليمان فاعترضها مَجرى مائي فرفعت ثوبها حتى لا يبتلّ فقال لها مضيّفها: " إنه صرح ممرّد من قوارير " أي كان المجرى مغطى بالزجاج بطريقة هندسية باهرة بحيث يتراءى لمن يجتازه أنه جدول قد يبتلّ بمائه.
هنا قالت: " ربي إني ظلمتُ نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ".
إنها ملكة يدلّ سياق القصة أنها على جانب كبير من الذكاء والحنكة أي صاحبة مستوى رفيع ، لا يجعلها -لا التهديد ولا المعجزة- تنهار ، لكنها تُذعن للعلم والإنجاز الحضاري ، فهو خير دليل على عظمة سليمان ودينه.
هذا ليس أمرا خاصا بتلك المرأة ، إننا نشيد بالغرب وننبهر به ومنا من يريد الانصهار فيه بسبب رقيّه الحضاري وإنجازاته الضخمة...هذا ما يناسب هذا الزمان وعقليته ، نستطيع من خلاله تحبيب ديننا للناس عندما يرون بأعينهم – لا بمجرد القراءة أو الاستماع – أنه يجمع بين الدنيا والآخرة.
هذه طريقة مثلى لتقديم حقائق الإسلام ومحاسنه مقترنة بالإنجاز والإبداع.
الفكرة الثانية : القرآن والفيزيا
الفيزيا مكّنت الإنسان من نقل الكلمة والصورة بسرعة الضوء ( عبر فاكس وانترنت ...) لكنّها ما زالت لم تمكّنه من نقل الكتلة la masse
في القرآن الكريم أشارة إلى حدوث ذلك في الواقع :
1.الإسراء والمعراج: انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو إنسان أي كتلة بلغة الفيزيا – بسرعة الضوء في رحلتيْن أفقية وعمودية بجسده، والدليل على سرعة الضوء هنا اصطحاب جبريل له وهو ملك مخلوق من نور أي ضوء.
2.نقل عرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين بسرعة الضوء ( قبل أن يرتدّ إليك طرفك ) ، كيف تمّ هذا ؟ يبدو من سياق القصة أن المسألة ليست معجزة ربانية لكن إنجاز علمي ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك ).
هل تمّ تفكيك الكتلة ثم أعيد تجميعُها ؟ أم هناك طريقة أخرى؟ ما هي هذه الطريقة؟ كيف ضاعت عن الإنسان مع يقيننا أن العلم تراكمي لا انقطاع فيه؟
القضية جديرة بتمّعن علماء الفيزيا وعلماء الدين.
الفكرة الثالثة: بين النظر السطحي والنظر الواعي- " نوح وابنُه "
القضية تتعدى حدود العلم إلى رحابة الوعي بما نرى ونسمع ونعرف بالتجربة، وللإيمان دور كبير في نقل الإنسان من النظر السطحي للأشياء – ولو كان مبينا على ظاهر العلم – إلى أعماق الوعي.
وقف نوح عليه السلام وابنُه أمام ظاهرة طبيعية هي الطوفان، لكن كل واحد منهما فسّرها تفسيرا مختلفا كان له تأثيره على حياته.
الابن استند إلى العلم والتجربة فرأى أن الطوفان حدث طبيعي يكفي للنجاة منه الصعود إلى مكان مرتفع : " قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء "، والتفسير " العلمي " هنا صحيح ، لكنه تفسير سطحي، كما قال الله تعالى " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ".
أما نوح عليه السلام فكان نظره واعيًا فتجاوز هذا التفسير الذي يعرفه حتى الأميون إلى إلى التفسير الإيماني : " قال لا عاصم اليوم من أمر الله".
هذا بيت القصيد : ليس طوفانا فحسب بل هو " أمر الله ".
ما هي النتيجة؟ هلك صاحب النظر السطحي ونجا صاحب التفسير الإيماني.
ما أجمل العلم إذا تحرّر من سجن المادية والنسبية وجال في الإيمان و المطلق.
الفكرة الرابعة : لماذا تقدّموا وتأخرنا
" وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين "
سؤال قديم جديد ، هو سؤال مشروع لكني أترك الخوض في ثناياه للعلماء والمفكرين أما أنا فأفضل أن أطرح أسئلة أخرى حتى نكون إيجابيين عمليين :
ماذا فعلت أنت أيها المسلم للخروج من التخلّف ؟
عندما تذهب إلى العمل هل تعمل أم تكتفي بالحضور ؟
هل تتقن عملك اليدوي والذهني ، كموظف أو عامل بسيط أو مسؤول ؟
هل تبدع في مجال اختصاصك ؟ هل تبتكر ؟ هل ترتقي بقدراتك العلمية والفنية أم أنك راضٍ بالرتابة وبذل أدنى جهد ؟
هل تؤدي الأمانة ؟ أمانة تربية الأولاد تربية متكاملة أصيلة ؟ أمانة خدمة المجتمع ؟ أمانة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ أمانة الرقيّ والتحضّر لتكون في مستوى الاسلام العظيم ؟
هل تفعل شيئا من هذا أم أنّك تكتفي بتوجيه الانتقاد والتذمّر من الحكومة والشعب والمسؤولين والمثقفين والأئمة وجميع الناس وكأنك وحدك المستقيم المبرّأ ؟
بدل لعن الظلام هل توقد شمعة ؟
ألا تعرف الحديث النبوي: " من قال هلك الناس فهو أهلكُهم " ( رواه مسلم ) أي هو أشدّهم هلاكا بسبب تشاؤمه وسلبيته ، فلو قال كلمة نافعة اوحدة أو قام بأدنى عمل ميداني لكان أفضل من شكواه وتبرّمه واتهامه لجميع الناس بالضياع والبوار.
وتذكّر الحديث العجيب الفذّ الذي رواه الإمام أحمد " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألاّ تقوم حتى يغرسها فليغرسها " ... قمّة الايجابية ، الساعة على وشك القيام ، لا تنشغل بها وإنما انشغل بعمل صالح يشهد لك ، افعل شيئا نافعا ، اغرس أنت شجيرة ، لا تنتظر أن يفعلها غيرك ، لا تكن عاجزا منتظرا ...الساعة.
إذا بادر كل واحد منا بإنجاز عمل ما يهدف إلى إخراجنا من التخلف فسنخرج منه.
وأضعف الإيمان أن تدعو بالخير للمسلمين عسى الله أن يغيّر حالهم إلى أحسن حال.
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن