قصة نجاح امرأة.. لم يريدوها أن تكتمل
كتب بواسطة وجدان شتيوي
التاريخ:
فى : قصص
5359 مشاهدة
أن تحلم يعني أن تبقى على قيد الحياة، لكن أن تكون حالماً طموحاً يعني في كثيرٍ من الأحيان أن تكون مستهدفاً، فأصحاب النفوس المريضة وأعداء النجاح كثر. سأنقل لكم قصة رنا شابة ثلاثينية أراها نموذجاً للإصرار والتحدي، إذ تزوجت مبكراً في عمر السادسة عشر، ولكن ذلك لم يثنيها عن المضي قدماً في تحقيق أحلامها وكان لها دافعاً أكبر لتؤمن بأهمية العلم والتعليم، إذ أكملت دراستها الثانوية وحصلت على شهادة عليا متجاوزةً ومذللة كل العقبات ومسؤوليات البيت والزوج والأولاد.
أحداث القصة حصلت بين أسوار مدرسة أجنبية عريقة أنشئت على أرض فلسطينية.. بطلة القصَّة عملت في وظائف عدة مؤقتة ومنها برواتب بسيطة محاولةً إثبات ذاتها، لكنها وجدت شغفها بالتدريس وخاصةً فئة الأطفال، فقد أرادت أن تغرس في نفوسهم أهمية التعليم باعتبارهم في مرحلة بلورة الأفكار وغرس القيم وتكوين بذرة الطموح والتفوق والاجتهاد.
دقَّت باب هذه المدرسة لما وجدت شاغراً يناسبها في المرحلة الابتدائية، ظناً منها أن حلماً سيتحقق وأنها ستكون فرصة لإيصال رسالة تؤمن بها على الرغم من أن الراتب الذي ستتقاضاه سيذهب ما يقارب نصفه مصاريف مواصلات لتنقلها بين مدينة وأخرى ليتبقى لها ما يقارب الثلاثمئة دولار فقط. تمت المقابلة بنجاح وكان مما قالته بها أن لديها حلم ستحققه مع هؤلاء الطلاب، وأثنى عليها المدير وأخبرها أنها قبلت في الوظيفة. وفي الأسبوع الذي يسبق بدء العام الدراسي كُلفت في اليوم الأول من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الخامسة عصراً ببيع الزي المدرسي والقرطاسية وتغليف الكتب.
كان هذا الأسبوع بمثابة التهيئة والتدريب للمعلمين الجدد.. كُلفَت به بتحضير درس للمحادثة لطلاب الصف الثاني فاعترضت المشرفة على طريقة عرض الصور واتهمتها بتشتيت الطلاب علماً أن المشرفة حاصلة على درجة الدبلوم من إحدى الكليات، حضّرَت رنا كراسةَ تهيئة للصف الثاني بمواصفات تربوية قياسية دقيقة، فأخذتها المشرفةُ للإضافة عليها على حد قولها ودمجها مع ما أعدته المعلمات، ولكنها تفاجأت أن لا شيء مما أعدته وبذلت جهدها في سبيله وسهرت عليه تم اعتماده في الخطة، وتم الاكتفاء بالمادة المعدَّةِ قديماً. وخلال هذا الأسبوع هدِّدت رنا ثلاث مرات بالطرد من الصف مع أنها كانت تؤدي أفضل ما لديها. قامت بتوزيع بطاقاتٍ مطبوعة لمراجعة الحروف وكانت قد وضعت الهمزة على الألف، فاتخذت المشرفة هذه النقطة ضدها، مع أن الكتب لم تكن قد وزعت على الطلاب بعد.
كانت رنا تتساءل إن كان مفهوم الإشراف أصبح خاضعاً للأهواء الشخصية، والأمراض النفسية من غيرة وحقد! أم أنه خاضع للضمير والإنسانية!
وفي اليوم الثاني من توزيع الكتب وضعوا معلمة بديلة لذلك الصف مع أن تلك المعلمة كانت قد قالت لرنا مستحيل أن آخذ مكانك فأنت أكثر كفاءة مني. واليوم التالي كان يوم عطلة رسمية وبعدها هدِّدت أن تطرد مرة أخرى مع أن المشرفة لم تكن تحضر لها سوى بضع دقائق، وسألتها رنا يوماً عن السبب فقالت لها أنها تخاف أن تحضر لها حصةً كاملة؛ لأنها تخشى أن ترى مستقبل طلابها الدراسي ينهار على يديها بعد أن أسستهم في الصف الأول! وحضرت معلمة الرياضيات لتحضر لها حصة دراسية فعلَّقت عليها وانتقدت أنها تكثر من استخدام الوسائل التعليمية.
ذهبت رنا لمعلمة اللغة العربية للصف الثالث وعرضت عليها تحضيرها فأثنت عليها جداً وفي آخر يوم في الأسبوع قالت المشرفة لرنا: لا أريدكِ أن تشرحي دروساً واكتَفي بحل التدريبات لتنجزي كالمعلمات الأخريات لم تدرِ رنا أن هذه مؤامرة أخرى ستتكشَّفُ خيوطها، ودخلت يومها المشرفة فجأة الصف وسألت من الطالب الذي يقف على النافذة في حصةِ رنا، فقال الطلاب لم يكن في حصة المعلمة رنا ولكن المشرفة صرخت عليهم وأصرت باطلاً أن ذلك في حصتها، واتهمتها أنها غير أمينة على حياة الطلاب مع أنها هي من طالبت الإدارة مراراً وتكراراً أن يضعوا حماية لنافذة صفها.
ويومها اتضح لرنا صدفةً أنهم فتحوا لمديرة ومالكة المدرسة التي وكلت المشرفة والمدير بشؤون التوظيف للعرب؛ لانشغالها وثقتها بموظفيها تسجيلات الكاميرا التي بيّنوا لها فيها أن رنا لا تشرح إلا التدريبات، الأمر الذي كان بطلب من المشرفة. وفي ذلك اليوم اعتذر المدير من رنا وقال لها: سامحينا فقد انتهى مشوارك معنا دون توضيح أي أسباب. رنا لم تحزن على وظيفة ضاعت لكن ما أثار شجونها أنها شعرت بالظلم فقد كانت تملك كفاءة وعملت بكل جدارة، فقد كانت تتلقى تغذيتها الراجعة من أهالي الطلاب الذين كانوا يشكرونها على حب أبنائهم المفاجئ للدراسة والمدرسة بسببها رغم قصر المدة التي لم تكن كافية لتخرج كل إمكانياتها.
تساءلت فيما إذا كان أسبوع واحد كافياً للحكم عليها إن كانت غير مؤهلة للتدريس، مع أنها كانت واثقة جداً من إمكانياتها ومعروفة بقدراتها. كانت تتلقى تغذيتها الراجعة من الهدوء والانضباط الذي يسود صفها.. لم تنسَ ما كتبته طالبة عنها في درسِ التعبير والكتابة إذ كتبت "لم أحب في حياتي معلمة كالمعلمة رنا، لم أرى بجمال خديها الحمر، وبسمتها الدائمة". لم تنسَ ذلك الطالب كثير النشاط والحركة الذي نقلوه من صفها فلم تعرف المعلمة التعامل معه، فقد كانت رنا تشعره دائماً بالمسؤولية وتكلفه بمساعدة الطلاب فتحولُ سلبياته إيجاباً.
لم تنسَ شهادة الأستاذة الجامعية التي درستها في الجامعة وكلفتها بإعطاء دورات لطلاب المدارس حين قالت لإدارة هذه المدرسة: أنتم من كسبتم رنا ضمن طاقمكم وليست هي. كانت رنا تتساءل إن كان مفهوم الإشراف أصبح خاضعاً للأهواء الشخصية، والأمراض النفسية من غيرة وحقد! أم أنه خاضع للضمير والإنسانية! أم أن هناك من لا يحتمل فكرة أن يرى من هو أكفأُ منه يعمل إلى جانبه، وكأنه يهدد أمنه ويشكل خطراً عليه، لكن حلمها لم يمت وهي على يقين أن يوماً ستأتي فرصتها الذهبية، وسيقدر طموحها وإنجازها؛ لأن الفشل واليأس والإحباط محذوف من قاموس حياتها، ولا بد للحياة يوماً أن تردَّ اعتبارها.
المصدر : الجزيرة نت
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!