متلازمة تقديس الغرب.. متى نتوقف عن جلد ذواتنا؟
كتب بواسطة عيشوش محمد هشام
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1385 مشاهدة
في مدينة جيجل بالجزائر جلس "مايك" في مقهى بجوار الفندق الذي يقيم فيه.. سحب هاتفه ووضعه على الطاولة ثم طلب فنجان قهوة وانتظر.. "مايك أمريكي يعمل في شركة مقاولات، أُرسل مع الشركة لإتمام مشروع بالجزائر منذ حوالي 6 أشهر"، بُعيد لحظات لاحظ مايك جدالا يدور في الطاولة المقابلة له وبحكم معرفته للعربية قليلا علم سبب الجدال مباشرة. الأول يقول: لو بقي الاستعمار لكنا من الدول المتطورة.. أي أن المشكلة فينا نحن العرب والمسلمين، غير قابلين للتطور أنانيون، مفسدون في الأرض. أما الثاني: والذي كان يحلم بالخروج من الجزائر لأي دولة أوروبية تكفل له مستقبله.. لم يكن يختلف عن الثاني في التفكير كثيرا.. إلا أنه كان يؤمن أن المشكلة في المنظومة التي تسير بها الدول الإسلامية والعقلية اللامسوؤلة التي تربى عليها نشأ المسلمين. راقب مايك من بعيد وهو يتسائل!.. الاثنان يمجدون أبناء جلدتي فمن على صواب فيهم؟
علا صوت أحد المتجادلين "يا سي جمال الماريكان عندهم إسلام وما عندهم مسلمين أما نحن فعندنا إسلام لكن كلنا فاسدين" كثيرا ما سمع مايك هاته العبارة لكن لم يفهم لماذا يرددها المسلمين.. فبحكم عيشته القصيرة في الجزائر لاحظ فرقا شاسعا في القيم بينها وبين أمريكا وهذا الاختلاف ببساطة بسبب الفرق بين الإسلام هنا والإلحاد هناك. كيف يتخلق الأمريكيون بأخلاق الإسلام وهو يشتمون ويغتصبون ويسرقون ويقتلون ويتحرشون بالنساء والرجال وهذا ليس مبالغة في الأمر فلا تجد نشرة أخبار محلية هناك لا تحتوي على جريمة من هذا النوع.. الشذوذ يتفشى كل يوم بطريقة مهولة بسبب منظماتهم وجمعياتهم ووسائل الإعلام التي تروج له. العري موضة وتعاطي المخدرات والسكر بشتى أنواع الخمور كشرب الماء تماما.. الزنى أصبحت تنفيسا للمشاعر والأهواء فلا تجد من بلغ سن الرشد ولا زال على عذريته.. "في فرنسا أقرت حرية التصرف بالجسد للبنات على 13 سنة فقط".
قد يتفوه البعض أن هاته التصرفات التي نعتبرها غير أخلاقية هي بالنسبة لهم شيء عادي.. لكن مهلا!! من الذي قام بهذا القياس ومنذ متى تقاس الأخلاق على حسب عقليات الأفراد فبهذا المنطق فقد أصبح الشتم والكذب والغش شيئا عاديا بالنسبة للمسلمين، فلم الحكم عليهم بعدم التخلق جزافا هكذا؟ بما أننا نقيس الأخلاق حسب عقليات المجتمع. أكمل مايك تلصصه البريء على جدال الرجلين ليتكلم الثاني بنبرة سخرية "يا حميد قلت لك المشكلة في المنظومة التي تسير بها البلاد.. التشريع الإسلامي لن يقودنا لغير التخلف، يجب تغييره والانقياد للعلمانية التي قادت أوروبا للتقدم والازدهار.. التي كفلت الحرية لكل الطوائف داخل حدودها. تفاجأ مايك من هذا الكلام.. كيف يصدر من رجل مسلم؟ "غريب حقا".
لو تطلعنا للتفاصيل الثقافية والحضارية والأخلاقية لهم.. لرأينا تلك الهوة التي لا تردم بين ما يدعيه الغرب وما يمارسه في الواقع
ركز على آخر جملة قالها عن حرية الأفراد فعادت به الذاكرة لنقاشه مع أحد أصدقاءه في بوسطن عن الإسلام وحرية المعتقد فقد كان مايك يخشى العيش بين المسلمين لكن صديقه ذاك أكد له أن الإسلام يكفل حرية المعتقد والأفكار فبإمكانك أن تكون يهوديا، نصرانيا، بوذيا، ملحدا أو حتى وثنيا، أنت حر تماما بشرط ألا تروج لأفكارك وأن لا تدعوا لمعتقدك بين المسلمين. بدأ مايك يستحضر ذلك الجواب ويقارنه بما رآه من المسلمين والعيش وسطهم.. ثم بدأ التساؤل يدب داخله ما غاية ذلك السؤال من الرجل؟ فهو مسلم أيضا!.. هل يضطهده باقي المسلمين؟ أم أنه متضامن مع غير المسلمين هنا؟ لكن السؤال الأهم لما لا يطالب بإقرار الإسلام وتطبيقه كمصدر تشريعي في البلاد بحق فهو يكفل الحرية أكثر مما تكفله أوروبا وأمريكا.. لكن مهلا! لحظة.. هل يعتقد حقا أن العلمانية هي من أوصلت تلك الدول للمصاف؟ هل المشكلة في الديانات حقا؟
يذكر مايك أنه منذ أيام قرأ أن الكيان الصهيوني قد أقر التلمود اليهودي دستورا للكيان المغتصب مع أن الكيان يعتبر من الدول المتطورة! فبما أن اليهودية تتماشى مع دولة متطورة فهل الإسلام هو المشكلة؟ لكن كيف يعرف ذلك والإسلام لا يطبق كتشريع في الجزائر! كيف يحكم عليه ولم يعايشه؟.. ألا يقرأون أن الأندلس بدستورها الإسلامي كانت متطورة في وقتها.. وبغداد ملتقى العلماء وأكبر عاصمة من حيث السكان في وقتها.. ألم تكن تطبق الشريعة الإسلامية؟ وحتى تونس ومصر ألم تكن جامعاتهم قبلة للشباب الأوروبي ليتعلم بها؟.. ألم تكن الجزائر أكبر قوة بحرية في العالم بحكمها الإسلامي؟
وما هو التطور الذي يقصده هنا.. أيعني التطور العلمي.. أو الاقتصادي؟ وهذان لا يتأثران بالديانة ولا بالعرق فالمهم هو الإلمام والاهتمام بالقطاع المقصود.. جالت أفكار كثيرة في رأس مايك عن طريقة عيشه بين أمريكا والجزائر.. لكن سرعان ما ارتسمت على وجهه نظرة عابسة وهو يتصفح هاتفه ويقرأ رسالة من أخت زوجته تبلغه أن زوجته قد تركت المنزل وهي تقيم مع عشيق لها.. كما أنها ستسلمه أوراق الطلاق مباشرة عندما يعود.. يعلم مايك أنه لا يستطيع منعها من فعل ما تريد فهو غائب عنها منذ 6 أشهر وخيانتها له ستكون مبررة أمام مجتمعها وأمام القانون.. فقد زوجته اليوم بعد أن فقد أمه منذ ثلاث أيام إذ توفيت في دار العجزة بعد أن تركها هناك منذ 7 سنوات.. "لم يزرها فيها إلا في السنتين الأوليتين".
نظر مايك للرجلين المتجادلين ولسان حاله يقول "هذان من يقدسان مجتمعي.. هل يمكن لزوجة أحدهما أن تخونه ببساطة باسم الحرية.. بل ويقف معها القانون والمجتمع؟ هل يمكن أن يترك أحدهما والديه في دار العجزة فلا يتذكرهما لسنين عديدة؟ لكنه يعلم تماما أن هذا المجتمع رغم فساده يبقى محافظا على بعض القيم.. يتصفح مايك هاتفه وإذ بالنادل يقف فوق رأسه ويبدأ مباشرة بتنظيف الطاولة دون استئذان مايك.. ثم وبدون مقدمات يهم النادل بالكلام بنبرة انزعاج "آه كم أتمنى أن أعيش اليوم الذي سنتوقف فيه عن الانبطاح للغرب والتهليل لحضارتهم ومبادئهم المزعومة.
منذ صغرنا جُبلنا على تقديس صورة الغرب المتطور والمتحضر حتى أصبحنا شعوبا تجلد ذواتها مقابل أتفه موقف يقوم به إنسان غربي.. تكاد تتكسر رقابنا احتراما وإجلالا لإنسانيتهم وأخلاقهم المزعومة. بينما لو تطلعنا للتفاصيل الثقافية والحضارية والأخلاقية لهم.. لرأينا تلك الهوة التي لا تردم بين ما يدعيه الغرب وما يمارسه في الواقع. وهذا يقودنا للسؤال "ما مدى إنسانية ذلك المجتمع الغربي وما مدى حضارته؟ ببحث صغير نجد أن جل المجازر التي شهدها العالم كانت هاته الشعوب سببا فيها.. لكن بما أن الإعلام بأيديهم فستبقى صورتهم براقة لامعة وستضل صفة المتخلف الإرهابي وصمة على جبيننا. هنا فتح مايك فاهه وبلهجة جزائرية ركيكة محتشمة رد على النادل "لكن ما دخل الشعوب فيما تفعله حكوماتهم".
هنا نظر إليه النادل وبابتسامة ساخرة قال: خطأ آخر سقطت فيه شعوبنا فالذي يقوم بفصل حقيقة الشعوب عن حكوماتها كمن يذم قائدا إرهابيا ويمدح أعضاء فرقته مع أن الاثنين مجرمين.. يا بني أليست جيوش تلك الحكومات المجرمة هي من شعوبها؟.. أليست تلك الشعوب هي من تنتخب حكوماتها وتوجهها وتأثر على سياستها وإرادتها؟ بل ولها القدرة على محاسبتها وحتى خلعها.. فهي دول ديمقراطية حسب ما يروجون له! رد مايك بابتسامة: لكن تبقى الشعوب الغربية أكثر تحضرا فهي لا تسرق ولا تغش ولا تنافق عكس ما تفعله الشعوب الشرقية.. رد عليه النادل: فكرة خاطئة أخرى تغزوا عقولنا.. أترى ذلك الشخص هناك.. قد تراه مثلا في المطار يشتم ويصرخ ويتجاوز الصف.. لكن ما أن يحط في الجهة المقابلة في بلد غربي.. تجده قد غير من نبرة صوته واحترم غيره وانتظم في الصف. إنه نفس الشخص لكن بسلوكين، المغزى ببساطة "يحكم الله بالسلطان مالا يحكم بالقرآن".
لا يوجد شعب منظم ومؤدب ومتخلق. كما لا يوجد شعب همجي منحل أخلاقيا. توجد ضوابط وقوانين تفرض.. فإن تمت مراقبتها والسهر على تطبيقها صلح الشعب وإن غابت تلك الضوابط أو تلك المراقبة.. عندها الإنسان يميل إلى ما جبل عليه فيسلك طريق العصيان والتمرد.. فيفسد ويتهمج مع الوقت. المغزى يا بني.. أننا نعيش صراع حضارات والواضح أن الغرب هو المسيطر الآن لكن من الحماقة استصغار أنفسنا أمام من لا يستحق التعظيم. إن أراد هاذان المتجادلان أن تنهض دولتهم وتصطف مع الدول المتحضرة والمتطورة فعليهم أولا أن يعلموا أن العالم بطبيعته يقصى من يبقى متفرجا منهزما محتقرا لذاته يائسا من حاله بينما ينير طريق المجد لمن يفرض أفضليته ويحترم نفسه.. فببساطة "من رضي بالذل سلطه الله عليه".
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن