طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
ارتقاء
وقفتْ على هضبةٍ شيهانةٌ شمَّاء وفردتْ جناحيها، فألقت خيوط الشمس الذهبية عليهما بريقاً كبريق اللآلئ. كانت تلك الشيهانة البيضاء زينة سماء الصحراء، وكانت جميع الطيور تكنُّ لها الاحترام وتبدي إعجابها بلياقتها في التحليق.
مرَّت الأيَّام، وجال في الأفقِ صقرٌ عظيم، وتلاقت الشيهانة معه ذات يوم، فتعجَّبت لوجوده معها، حيث إنَّها اعتادت ألَّا تجد طائراً يحلِّق معها على ذاك الارتفاع الشاهق. وكان قد وقع في قلب الصّقر الإعجاب ذاته، فاقترب منها متودِّداً. وبعد حديثٍ وتعارفٍ استمرَّ زمناً لم يشعر به كلاهما، توصَّلا لقناعةٍ بأنَّهما خُلقا ليحملا نفس الرِّسالة وليحلِّقا معاً حول ذاتِ القمم. أمسك كلٌّ منهما بطرف الرسالة برِجْلٍ، وتعاهدا ألَّا يدعا رسالتهما أبداً وحلَّقا عالياً.
كانت مهمَّة التحليق مع حمل رسالةٍ مهمَّة شاقَّة، فالرِّسالة ثقيلة بحدِّ ذاتها، والطَّيران بجانب بعضهما بهذا القرب صعب ومُرْبِك. إلَّا أن كليهما أدرك أن الرسالة أثقل من أن يحملها أحدهما، وأنَّ عليهما الاستمرار معاً مهما كلَّف الأمر. ولكن، وبفعل احتكاك أجنحتهما الدائم، نزفت من أجنحتهما الدماء.
حاول الطَّائران أن يبتعدا قليلاً عن بعضهما علَّ التحليق يمسي أكثر سهولة، فكادت الرسالة أن تفلت منهما أكثر من مرَّة، فلم يكن هناك من بدٍّ مِن الاقتراب مجدَّداً.
توقَّف الطائران لاستجماع قوَّتهما بعدما أنهكهما التَّعب. نظر الصَّقر إلى الشيهانة، وبدأ بنتف ريش جناحه النَّازف وسْط دهشة الشيهانة. ثمَّ قال بعد أن فرغ من نتف ريش جناحه الأيسر: "إنْ كان جناحي هذا الذي لطالما تباهيتُ به سبباً لإسقاط رسالتي معكِ فإنَّني لا أريده بعد الآن..." نظرت الشيهانة إلى الصَّقر بنظرةٍ ملؤها الإكبار، ووسط دهشته هو الآخر قامت بنتف ريش جناحها الأيمن.
دنا الصَّقر من الشيهانة، وأمسك كلٌّ منهما بالرسالة التي وُلِدَا من أجلها، ووضعا جناحيهما النازفين حول بعضهما، وبفعلِ قوَّة عجيبة التحما، والتأمت جراحهما، وعندما حلَّقا في الفضاء من جديد لم يحتكَّ جناحٌ بجناح، بل أمسيا قوَّة واحدة، طائرين بجسدِ وروحِ طائرٍ، بل طائران بألف طائر.
منذ ذلك الحين والطائرين يحلِّقان على ارتفاعاتٍ لم تشهدها الطيور من قبل... ومنذ ذلك الحين ارتقيا... وبنيا عشّاً في قمَّةٍ أعلى من القمَّة التي كانا يرنوان إليها، ومنذ ذلك الحين فقط خفَّ حمل الرسالة وأدَّياها على أكمل وجه.
الشيهانة: أنثى الصّقر
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة