التعامل مع الفتور والملل والكسل، في أيام الصراع الرمضانية:
كتب بواسطة الشيخ خالد بهاء الدين
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1382 مشاهدة
(سبع قواعد) في التعامل مع الفتور والملل والكسل، في أيام الصراع الرمضانية:
- لا (تَسْعَ) لمعصية الله أبدًا:
لا تسمح للشيطان أن يحايلك أو لنفسك أن تحايلك وتتحاور معك في ترتيب المعصية.. لا تسمح لهما أبدًا.
وطريقك لذلك، يكون بوضع قاعدة يقينية تعاهد عليها نفسك: (لن أعصي الله أبدًا).
الحوار والمحايلة: (ما رأيك أن تشاهد الفيلم .. لا .. نحن في رمضان.. لكنك كسلان عن العبادة.. فيلم واحد).. (هيا اخرج مع فلان أو فلانة هذه المرة.. حيث المرح والاختلاط.. والموسيقى.. إنه ليل رمضان.. مرة واحدة وترجع للعبادة.. فأنت كسلان وعندك فتور..) إلخ.
أما المعصية التي تطرأ، بلا ترتيب ولا تخطيط ومحايلة نفس، فتلك تعالج بتوبة سريعة، فينتهي أمرها.
إنما الإشكال في معصيةٍ ترتب أنت لها، وتحاور نفسك قبل اقترافها، لأنها انتصار لنفسك عليك، وليست مجرد عصيان.
أو هي انتصار للشيطان.
وبين وسوسة الشيطان، وأمر النفس بالسوء؛ فرق طفيف، ويمكن - أحيانا - معرفة من أيِّهما أُتيت، من نفسك أم من الشيطان، وهذا مهمٌّ، لكن لا مكان له في هذه العجالة.
لكن السؤال: ماذا لو خطَّطت للمعصية وسعيتَ لها، وانتصرت عليك نفسك؟
الجواب: ستتوب فورًا، وتبدأ من جديد، لكن اعلم أن المشكلة ليست حالة فتور، هناك مشكلة أعمق من ذلك، تحتاج منك وقفة مختلفة مع نفسك حتى لا تكرر هذا، وهذا ليس موضوع المنشور.
- لا تسقط في ملهيات القلب الحاجزة عن فهم القرآن والتلذذ بالعبادة أبدًا:
(سماع المعازف، ومشاهدة البرامج والمسلسلات).
سماع الحرام، رؤية الحرام، الكلام الحرام..
هذه ثلاثة طواغيت في النفس.
اجعلها قاعدتك في رمضان: (إذا كسلت أو فترت، فلن أزيد الرَّين على قلبي).
أنت تحاول الاستفاقة، لكي تقوم من رقدتك، فتخشعَ وتذلَّ بين يدي الله.
وهذه الملهيات: تزيد الرَّينَ على قلبك، فإياك!
واختر من الآن، ماذا تريد، وخطِّط لحياتك، ولو كنت فاترًا.
وإذا كنتَ عاقلًا، وكنتَ حريصًا على لذَّة القُرب من الله تعالى، التي فيها حياة روحِك:
فكلُّ عاقلٍ حريص، يعلم: أنَّ اللهو يُبعده أكثر، ويزيد كثافة الحواجز بين قلبه وبين القدُّوس تعالى!
وإزالة الحواجز، ستحتاج بعد ذلك مجهودًا مضاعفًا، ووقتا مضاعفًا!
- خذ قسطًا زائدًا من الراحة السلبية:
أقصد بالسلبية: التي ليست عن تعبٍ أو عبادة بدنية.. لا حرج، أنت في تعبٍ ومللٍ قلبيٍّ.
حتى إن لم يكن بدنك متعبًا فـ(نم نومًا زائدًا، استرح بلا تعب، اجلس بلا أيِّ هدف) لا حرج، لكن لا تضيِّع الفرائض.
- تأكَّد أنك كلفت نفسك من العمل ما تطيق:
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون).
وهذه درجة من تربية النفس ومحايلتها، تكلمت عنها أكثر من مرة، خلاصتها: (الرجوع خطوة إلى الخلف)، في حالة أن تكون قد قفزت في تربية نفسك.
أن (تقف طول الليل تصلي)، أو (تقرأ في اليوم نصف القرآن)، أو حتى (خشوعك في غالب الصلاة).
كل هذه الأعمال الصالحة: حقٌّ وإيمان، ومطلوبٌ.
لكن لا يمكن القفز إليها، من لهو تامٍّ، أو عبادة مقتصدة، إلى عبادة الصِّدِّيقين، وخاصة أولياء الله الصالحين!
هذا محال.
فالباطل هو: أن تعتسف مرحلتك ودرجتك في العبادة، فهذا باطل منهي عنه.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مه [كلمة للزجر]، عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا).
وفي حديث آخر من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الدّين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبَه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلجة).
** فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشادد أحد الدين، وإلا فسيكون مغلوبا لا غالبا، وأمر بحلّ حبل زينب، ونهى أن يكلف أحد نفسه من العبادة (ما لا يطيق).
وأنت (في الأصل): مفتي نفسك في معرفة ما تطيقه من العمل، ودرجتك من العبادة.
لكن القاعدة هي: أن تبذل وسعك، وتجتهد، فلا بد أن تتعب في رمضان، وغيره.
ولن ترتقي في سلَّم العابدين بدون تعب ومشقَّة، أبدًا.. هذا محال أشد!
فإياك أن تظنَّ أن ما تطيقه هو: ما لا تتعب فيه بدنيًّا، فهذا فسادٌ، يوشك أن يحلِّلك من التكاليف كلِّها، لو أنَّك اتَّبعته.
وشرح كلِّ هذا يطول، وهو مهمٌّ، لكن لا مكان له هنا.
- تخفف من العمل الذي تطيقه:
بعد أن تراجع الأعمال، نوعها، وقدرها: فتجد أنها ممَّا تطيقه بالفعل، لكنك كسلت وفترت:
فلا حرج - في حال الفتور- أن تُخفِّف منه أيضًا.
تذكَّر أنك في حاٍل استثنائية، وأنك تحاول إنعاش قلبك، وأنك تحايل نفسَك، وتخادعها، لا أنك تكسرها وتحرقها.
(صلِّ ستَّ ركعات بدل ثمانية، اقرأ جزءا بدل جزءين) تخفف ..
ولكن انتبه من ضرورة عملك بالقاعدة السادسة.
- عوِّض ما خفَّفته بعمل آخر لم تكن تعتني به:
القاعدة هنا: أن تشغل نفس الوقت المحذوف، في عمل آخر.
اسمع القرآن بتركيز بقدر الاستطاعة (وهي عبادة عظيمة مغفول عنها).
اذكر الله، ألف تحميدة، ألف تسبيحة، ألف استغفار، (العدد غير مقصود لنفسه، إنما مثلت به لأدلك على الإكثار، والألف في الحقيقة ليس كثيرا).
أو: استحدث عملًا صالحًا، لا يحتاج وقتًا كبيرًا، لكن أجره عظيم وأثره على النفس عظيم، (الصدقة، عيادة المريض ولو تالغريب في المستشفيات).. نحوه.
لكن انتبه أن تخرج لدفع صدقة أو تعود مريضًا، فتسقط في إطلاق البصر، فتهلك!!
- ادع الله، وتخشَّع وتذلَّل وتباكَ!
ليس هناك أي نوع أو درجة من الفتور، تحجز اللسان عن الكلام بالدعاء!
ستقول: قلبي ليس حاضرًا.
سأقول لك: تصنَّع بين يدي الله، كأنًّك خاشع!
ستقول: لا أشعر بصدقي في الدُّعاء.
سأقول لك: سيأتي شعورك بالصدق بعد ذلك إن شاء الله، لكن ادع الله.
ستقول: لا أجد حلاوة في قلبي.
سأقول لك: اطلب حلاوة العبادة والمناجاة من الله.
ستقول: لا أجد دمعة واحدة.
سأقول لك: تباكَ، لا حرج.
ستقول: لا أجد التحقق بمعنى الذُّلَّ لله في الدّعاء.
سأقول لك: ادعه أن يجعلَك مذلولًا بين يديه.
لكن لا تترك الدعاء أبدًا، إلا ميِّتًا!!
إنَّ طلب ما لا تملك ممن يملك، هو: (لبُّ العبادة)، و(حقيقتها)، و(أصلها).
فاستشعر أنَّك لا تملك الذُّلَّ والخشوعَ واللذةَ والفهمَ وحُسنَ العبادة، ثمَّ: اطلب كلَّ ذلك ممن يملك القلوب ويقلِّبها.
ولا يضرُّك بعد ذلك إن شاء الله فتور، فأنت قائم بأعظم مطلوبٍ.
وما دام الأمر سرًّا بينك وبين الله، ولا يطلع عليه إلا ربُّك، فلا خوف أن تتصنَّعَ، وتتباكَى.
أنت بين يدي مولاك، الذي يعلمك وأنت لا تعلم نفسك!
وقد ذكر العلماء (التباكي) عند قراءة القرآن، وإن لم يبك حقيقة، كالآجريِّ والنووي، وغيرهما.
وفيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يصح، وآثار عن السلف لا أطيل بها.
أحبُّ أن أختم بقول سيدنا ابن القيِّم، الذي صار كالقاعدة المحكمة، فخذ القاعدة بحقِّها، قال رحمه الله:
(تخلُّلُ الفترات للسَّالكين: أمرٌ لا بدَّ منه، فمن كانت فترته إلى مقاربةٍ وتسديدٍ، ولم تُخرجه من فرضٍ، ولم تُدخِله في محرَّمٍ؛ رُجي له أن يعود خيرًا ممَّا كان).
رُجي له أن يعود خيرًا ممَّا كان.
في النهاية:
لا تنسَ أنَّك تترقَّب نشاطك، وتنتظر أن تعود إلى حالتك الأصلية، وتستفيقَ من الفتور والكسل، وتدركَ موسم الطاعة بقوَّتك الحقيقية.
وهذه القواعد السبعة: (طارئة) تعامل بها (حالتك الطارئة).
فواجب عليك: أن تراقب نفسك، فكلَّما وجدتَ فسحةً، فزد في العمل، إلى أن تستردَّ نفسك.
أي: هذا قواعد طارئة.. لا تتخذها منهاجًا دائما!!
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الشيخ خالد
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن