إخصائية تغذية وكاتبة اجتماعية ومهتمة بقضايا الشابات
كاملة ولكن ناقصة
كتب بواسطة أفنان الحلو
التاريخ:
فى : قصص
1296 مشاهدة
إلهام امرأة ثلاثينية، وهو ذلك العمر الذي وإن كانت تنعم فيه بالاستقرار على المستوى الأسري والمادي والصحي، إلا أن هناك ضغوطا من نوع آخر تكاد تفت عضدها. فأسرتها الآن مكتملة؛ 3 صبية وابنتين، أصغرهم لم يكمل العامين بعد، ويحتاجون إلى ما يحتاجون إليه من رعاية حثيثة بالليل والنهار، ومتابعة في أمور الدراسة والتربية. والواجبات الاجتماعية لاترحم، ولو نسخت من نفسها عشر نسخ وأرسلت كل واحدة إلى مناسبة أو زيارة ودية لوجدت من يعتب عليها لتقصيرها فكيف وهي نسخة واحدة فقط!! وبعد هذا كله هناك قضية الوالدين الذين كبرا في السن وبدأت الأمراض تتكالب عليهما، ويحتاجون إلى الرعاية والعناية وأحيانا إلى من يبيت معهم في المستشفيات ويتابع مواعيد الأطباء وأخذ الدواء. ثم دعونا لا ننسى تلك الحاجة الملحة إلى أن تقتطع لنفسها وقتا تتنفس منه نفسين يساعدانها على الاستمرار، غير أن مجرد التفكير في أخذ هذا الوقت يحتاج إلى تخطيط معقد من الدرجة الأولى، مما يزيدها انهاكا وهي في فراشها وتعتقد أن الاستغناء عن هذا الوقت أسهل من التخطيط لأجله..!!
.
.
إلهام شخص يسعى الى الكمال لذلك هي تتفانى حتى النخاع في جميع ما ذكر أعلاه، مما جعل علاقتها بأولادها صعبة فعلا؛ الحوار الذي يدور بينهم يختصر على الأوامر فقط: افعل هذا ولا تفعل هذا.. لماذا فعلت هذا أو لماذا لم تفعل هذا؟؟ حتى كلمة صباح الخير تنسى أن تقولها أحيانا، بل تتسع عيناها رعبا عندما تستيقظ ابنتها الكبرى وتأتي لتسلم عليها بدون أن تغسل وجهها، فتقول لها ابنتها: صباح الخير يا أمي، وتجيبها والدتها: لماذا لم تغسلي وجهك وتغسلي أسنانك قبل أن تسلمي علي! لا يجب أن تسمحي لنفسك – وأنت الصبية – أن يراك أحد بهذا المنظر حتى والديك !!
.
.
الأولاد الكبار بمجرد أن كفوا عن عادة التعلق بها ابتعدوا عنها تدريجيا وتشعر أنها تفقد الصلة بهم.. أن كل واحد غارق في عالمه – الذي الله وحده يعلم ما هو – ولا يتذكرون أنها موجودة إلا وقت الطعام.. ويحاولون أن يختصروا الظهور أمامها أقل وقت ممكن حتى لا تمطرهم بالأوامر والملاحظات. إلهام تلاحظ كل ذلك لكن ليس لديها الوقت أبدا لتأخذ استراحة وتفكر بالذي يجب فعله، أحيانا قبل النوم تفتح الفيسبوك وتقرأ القصص عن الأمهات الناجحات وصورهن مع أولادهن وهن في رحلات استجمام ويضحكن، فتكتفي بأن تلوم نفسها لأنها ليست أما جيدة بالتأكيد.. أو تلوم ظروفها التي وضعتها في حالة جري مستمر لا راحة فيه.. هي لا تجد الوقت لأخذ أولادها في رحلة وعموما حتى لو أخذتهم فإنهم يبقون صامتين وكأن على رؤوسهم الطير، وقد اعتاد كل واحد فيهم أن لا يتواصل معها ولا مع إخوته وعادة ما يعودون وقد خيم النكد عليهم بعد الرحلة. إنها تحاول أن تكون امرأة خارقة وكاملة ولا تقصر في اي شيء لكن لماذا لا ينجح الأمر؟
زاد الطين بلة عندما عرفت من معلمة الكيمياء لابنتها الصبية إياها، أن البنت تناقش معلمتها بنقاشات عميقة خطيرة دينيا، وتسألها عن أدلة الخلق والوجود وعن الاسباب التي تجعله يسمح بكل هذه الحروب والمعارك والآلام والمرض.. افترضت المعلمة أن إلهام تعرف عن نقاشات ابنتها لأنها إذا كانت تناقش معلمتها بهذه الطريقة فلا شك أنها صدعت رأس أمها بالبيت.. في هذه اللحظة شعرت إلهام أنها غرقت في بئر عميق لا قرار له.. كيف ومتى واين؟؟ منذ متى تسللت هذه الأفكار إلى عقل ابنتي وكيف لا أعرف شيئا عنها؟؟ لكنها تماسكت أمام المعلمة وهزت رأسها وقالت شيئا مبهما عن (شايفة الله بعين) وهربت من أمامها قبل ان تكتشف الحقيقة المرة، وهي أن إلهام رغما عن كل الجهود الجبارة التي تبذلها في حياتها تكاد أن تفشل في أهم نقطة: في أن تترك وراءها أولادا صالحين!
.
.
في تلك الليلة وبعد أن نام الجميع بكت إلهام طويلا في مخدعها، والمخاوف تنهشها من كل جانب، من أين حصلت ابنتي على هذه الأفكار؟؟ لماذا لم تصارحني بها مطلقا؟؟ هل تتكلم مع إخوتها بهذا الشأن وتؤثر عليهم أم أنها تحصر حتى الآن الحديث في المدرسة فقط؟؟ المشكلة أنها عندما حاولت أن تتواصل مع ابنتها بعد مجلس الآباء وتعرف منها أي شيء، تهربت منها البنت كالعادة ولم تنظر مطلقا في عيني امها وادعت أن كل شيء على ما يرام وأنهت طبقها في أسرع وقت ودخلت إلى غرفتها.
.
.
حسنا هي لا تعرف السبب، هل البكاء هو الذي جعل عقلها صافيا أم المشكلة ولّدت فيها نوعا من التحدي، لكنها قررت التالي: إن المشكلة الأساسية في حياتها والذي يجعل حياتها مغلفة بالبرود هو غياب الحوار الأسري في العائلة، وهي سوف تثيره بأي طريقة.. يكفي هروبا وتجنبا من الجلسات العائلية.. يكفي تظاهرا بأن الحياة جيدة لمجرد عدم وجود مشاكل ظاهرة، فربما أن الهدوء الحالي هو ما يسبق العاصفة، من الآن وصاعدا سيكون هناك حوار أسري ولو مرة في الأسبوع.. ورغما عن الظروف كلها..!
.
.
في نهاية الأسبوع، وقد رتبت لرحلة بسيطة إلى منتزه قريب ولم يتحمس لهذه الرحلة أحد من أبنائها لكن أحدا لم يجرؤ على الاعتراض بل ذهبوا مرغمين، جلست إلهام مع زوجها وأولادها وكانت قد أفهمته أنه لا داعي مطلقا للنظر في الهاتف أثناء الرحلة، وبدأت خطتها.. نظرت إلى أولادها وقالت في مرح: ما رأيكم أن نلعب لعبة؟؟ لعبة جميلة
حصلت على بعض الاهتمام توا.. وانعقدت عليها الانظار
قال ابنها ذي الخمسة أعوام: هل ستلعبين معنا أنت وأبي؟
أجابت في حماس: نعم بالتأكيد
هنا حصلت على الاهتمام الكامل، فتابعت بنفس المرح: نحن الآن جالسون على شكل دائرة.. كل واحد يخبر الشخص الذي على يمينه، ما هي أكثر كلمة يقولها عادة؟؟ سأبدأ.. أنا على يميني سامر.. سامر أكثر كلمة يقولها على لسانه: طيب طيب خلص.. صح؟
ضحك الجميع وتحمسوا.. حان دور ابنتها الكبرى وهي على يسارها، فقالت: ماما أكثر كلمة بتقوليها: يلا قومي اشتغلي !! ضحكت إلهام وتعالت القهقهات من كل جانب.. واستمرت اللعبة.. منهم من يعترض ويتفاجأ بانطباع الآخرين عنه، ومنهم من يأخذها بروح مرحة.. حتى انتهى الجميع من الاجابة على السؤال ولكنها كانت مستعدة لسؤال ممتع آخر: قل للشخص الذي على يسارك، ماهو أكثر شيء يعتقد أنه يفرحه؟؟ وما هو أكثر شيء يعتقد أنه يحزنه؟؟
كانت هناك قائمة من الأسئلة الممتعة التي جهزتها إلهام جعلت الرحلة مشاركة وجدانية من أعلى درجة، وانكشف الكثير من الكلام والمشاعر التي كانت مدفونة في الصدور وتبحث عن الأسئلة الذكية والصحيحة لتخرج إلى العلن.. وعاد الجميع بنفسية مختلفة فعلا وقالوا أنها أفضل رحلة خرجوا بها في حياتهم (بالرغم من أنها لم تكن الأكثر كلفة) وطلبوا من والدتهم أن تعيدها..
ولم تخيب إلهام ظنهم..
لم تكن هناك رحلات دائما، لكنها كانت تتفرغ للجلوس مع أبنائها جلسات عائلية تجمعهم غرفة واحدة وحوار واحد يناسب الصغير والكبير، مما أعاد أبناءها إلى حضنها، وإلى الوثوق بها، ولم يعودوا يتهربون من التواجد حولها، والأهم أن ابنتها الكبرى صارحتها بما يدور في عقلها من أفكار وبدءا يتناقشان معا حول الأمر بدون حساسية، وحل المرح ضيفا دائما على بيتهم بدلا من الوحدة والنكد!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة