هو فارسها
كتب بواسطة إحسان الفقيه
التاريخ:
فى : ليسكن إليها
2342 مشاهدة
”فارس الأحلام” هي العبارة او الصفة التي أطلقها السابقون على حُلم كل فتاة، تنتظر ذلك الرجل الذي يشبع غريزتها التي تميل إلى أخلاق الفارس، يقولون أن زمن الفرسان قد ولّى، إلا أن ذلك إجحاف للسمات البشرية، التي تحمل هذا الموروث المستديم، فلا يخلو عصر من فارس يخلب لُبَّ الأنثى الحالمة.
تحب الأنثى في فارسها عطاءه وبذله وجُوده، تلك الأشياء التي يشعرها بأنها حقًا ملكة وسيدة في عالم السبايا، وكلما امتد ذلك العطاء لمن تهتم لأمرهم، كلما ازدادت يقينًا بأنها احتلت قلب ذلك الفارس..
انظر إلى تلك الشهادة العجيبة الصادرة عن حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته في الدارين، بحق ضرتها، جويرية بنت الحارث بن المصطلق والتي صارت زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما للمؤمنين، فتقول الصديقة بنت الصديق،”عائشة” عنها: “ما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها”
كانت جويرية من سبايا غزوة بني المصطلق، ووقعت في سهم ثابت بن قيس، وكانت سيدة في قومها مليحة الوجه، فكاتبته على أن يعتقها، فجاءت تستعين برسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينها، فأجابها الحبيب بكل الخير: (فهل لك إلى ما هو خير منه؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: قد فعلت).
فلما سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية، أعتقوا جميع من في أيديهم من سبي بني المصطلق، وقالوا: “أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
قالت عائشة: “فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ”.
ليت شعري من يصف لنا شعور هذه الملكة التي جلبت الخير لقومها، وكانت بركة على أهلها، بعد أن أكرمها المسلمون، إكرامًا لحبيبهم صلى الله عليه وسلم.
حُق لكل أنثى أكرم فارسٌ أهلَها أن تختال فخرًا واعتزازًا، إنها الملكة ولو بغير قصرٍ ولا تاجٍ ولا صولجان، فقط شعورها أن لها مكانة في قلب رجل نبيلٍ تعلم يقينا أن لن تلتقي مثله في حياتها، لم يتوان في إظهار حفاوته بها، فمدَّ بساط الإكرام صوب قومها وعشيرتها.
تحب الأنثى في فارسها غيرته عليها، صدِّقوا ما أقول، فنحن معشر النساء تبدي الواحدة منا استياءها لِحِمم الغيرة التي يقذفها بركان الفارس الغيور، وتتأفّف، وربما تبث الشكوى من ذلك العناء، لكنها وللحق، تخفي ابتسامتها وزهْوها، وهي ترى الدماء تكاد تنفجر من وجه حبيبها وفارسها (زوجها)، وتستشعر كم هي دُرة غالية، يغار عليها رجلها من كل شيء ولو نسمات الهواء حين تداعب شعرها، فكأنه من يصفه الشاعر بقوله:
أغــــارُ عـلـيـهـا مِـــن أبـيـهـا وأمِــهـا===== ومـن خـطوةِ المسواكِ إن دار في الفمِ
أغـــارُ عــلـى أعـطـافـها مــن ثـيـابها ==== إذا لـبـسـتها فـــوق جــسـمٍ مُـنـعـمِ
وأحـــســدُ أقــــداحاً تــقـبـلُ ثــغـرُهـا ==== إذا وضـعـتها مـوضـعَ الـلثمِ فـي الـفمِ
تلك من شمائل الرجال التي تهواها الأنثى، ولا تجحدها إلا امرأة مالت فطرتها، وهي لعمر الله فضيلة أكد عليها الإسلام، ولما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شأنُ الغيرة الشديدة لسعد بن عبادة الأنصاري، قال: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي» متفق عليه.
كم من امرأة عاشت بائسة، مع أنه لا ينقصها شيء من نعيم الدنيا، فقط لأنها افتقدت غيرة الرجل الفارس، الذي تحمر حدقتاه إن خاطبتْ رجلًا سواه، أو علا لها صوت، أو بدا منها شيءٌ ولو من غير قصد، هذا الذي يُرضي غرور المرأة، مهما طنطنت وترنَّمت بإيقاع العصر والطبائع التي تبدلت والزعم بأنه ينبغي مجاراتها، فهي في قرارة نفسها لا يشبعها سوى أن يغار فارسها.
تحب الأنثى في فارسها قوة شخصيته، ذلك الشيء الذي يُشعرها بمعنى الاحتواء، تلك الهيبة التي تمنح المرأة الإحساس بالدفء والأمان، فتنظر إلى ذلك التناغم والانسجام بين ضعفها وقوته، وذلك هو القانون الطبيعي الذي تسير وفقه ثنائية الرجل والمرأة، مهما حاولت الأنثى إظهار القوة أمام رجلها فبداخلها ضعف جميل لا يحط من قدرها، يهفو إلى أن ينتظم في قوة الرجل، وكأنه الحنين لأن تكون منه جزءًا كما كانت حواء من آدم.
ولله در الأديب الرافعي الذي أوجز وأبلغ في تقرير هذه الحقيقة، فيقول في وحي القلم: ” لم يخلق الله المرأة قوة عقل فتكون قوة إيجاب، ولكنه أبدعها قوة عاطفة لتكون قوة سلب؛ فهي بخصائصها والرجل بخصائصه؛ والسلب بطبيعته متحجب صابر هادئ منتظر، ولكنه بذلك قانون طبيعي تتم به الطبيعة”.
ذلك هو ضعفها وقوته، دعكم ممن يصورون الأمر على أنه خضوع، ضاربين بالفطرة البشرية عرض الحائط، فهؤلاء سائرون في دروب الحائرين من الغرب، والذي تصلى المرأة فيه نار التحرر المزعوم عندما زاحمت الرجال وبحثت عن ذاتها بين الشوارب، فشقيت وشقي مجتمعها.
ذلك هو الفارس الذي يملك قلب الأنثى، حينئذ ينصب عرشه في ذلك التجويف بصدرها، ولا تبغي عنه حِولًا، تشتم عبيره وإن غاب، وتسمع ضحكاته وإن أبعدته المسافات، ترى حدود العالم مختزلا في ذراعيه، ويختصر في عينيها كل الرجال، فإن أكرمها ودللها ابتهجت وأزهرت له بضحكاتها، وإن جافاها صبرت وغفرت وتجاوزت، وانتظرته حين غياب حتى يعود، لترتمي بين أحضانه تشكوه إلى نفسه، وتهدأ روحها الهائمة، لأنه هو..
هو فارسها…… دون سواه ..
ونعم.. لكاتبة هذه الكلمات أيضا فارس لا كسواه !!
----------------
المقالة الأولى التي أكتبها لزوجي (حب حياتي) وسيّدها..
من ألهمني كتابة هذه السطور، و ذكّرتني أفعاله ومواقفه بما منّ الله على أم المؤمنين جويرية، رضي الله عنها، حين تزوجت خير الخلق أجمعين.
المصدر : مدونة إحسان الفقيه
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة