طبيب
لماذا أنا مع الثورة اللبنانية؟
كتب بواسطة بلال رامز بكري
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1956 مشاهدة
اندلعت الثورة اللبنانية مند ما يزيد عن ثلاثة أسابيع، مطالِبة بإسقاط النظام السياسي بكليته في البلاد، ومعلنة غضبها ضد فساد الطبقة السياسية التي استحوذت على مقدرات وثروات لبنان وأفقرت الشعب، ونشرت البطالة بين شبابه. وكان من نتيجة هذه الثورة استقالة الحكومة لكن الثوّار لا يزالون يملؤون شوارع وساحات قرى ومدن لبنان، مطالبين باستقالة باقي أركان الحكم من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. وكلبناني مغترب في البرازيل منذ العام ١٩٩٧م، أجد نفسي أؤيد هذه الثورة عفويًا وتلقائيًا، بحماس وسعادة بالغين. أما لماذا أؤيد هذه الثورة، فالأسباب كثيرة.
أنا مع الثورة لأنني أُخْرِجتُ مع أهلي من وطننا لبنان مكرَهين مضطرين منذ اثنين وعشرين عامًا. ولأنني حاولتُ العودة بعد عشرين سنة من الاغتراب فوجدتُ وطني يصعّر لي الخدّ رغم كفاءتي التي اكتسبتها بعد أن أَفْنَيْتُ سنين الغربة في طلب العلم. ولأنني مغتربٌ اضطرارا، في أرض الله الواسعة، أخرجني من أرضي وداري النظام الفاسد المعفّن الذي تدوسه أقدام الثُّوّار وستسحقه سحقًا بإذن الله.
أنا مع الثورة لأنني أرجو زوال النظام الطائفي المهيمن الذي فرّق الناس طوائف وشِيَعًا، ولم يقم وزنًا لاعتبارات الكفاءة والأهلية. ولأنني أرجو زوال كبراء الطوائف وأسيادها الذين جعلوا ثروات البلاد ومقدراتها حكرًا عليهم وعلى حاشيتهم وخاصّتهم. فالثورة هي أملنا الوحيد بسقوط الزعماء التقليديين الذين أغرقوا وطني في الفساد وأرهقوا شعبه وكادحيه ومستوريه.
أنا مع الثورة لأنها أملنا الكبير في الخلاص من العنصرية ضد اللاجئين من إخواننا السوريين والفلسطينيين، فقد أدرك الثوار أن ظالمهم هو نفسه ظالم اللاجئين والمتاجر بقضيتهم
أنا مع الثورة لأن التلوث قد أصاب لبنان في مقتل، فصار من أكثر بلدان العالم تلوّثًا. وكل هذا بسبب جشع المسؤولين وإهمالهم. فأعظم أنهار لبنان، نهر الليطاني، صار مجرى للقاذورات وسببا للسرطان والأوبئة التي تفتك بأهالي القرى والمدن التي تجري فيها مياهه. أنا مع الثورة لأن البحر اللبناني يعاني من العوادم والنفايات ومن وضع يد الفاسدين على شواطئه العامة التي تمتلكها الدولة ويحق لكل مواطن لبناني ان يتمتع بها. أنا مع الثورة لأن غابات لبنان وجباله قد دمرها جشع السياسيين الفاسدين عبر إنشاء الكسارات والمحاجر والمرامل في المحميات البيئية والأحراج الطبيعية.
أنا مع الثورة لأن الفقير في بلادي تضطهده الدولة وتهضم حقوقه فتمنعه من تحصيل رزقه في حاويات القمامة. في حين أن كبار الفاسدين والمجرمين وناهبي المال العام ينعمون بحماية الدولة وأجهزتها ولا تسري عليهم القوانين، فيواصلون استباحتهم لأموال الناس ويستمرون في تكديس المال الحرام في مصارف سويسرا وغيرها من الجنّات المالية. وكل هذا على مرأى ومسمع من كافة أجهزة الدولة التي تغطّي هذا الفساد، ولا تطبق القانون إلا على الفقير الضعيف.
أنا مع الثورة لأن وطني لبنان يفتقد للخدمات الأساسية من استشفاء وطبابة وتعليم وضمان للشيخوخة وضمان للعاجزين وللمرضى وكهرباء على مدار الساعة ومياه الشفة النقية. فالفقير يموت على ابواب المستشفيات، وابنه يحرم من التعليم ذي الجودة، والمسنين الذين ضاقت بهم السبل لا يجدون من دولتهم اي سند أو دعم، ولبنان كله لا يزال يبيت في العتمة إذ أن الدولة لا توفر التيار الكهربائي إلا لساعات معدودة في اليوم والليلة.
انا مع الثورة لأن وطني لبنان قد صار رهينة بيد إيران عبر ميليشيا "حزب الله" التي صادرت القرار السياسي في البلد وأرهبت المواطنين بسلاحها، وراحت تتسلط على رقاب الناس وعلى أرزاقهم. انا مع الثورة لأنها املنا الوحيد بالخلاص من حكم الولي الفقيه الإيراني الذي طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد. فحزبه المؤلّه نفسه يشارك في الحكومات اللبنانية الفاسدة وفي صفقات نهب المال العام و في الاقتسام الآثم لموارد الدولة ولأموال الناس.
أنا مع الثورة لأنها أملنا الكبير في الخلاص من العنصرية ضد اللاجئين من إخواننا السوريين والفلسطينيين، فقد أدرك الثوار أن ظالمهم هو نفسه ظالم اللاجئين والمتاجر بقضيتهم والناهب للأموال التي يرسلها لهم المجتمع الدولي. وقد رأينا من الثوّار امثلة رائعة على رفض العنصرية وعلى احترام اللاجئين والترحيب بهم. فأولئك الذين يؤججون العنصرية ضد اللاجئين هم أنفسهم الذين استعبدوا الشعب اللبناني وأذلوه ودفعوه إلى الخروج الى الشوارع والساحات، في طوفان بشري قل نظيره في تاريخ لبنان بأسره.
أنا مع الثورة لأنني أؤمن بانتماء لبنان لأمته العربية ولربيعها الذي يعيد كتابة التاريخ ويعطي لأبنائها الأمل بالغد المشرق الزاهي، بالتحرر من قبضة الاستبداد. فلبنان دولة عربية قحّ انتماؤها للعروبة يرفده التاريخ والجغرافيا والعقيدة. ولا يمكن لنا أن نفصل الثورة اللبنانية عن الربيع العربي المتوالي فصولًا منذ قرابة عقد من الزمن. والثورة السورية العظيمة هي الأخت الكبرى للثورة اللبنانية، وكلا الثورتين ترسمان الغد البهي لبلاد الشام التاريخية التي مزّقها الاستعمار وأذلها وسحقها الاستبداد.
أنا مع الثورة لأنني أريد وطني لبنان وطنًا عزيزًا في محيطه الإقليمي وفي العالم، وعادلًا مع جميع أبنائه ومع الإخوة العرب والأجانب الذين يقيمون على أراضيه. ولا أرى إلا زلزالا كالثورة لكي يدك أركان الفساد والاستبداد ويقتلع جذورهما، ولا أرى إلا الثورة طوفانًا هدّارًا يجرف كل القاذورات والأوساخ التاريخية التي تراكمت عبر السنين والعقود. أنا مع الثورة لأنني مع الغد البهي والمستقبل المشرق والأحلام التي تصير واقعًا مُعاشًا.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة