مستقبل النظام في إيران بين ثورتي لبنان والعراق!
بعد 40 سنة من ثورة الخميني وما تبعها من بناء الحرس الثوري وفيلق القدس واتباع سياسة تصدير الثورة بذريعة التصدي للغرب في المنطقة وتدمير "إسرائيل" وتحرير فلسطين، نجد أن إيران "فشلت" في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، كأنها ليست أهدافاً لها، أو كأنها مجرد شعارات تم رفعها لتغطية الدور الذي لعبته خلال أربعة عقود كجزء من استراتيجية الغرب للتحكم بالمنطقة، وترسيخ تمزيق المسلمين، بينما فلسطين ما زالت أسيرة تئن وتتوجع وتستغيث، فيما تلهو إيران في تحويل المنطقة إلى مستنقع موبوء بالأحقاد والحروب الأهلية والطائفية.
عاندت الربيع العربي وقاومته
لم تكن إيران وحدها السبب في مشاكل المنطقة، لكنها بكل تأكيد، كانت أحد أهم عوامل صناعتها وتغذيتها. كما كان تعامل وكلائها وأتباعها في العراق مقززاً، وكان نهبهم لمقدراته وثرواته أشبه بحفنة من قطاع طريق ولصوص عابرين لا كساسة محترفين فضلاً عن رجال دولة حريصين على البلد. لذلك أحرق المتظاهرون مبنى القنصلية الإيرانية في النجف، بعد أن أحرقوا قبيل أسابيع قليلة قنصليتها في كربلاء، منددين بدورها ومطالبين برحيلها. تكمن المفارقة هنا، أن الغالبية العظمى من المتظاهرين في العراق هم من الشيعة، كما أن إحراق قنصلياتها تم في أهم مدن الشيعة في العالم، ما يعني فشل إيران بعد عقود من العمل المضني في بناء حاضنة لها بين من تعتبرهم أرضية خصبة لمشروعها، ما يعني بالضرورة فشل مشروعها.
عوض أن تغطي إيران على فشلها الذريع داخلياً وخارجياً، وبدل أن تستغل اللحظة لتعوض ما فاتها وتقوم باحتضان "الربيع العربي" على اعتباره مدا ثوريا ينسجم مع "توجهاتها"، قامت بتقديم دعم مهول لنظام الأسد الدموي البشع لوأد الثورة في سوريا، كما غطت نظاماً سياسياً طائفياً غارقاً في الفساد في لبنان، معتبرة "ربيع العرب" ثورة أمريكية ضد محورها الممانع، رغم أن رياح هذا "الربيع" أو "الخريف" سمه ما شئت، عصفت بأنظمة لصيقة بالغرب قبل أن تعصف بحلفائها "الممانعين"، على نحو ما حصل في تونس وليبيا ومصر.
مشكلتها مع أمريكا أولا
مشكلة إيران اليوم ليست فقط بالمظاهرات الحاشدة التي اندلعت في طهران أو في بغداد أو في بيروت، فهذه مقدور عليها، يمكن وأدها كما وأدت إيران وحلفاؤها الثورة في سوريا، إنما هي محتارة، وتتساءل حول حقيقة الموقف الأمريكي، هل تغير؟ وإلى أية درجة تغير؟ وما هي أبعاد تغير سياسات أمريكا تجاهها؟ هل هو تغير جدي يؤذن بنهاية دورها، أم هي مناورة أمريكية جديدة؟ وهل يمكن لأمريكا أن تستغني عنها فعلا بعد كل الخدمات الجليلة التي قدمتها هي لأمريكا وقدمتها كذلك أمريكا لها؟ وهل أمريكا اليوم هي غير أمريكا الأمس؟
ـ فأمريكا الأمس أسقطت أكثر خصوم إيران شراسة في المنطقة، نظام طالبان في أفغانستان عام 2001 ونظام صدام حسين في العراق عام 2003.
ـ أمريكا الأمس هي التي أعطت الضوء الأخضر لإيران للهيمنة على العراق ونصت على ذلك صراحة في وثيقة بيكر هاملتون الشهيرة.
ـ أمريكا الأمس هي التي حالت بنفسها دون قيام "إسرائيل" بشن هجوم عسكري على مواقع التخصيب النووية في أكثر من مناسبة، لدرجة أن 16 جهازاً استخباراتياً أميركيا أعلن أكثر من مرة (عام 2007 و2010 مثلا) عدم وجود أي تهديد نووي جدي من قبل إيران، لتسحب بذلك مبررات ضربها.
ـ أمريكا الأمس هي التي أصرت خلال إدارة أوباما على إخراج إيران من دائرة الحصار الدولي وعقد اتفاق معها بشأن تطوير الأسلحة النووية لإغلاق هذا الملف، ثم أطلقت يدها في المنطقة بعد ذلك لتتمدد وتعبث فيها من اليمن إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق.
تلك كانت أمريكا الأمس، فأما أمريكا اليوم، فإنها مختلفة وتحير إيران بل تربكها وتخيفها، فأمريكا ترامب تبدو مختلفة تماما عن أمريكا الأمس، أمريكا اليوم يصعب التنبؤ بسياساتها، وقد أحدثت قراراتها إرباكاً في الوضع الدولي.
أمريكا اليوم مزقت الاتفاقيات الدولية، وقامت بابتزاز حلفائها قبل خصومها بشكل منفر وعدواني، ولا يكاد يستثنى من ذلك أحد، ابتداء من جيرانها في القارة الأميركية وصولاً لشركائها في أوروبا و"حلفائها" التقليديين في الشرق الأوسط، مروراً بخصومها المفترضين في الصين وروسيا وتركيا.
أمريكا وإسرائيل
كما أن أمريكا اليوم تماهت سياساتها مع "إسرائيل" إلى أبعد مدى ممكن، حيث اعترفت إدارة ترامب بالقدس موحدة عاصمة لـ "إسرائيل" ونقلت سفارتها إليها، وأقرت بضم مرتفعات الجولان لكيان الاحتلال وأجازت لها بناء المستعمرات في الضفة الغربية.
كذلك فإن أمريكا اليوم ألغت الاتفاق النووي مع إيران، وأعادت فرض الحصار عليها، وطالبتها بشروط جديدة تجعلها عارية من دورها ومن قوتها، كتقليص ترسانتها من الأسلحة الصاروخية التي تهدد أمن "إسرائيل" والتوقف عن تمددها في المنطقة ـ أي الانكفاء على ذاتها.
أمريكا اليوم اضطرت كثيراً من الدول المعتبرة إلى إعادة حساباتها في مدى إمكانها التعويل على الولايات المتحدة، فضلاً عن الدخول في تحالف أو شراكة معها، فما بال إيران لا تفعل ذلك وهي تلمس بأن سياسات إدارة ترامب تمس بها مباشرة.
نعم، لقد شهدت إيران صعوداً في مرحلة الحرب الباردة، لحاجة الغرب لها حينها، كيف تقف سداً منيعاً يحول دون وصول الدب الروسي للمياه الدافئة، ثم استثمرت فيها أمريكا ووظفتها لخدمة أهدافها ضمن ما يسميه البعض "تقاطع مصالح" وسمحت لها بالتوسع والتمدد في المنطقة، أي أن دور إيران وصعودها لم يكن ذاتياً ولا عفوياً ولا بريئاً. ومع تغير الظروف الدولية، فإنه من المتوقع أن تشهد إيران الآن هبوطاً جراء تغير سياسات الغرب وعلى رأسه أمريكا تجاهها. قد يكون هذا سريعاً ومفاجئاً، وقد يكون تدريجياً بطيئاً، لكن بغض النظر عن كونه بطيئاً أم سريعاً، فإنه كما كان في مرحلة الصعود مكلفاً ومؤذياً، فإنه قد يكون في مرحلة الهبوط والانحدار، أكثر تكلفة وإيذاء وإيلاماً.
المصدر : عربي 21
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة