ثلاثية الخيرية والسيادة
أكثرُ من مُجتهد غيور دَفعتهم حرارةُ الطموح والأمل في مستقبل أفضل، فقَدَّموا لنا برامجَ تَحكي حضاراتِ أجدادنا المسلمين الذين باكتشافاتهم واختراعاتِهم وإبداعاتهم رفعوا اسمَ المسلمين عاليًا، فكانوا سادةَ الكرة الأرضية.
إنَّهم ببرامجهم - جزاهم الله خيرًا - يستنهضون الهمم، ويثيرون الغَيْرة والحماس؛ لنُعيد مَجدًا أكْثَرْنا من البكاء على آثاره الباقية عمارةً وتقنيةً وكتبًا وفنونًا ورُقِيًّا في كل النواحي.
جيد وجميل، ولكنني وجدتني أتساءل: إذا نشط ذَوُو الهمم النائمة، أو تلك اليائسة أو المحبطة، ثُمَّ حملوا أحلامَهم وإبداعاتِهم، ودفعهم الحماس أنْ هَيَّا، سيحتار الفقيرُ أين يذهب بهِمَّتِه وأحلامه؟ ويَعْيَا التفكيرُ اللاَّجئ، مَن سيكفُل إنتاجه؟ وكذلك من ليس له صلة بشخص مهم، مَن يدري عنه؟
ومن جانبٍ آخر: هل ستجد الإبداعاتُ طريقًا مُتاحًا لها دون اعتبارٍ للونها، أو جنسها، أو دون أن يَحكُمَها مكانٌ أو زمان؟ هل سيجد الأذكياءُ جِهَةً ترعاهم دون عنصرية؟ هل سيتم اختيارُ الطلبة الموهوبين في المؤسسات التعليمِيَّة بعدلٍ واستحقاق حقيقي، ويهتم بهم حقيقة، وليس مُجرد أسماء وتقارير تُمْلأ بها السِّجِلاَّت؟ وهل سيجدُ المبدع الأمانَ وعدم الخوف؛ لأَنَّ هذه هي البيئة التي تناسبه؟
هل المعلمون والأساتذة في التعليم الأساسي والعالي مُخلصون مُحبُّون لمهنتهم ولطُلاَّبِهم، شاعرون بقيمة دَوْرِهم، وأنَّهم الفئة الأهم أثرًا في المجتمع؟
هل نَهتم بمشاريع تنعش العقولَ، وتُثري المعرفةَ، وتعين على الاختراع والتصنيع، شرطَ أن تكون الفرص للجميع؟
هل العدلُ صفةٌ سائدة؟ هل تَجري كلُّ المعاملات بالقانون والرحمة ومُراعاة أحوالِ الناس دون حاجة للملاعين الثلاثة: راشٍ، ومرتشٍ، ورائش؟
هل يُحِبُّ أحدنا لأخيه ما يُحبه لنفسه؟
هل سيرة رسولنا مُحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعرفها الكبارُ والصِّغار، وهل نُعلِّمها لهم في المدارس كسيرة؟ هل نعرفُ سِيَرَ الأبطال والفاتحين والأذكياء، وأيضًا نُعلِّمها في المدارس؟
أتذكر بالمناسبة أنَّني درستُ عبقريةَ الصديق وعبقريةَ عمر - رضي الله عنهما - في المرحلة المتوسطة في المدرسة، ودرست كتابًا يروي سيرةَ الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - في الثانوية، وكانت هذه السير من أمتعِ ما كنا ندرس، ومن المؤكد أنها أثرت بشكل أو بآخر في تربيتنا، وأسْهَمت في تشكيل شخصياتنا.
هل جعلنا القرآنَ مُشرِّعًا ودستورًا وحياة، فتعلقنا به وكان مرجعنا؟
أولئك الذين سادوا العالَم بحضاراتِهم بكل أشكالها، هُم أنفسهم الذين أضاعوا كلَّ شيء عندما شغلتهم الدنيا، فجئنا نَحن ووجدنا دولاً ضعيفة.
وعلينا عبء إعادة القوة والسيادة، التي بدأها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه أصحابه، فنسود كما سادوا، ونَحكم بالعدل والرحمة كما حكموا، ونَخترع ونصنع و...
باختصار نصبح خَيْرَ أُمَّةٍ كما كانوا.
ألم يقدم الله - سبحانه وتعالى - لنا الحل؛ حتى لا نَحتار أو نتوه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
إنَّها ثلاثية الخيرية والسيادة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن