مارس مع أسرتك يوماً إسلامياً
كتب بواسطة حسن أبو غدّة
التاريخ:
فى : زينة الحياة
923 مشاهدة
من أوكد الأمور التي ينبغي أن تُولِيها الأسرة المسلمة اهتمامَها ورعايتَها، تعويد الأبناء على منهجٍ يومي إسلامي تربوي، يمارسونه كل يوم وليلة حتى يتعودوا عليه، ويصير جزءاً مهماً في حياتهم العملية، فتألفُه طباعُهم ويتأصَّل في كيانهم النفسي، ويرسخ في وجدانهم ومشاعرهم.
ويتوجَّب أن تكون تفاصيل هذا المنهج اليومي وقواعده وموادُّه مستوحاة من شريعة الإسلام، ومن هدي الله تعالى في كتابه، وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وما نُقِل عن الخلفاء الراشدين، وبقية الصحابة الكرام، والسلف الصالح؛ لأن هذا منهم صورة صحيحة واقعية لما أدركوه من العهد النبوي.
ومن مفردات هذا المنهاج اليومي: أنه إذا بزغ نور يوم جديد في حياة الناشئ المسلم، وجَّهته أسرته بعد استيقاظه من النوم إلى أن يقول الحديث الذي رواه الشيخان: " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ".
فإذا أراد قضاء حاجته، أرشدته الأسرة إلى آداب الدخول وقضاء الحاجة والاستنجاء، كأَنْ يدعوَ قبل الدخول بما رواه الشيخان: " اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث ". والخبث والخبائث: الجن والشيطان ونحوُها من المكروهات. وكأَنْ يدخل بالرجل اليسرى، ويخرج بالرجل اليمنى.
كما يُذكَّر الولد بأن يحرص قدر الإمكان على تجنُّب استقبال القبلة واستدبارها وقت قضاء الحاجة ولا يكشف العورة؛ لما أخرجه البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها...".
ويُذكَّر أيضاً بأنَّ من آداب قضاء الحاجة عدم الكلام إلا لضرورة طارئة. روى مسلم أن رجلاً مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه السلام.
وينبغي على الأسرة أخذ الأبناء بوجوب تجنُّب النجاسات، والتحرُّز من أن تصيب الثياب أو البدن، روى الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه ". وفي حديث آخر رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله طيِّبٌ يحب الطيِّبَ، نظيف يحب النظافة ".
هذا، ومن آداب قضاء الحاجة ألا يستنجي المرء بيمينه، بل يستخدمها في مكارم الأمور، فإذا خرج الولد من المكان فليقل، كما في سنن الترمذي وابن ماجه: " غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ". ثم ليغسل يديه بالماء والصابون إن تيسَّر، أو بأيِّ منظّف؛ لأن ذلك أنقى وأطيب.
ثم يشرع في الوضوء، بفرائضه وسننه وآدابه وأدعيته، فقد روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الوضوء: " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهِّرين ".
وإذا كان في الوقت فسحة قبل بزوغ الفجر الصادق، فليركع بضع ركعات تهجّداً لله تعالى، روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".
وإن لم يتيسر ذلك أدَّى سنة الفجر ركعتين، تليهما ركعتا الفرض، وليحرص الابن على أدائها جماعة، وإن أدَّاها في مسجد الحي فهو أحب إلى الله تعالى، وأعون له على التزامه الطاعات مستقبلاً؛ نظراً لما يلمسه من الشعور بروح الجماعة. روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ – أي: المنفرد- بسبع وعشرين درجة ".
ثم لتشرع الأسرة عقب صلاة الفجر في تناول الأدعية المأثورة، من تهليل وتسبيح واستعاذة ودعاء. روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد صلاة الفجر: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير". عشر مرات.
وكان يقول أيضاً: " اللهم أجِرْني من النار" .سبع مرات. ويقول: " اللهم إني أسألك الجنة " سبع مرات. كما في سنن أبي داوود.
هذا فضلاً عما ورد من التسبيح عقب كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، وقول: لا إله إلا الله... تمام المائة.
وبعد هذا يجدر بالأسرة المسلمة أن تعوِّد أبناءها أن يفتتحوا يومهم بتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم، وحفظ ما يستطيعون منه، استجابة لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه" رواه البخاري. وفي حديث آخر رواه مسلم: " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة ".
وينبغي على الأسرة أن تحرص هي وأبناؤها على هذه العبادة الكريمة يومياً، وتؤدِّيها مجتمعة، ولو في قراءة آيات يسيرة العدد، لأن خير العمل ما واظب عليه صاحبه وإن قلَّ.
ثم إذا تيسر للأسرة القيام ببعض الحركات والتمارين الرياضية الهادفة فلا ينبغي أن تُهمِل ذلك، استجلاباً للنشاط، وتحقيقاً للقوة البدنية، وتأسياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم.
ثم تُبَيِّن الأسرة لأولادها أهمية تناول طعام الفطور صباحاً، حتى يتقوَوْا به على أداء الواجبات اليومية، لأن كثيراً من الأسر والأبناء يهملون ذلك، وتحدث المشكلات الصحية والخوَر والدوخان للأبناء، وهم بعيدون عن أنظار أهليهم، فيكون ما لا يحمد عقباه بسبب الجوع وقلة الطعام.
وعلى مائدة الطعام الجماعية يتبادل أفراد الأسرة الحديث، حول آداب الطعام وسننه كالتسمية في أوله، والأكل باليمنى وممّا يلي الإنسان، ونحو ذلك من الأحاديث الهادفة المفيدة للجميع.
ثم تشرع الأسرة بإرشاد الأبناء إلى أداء صلاة الضحى، روى مسلم وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله". ويبدأ وقت صلاة الضحى بُعَيْد شروق الشمس إلى ما قُبَيْل وقت الظهر.
ثم يخرج كلٌّ منهم إلى مجال نشاطه التعليمي، أو الاجتماعي، أو الوظيفي، أو المعيشي المعهود، بعد أن يُعِدََّ ما قد يلزمه من أدوات ووسائل ترتبط بوظيفته وأعماله المهنية.
هذا، وللمسلم أن يستحضر عظمة الله تعالى، ويطلب حفظه وتوفيقه، ويدعو حال خروجه من البيت ويقول: " بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أزِلَّ أو أضِلَّ، أو أظْلِم أو أُُظْلَم، أو أَجْهَل أو يُجهَل عليَّ " رواه الترمذي.
على أنه ينبغي أن يكون معروفاً عند أفراد الأسرة، أو أن يرشدها الوالدان إلى آداب الطريق، كإفشاء السلام، وحسن الكلام مع الناس، ولين الجانب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغض البصر، ونحو ذلك من الأخلاق العامة، والآداب الاجتماعية الواردة في مخالطة الناس، والمرور في الطرقات، روى الشيخان أن بعض الصحابة قالوا: ما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: " غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ".
كما يشرع للأسرة تذكير أبنائها بتقوى الله تعالى، ومصاحبة الأتقياء الأخيار، والجد في العمل والوظائف، والمحافظة على الصلاة، وضبط النفس عند الغضب، والصدق، والإخلاص في معاملة الناس، وقضاء حاجاتهم، واحترام الكبير وتقديره، والعطف على الصغير وإعانته. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً الآية/ 6 من سورة التحريم.
فإذا عاد أفراد الأسرة إلى البيت استقبلتهم الأم بالبسمة والفرحة والترحيب، مهيئة لهم أسباب الراحة والهدوء، متبادلة معهم الحديث عن الجديد في يومهم هذا.
ثم يستكمل أفراد الأسرة مفردات منهجهم الإسلامي في عمل اليوم والليلة، حيث يحرص الأبناء على أداء صلاة العصر والمغرب والعشاء جماعة، في مظهر حسن من الأناقة والنظافة والطيب. ويحرصون على الأدعية الواردة حال الخروج من البيت إلى صلاة الجماعة ونحوها. روى مسلم أن رسول الله r كان يقول في طريقه للصلاة: " اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصرى نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً ".
ويُرشَد الولد إلى أن يدخل المسجد بالرجل اليمنى قائلاً: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك". فإذا خرج منه قدَّم الرجل اليسرى قائلاً: "اللهم إني أسألك من فضلك". رواه الطبراني وأبو يعلى.
هذا، ولْتحرصْ الأسرة المسلمة على أن يؤدي أبناؤها واجباتهم اليومية في وقتها، على أحسن وجه وأتم حال، تحت إشراف من يكبرهم سناً ويزيد عليهم خبرة ومعرفة في موضوع الواجبات، حتى يعطي الابن لزملائه صورة صادقة عن المسلم الجاد المتقن لعمله، وينغرس في الذهن ما رواه البيهقي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ".
ثم كم هو جميل أن تجتمع الأسرة مساء كل يوم للتحاور في أمر جديد، أو فضيلة خلقية، أو مأثرة اجتماعية، أو حقيقة علمية، يتبادل أفراد الأسرة الكلام فيها، حتى يصلوا إلى موقف معين في ضوء ثقافتهم الإسلامية وإحساسهم الديني.
ولا شك أن هذه اللقاءات الأسرية والاجتماعات المستمرة، تزيد في الترابط والمحبة وتعمِّق الفائدة، وتصبغ بيئة الأسرة بالوداد والسعادة العائلية، التي يفتقدها كثير من الناس اليوم، نتيجة انصرافهم المستمر الطاغي إلى وسائل الإعلام، ممَّا فوت على كثير من الأسر فرص اللقاء مع بعضهم، والجلوس معاً؛ لتناول الحديث في موضوع مهم، يزيد في الارتباط العائلي، أو يتوقف عليه مستقبل واحد من الأسرة.
وختاماً: لتحرص الأسرة على عدم الإكثار من السهر أو التأخر فيه، لثبوت ضرره بالصحة، وإرهاقه الأعصاب، وتضييعه البركة التي يتحرَّاها المسلم صباح اليوم التالي في صلاة الفجر وما يعقبها من أدعية وأذكار.
فإذا أوى الفرد إلى فراشه، فليضَّجع على جَنْبِه الأيمن تالياً آية الكرسي، ثم سورة الإخلاص، ثم المعوذتين، قائلاً ما رواه الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بِاسْمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه. إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ".
وهكذا تقضي الأسرة مع أبنائها يوماً بل أياماً إسلامية في كنف الله تعالى.... مشبعة بالهدي النبوي، مملوءة بالخير والبرِّ، فيَّاضة بالسعادة على جميع الناس.
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة