رمضان غير عادي.. كيف نبني فيه عادة؟!
كتب بواسطة عبد الرحمن الدسوقي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1305 مشاهدة
لقد فعلَت كورونا فعلها في البشرية، فقد جعل الله هذا الفيروس سببا في إيقاظ إحساسنا بكثير من النعم التي كنا ننعم بها ولا نقدرها قدرها، وبالتالي ما كنا نشكر الله عليها، فخروجك من بيتك أصبح مقيدا بساعات محددة، وأيام معدودة، بل وهيئة مخصوصة، وزيارتك للغير باتت في أضيق الحدود، ناهيك عن تنزهك الذي بات شبه محرم!
لكن؛ للمسلمين ما يؤلمهم أكثر من هذا كله، فرمضان طرق الأبواب، وليس باستطاعتنا الاحتفاء به كما ينبغي، رمضان الذي كان قدومه يُضفي البهجة على المسلمين جميعهم، كبيرهم وصغيرهم، بل حتى مبانيهم وأزقتهم وشوارعهم! يأتي ونحن نفكر ونتحسر، كيف لنا ألا نأتي بيوت الله ونجتمع فيها على القيام والقرآن؟ كيف لنا ألا نجتمع على الإفطار، ونمد الموائد! كل هذا ألا يستدعي دمعة العين وانفطار القلب؟ بلى!
تكاد القلوب تنخلع عند تصور ما مضى، لكن رحمة الله التي وسِعت كل شيء ما تلبس أن تشملنا، ويكفينا أن الله لم بتعبدنا إلا بما نقدر عليه، فقال في كتابه: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ َ٢٨٦﴾، فعلينا ألا ننسى أن البلاء يأتي برحماته، ألم يقل الجليل سبحانه: ﴿إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا٦﴾ ؟
هلموا نفكر ماذا حُرمنا، وكيف نحول الحرمان إلى منحة!
1) حُرمنا الصلاة في المساجد، وذكر الله فيها، والاجتماع على الطاعة وقراءة القرآن.
لكن للصلاة في المساجد شقين: الأول: ثواب إتيان المساجد للصلاة والاعتكاف، والثاني: ثواب الجماعة.
أما عن الصلاة في المسجد، فيجوز للمسلم أن يتخذ جزءا من بيته مسجدا، تجري عليه أحكام المسجد من الاحترام والتقديس كما للمساجد الجامعة، فقد أخرج البخاري في صحيحه في باب المساجد في البيوت: "أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري، وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله، أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سأفعل إن شاء الله» قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: «أين تحب أن أصلي من بيتك» قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصفنا فصلى ركعتين ثم سلم..."
فعتبان استأذن النبي في اتخاذ مسجد في بيته لعلة الضرر الذي أصاب بصره، ويمكن القياس على هذا باتخاذ المساجد في البيوت لعلة عدم القدرة على الخروج من البيوت بسبب الخوف من المرض والله أعلم.
أما عن الجماعة فإذا جاز اتخاذ المساجد في البيوت جازت الجماعة فيها، فلتجتمع العائلة على الصلاة والذكر في مكانها الذي اتخذته مسجدا.
وعلى كل هذا يكون المسلم قد حاز ثواب الصلاة في المساجد وجماعة! أليست رحمة الله وسعتنا؟!
2) منع التجمعات العائلية:
رمضان شهر الإنفاق واجتماع العوائل، وفرحة الصبية باللقاء فيه لا توصف، لكن هذا بات محظورا!
لكن دعونا نفكّر بإنصاف، ألم يكن رمضان يُشكل عبئا ماليا كبيرا على غالبية أسر المسلمين؟ ألم يكن سببا في استدانة غالبيتهم لإكمال الشهر؟ أما كان حق الفقير في الإطعام يضيع في زحمة دعوات الطعام المتكلَّفة!
كم مرة قصرت نساؤنا في الصلوات لاضطرارهم للبقاء في المطبخ لساعات طويلة؟ كم مرة ضاعت صلاة القيام بسبب تلبية دعوة من صديق، وازدحام طريق؟ كم مرة تمنينا فيها أن يأتي العيد ومعنا من الأموال ما يكفي لإدخال السرور على أهلنا؟
ها قد أتتك الفرصة، اجعل رمضان هذا يمر بدون مشقة تكاليف، ولتنفق على الفقراء، ولا تنس عشيرتك الأقربين، لتُطعمهم من طعامك إن استطعت، أرسل لهم إلى بيوتهم، طعاما يكفيهم، بشكل يسعدهم ويرضيهم، لتسعد بسعاتهم، وليُرضيك الله برضاهم.
3) حُرمنا التنزه والخروج من البيت إلا للضرورة، وأكسبنا المكث في البيت مللا لا يُطاق!
فلنجعل هذا المكث الإجباري فرصة لبناء عادات حسنة نستمر عليها بعد رمضان، كيف؟
• حدد لنفسك بعض العادات التي تود أن تُداوم عليها بعد رمضان، ولا تُكثر على نفسك، فخير الأعمال أدومها "وإن قل"، فمثلا: اجعل لنفسك قدر ساعة لقراءة القرآن، وساعة أخرى لقراءة شيء تحبه، اجعلي لنفسك قدرا من الوقت لتتعلمي فيه مهارة (رسم، طبخ...) ولتحدد قدرا مثلا من قيام الليل، وهكذا.
• إذا حددت هذا فابدأ ولا تتأخر، وليكن شعارك لا استثناءات، أي أنك لن تُقصر فيما حددته لنفسك حتى يصير عادة.
• لتستعن بغيرك، فمثلا يمكن للأسرة كلها أن تشترك في عادات تجتمع عليها، ليكون ذلك أدعى للحرص والاستمرار.
• اجعل عادتك مرتبطة بشيء ثابت، حتى يسهر تذكرها، فمثلا: تقرأ القرآن بعد الفجر، تقرأ القراءة العامة قبل النوم، وهكذا.
• استمر مهما حدث، فحديث النبي (الذي أخرجه البخاري ومسلم) واضح في الدلالة على أن خير الأعمال وأفضلها: أدومها، فلتستمر حتى لو تعثرت في الطريق، انهض وأكمل، وقد ذكر مسلم في صحيحه أن "آل محمد كانوا إذا عملوا عملا أثبتوه" أي داوموا عليه.
• إذا وجدت من نفسك جِدّا وحرصا على الالتزام كافئها، وإن وجدتها تراخت أو تكاسلت، ذكرها أن: "من لاح له فجر الأجر هانت عليه مشقة التكليف".
وفي الختام: أرجوا أن أكون قد أحطت بالأمر من جوانبه، أسأل الله أن يرفع البلاء، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء، وأن يجعل رمضان لنا فرصة انطلاقة إليه جديدة...آمين.
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة