منتج بقناة الجزيرة، وعملت مراسلا للجزيرة ومبعوثا لها في أفغانستان وفرنسا وكندا. - صحفي سابق بقناتي فرنسا ٢٤ ويورونيوز. - صحفي سابق في جريدتي يوميتي اليوم والصباح وعدد من الصحف الجزائرية
حكاية شفائي من كورونا
كتب بواسطة إبراهيم فخار
التاريخ:
فى : قصص
1292 مشاهدة
لم أكن أتصور يوما أنني سأكون في العداد اليومي لمرضى كورونا الذي تكشف عنه النشرات اليومية ويدخل الرعب في قلوبنا خاصة مع إعلان الوفيات اليومي وبأرقام مهولة في بعض البلدان، كان الوضع مختلفا في دولة قطر التي أعيش فيها فأرقام المصابين كانت كبيرة وتتجاوز ١٧٠٠ يوميا وكان الوباء في ذروته إلا أن المطمئن في الأمر هو قلة أعداد الوفيات إذ لم تتجاوز في منتصف مايو العشرين ضحية منذ بداية الوباء وفي نهاية الشهر ثمانية وثلاثين ضحية. ولعل الأمر يرجع إلى كثرة الكشوفات الصحية وإلى تمتع أغلب القطريين والمقيمين بصحة جيدة كما أن المؤشرات تؤكد على أن أغلب الإصابات جاءت خفيفة.
بدايتي مع المرض كانت في عطلة نهاية الأسبوع منتصف مايو الماضي إذ شعرت بتعرق شديد خلال نومي في الليل فأرجعت الأمر إلى ارتفاع درجة الحرارة أو إلى عطل في المكيف. وفي اليوم التالي ذهبت إلى العمل متوجسا من الوضع وشعرت وكأنني في بداية نزلة برد إذ كان جسمي متعبا. ومما زاد في شكوكي هو بداية إصابة زوجتي بما يشبه نزلة برد أيضا استرعى انتباهنا فيها فقدانها حاسة الشم، في اليوم الموالي وبعد مشاورات حثيثة سارعنا إلى إجراء الفحص للكشف عن كوفيد ١٩ لقطع الشك باليقين. وللعلم فقد أصبت بأعراض نزلة برد قبلها بخمسة عشر يوما وسارعت إلى زيارة الطبيب في مستشفى الأهلي وقال لي حينها إن الأمر يتعلق بنزلة برد لا غير.
كانت زيارتي إلى المركز الصحي بالغرافة لإجراء فحص الكشف عن كورونا عادية لكنني كنت متوجسا وبدأ الخوف ينتابني من مشاهدة الممرضين شبه مكفنين في لباسهم الطبي ولا تشاهد سوى عيونهم وراء كمامات وقناع بلاستيكي، استلم الممرضون بطاقات هويتنا وبطاقاتنا الصحية ووقعنا على ورقة الالتزام بالحجر الصحي لمدة ١٤ يوما وبالالتزام الصارم بالحجر الصحي، بعد أخذ قياسات الضغط والانتظار لبرهة في قاعة حددت فيها مقاعد خاصة للجلوس متباعدة عن بعضها كان لي فرصة الحديث مع رجل بين المنتظرين قال إنه حارس بوابة وإنه يزور المركز الصحي للفحص بعد شعوره بارتفاع درجة حرارته.
وصل دوري فدخلت غرفة بيضاء فارغة من كل شيء سوى كرسي جلست فيه وأخذ الممرض عينة من الحلق وأعلى الأنف. كان أخذ عينة الأنف مزعجا لأنه يتعين عليه أن يدخل العود المقطن إلى أقصى نقطة ممكنة في الأنف ليستخلص منه المخاط.
تطبيق احتراز
غادرت مباشرة إلى البيت بعد أن حمّلت تطبيقا خاصا على الموبايل يعرف باسم "احتراز". وقد استحدثت السلطات القطرية هذا التطبيق في عز أزمة كورونا ثم أصبح تحميله إجباريا على الجميع. ويتعين على من يحمّل التطبيق أن يضع فيه بيانات رقم إقامته وهاتفه ورقمه الصحي فيظهر "كود بار" خاص من أربع مستويات من الألوان. الأخضر يؤشر إلى أن وضعه الصحي سليم والأصفر للمقيمين في الحجر الصحي والرمادي للمشتبه في إصابتهم والمخالطين أما اللون الأحمر فللمصابين بالفيروس. وقد أثار التطبيق في البداية لغطا بسبب ما قيل إنه انتهاك لخصوصية صاحبه بحكم أنه على اطلاع دائم على مكان صاحبه وتنقله إلا أن الأمر في رأيي ظرفي ويستدعي ذلك لحصر الفيروس وانتشاره. فبإمكان البرنامج تنبيهك باقترابك من شخص مصاب لتتفادى ذلك كما أنه مفيد لتحديد خريطة انتشار الفيروس وحامليه من باب حصرها.
مضى باقي اليوم ثقيلا حيث واصلت عملي عن بعد من المنزل وأمضيت الليلة أترقب لون التطبيق الذي أصبح رماديا. وفي الصباح أعدت فتحه من جديد لأجد لونه أحمر. أيقظت زوجتي لأتأكد من نتيجتها فظهر لونها أحمر لتتأكد إصابتها أيضا.. ضربت أخماسا في أسداس وبدأت أفكر كيف انتقل الفيروس إلي وأنا الذي لم أتحرك إلا للتبضع من المركز التجاري أو أخرج إلى موقع عملي. لم يسبق لي خلال الأيام الماضية الذهاب إلى أي مكان عدا توزيع بعض وجبات الإفطار الرمضاني على أشخاص محددين ومع احترام كل إجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي.
كانت الكمامة حاضرة في كل خرجاتي النادرة وكنت أغسل يديّ مرارا بالمعقم الكحولي. تعبنا من التفكير وقررنا مواجهة الواقع. كان أول من أخبرت إدارتي في العمل لتتخذ كل الاحتياطات لمنع انتشاره كما اتصلت بكل الزملاء الذين خالطتهم ونبهتهم للأمر ليتحملوا مسؤولياتهم وطلبت منهم كتم الأمر حفاظا على عدم وصول الخبر إلى عائلتي الكبيرة في الوقت الحالي. ففي نظرنا لن يجنوا من معرفة الخبر سوى التوتر والقلق. اتخذنا فورا إجراءات جدية لمنع نقل الفيروس لابني الصغيرين رغم أن الوقت قد يبدو متأخرا.
باشرنا بعدة إجراءات تباعد صارمة مع الولدين من بينها ارتداؤنا الكمامة وعدم الاقتراب منهما وقد استغربا الإجراء إلا أنني حاولت إقناعهما بأننا مصابان بأنفلونزا عادية وبضرورة ألا يقتربا منا لئلا يصابا، كم كان صعبا إقناع سيرين ذات الخمسة أعوام بألا أعانقها كما اعتادت عليه حتى أنني اضطررت في بعض المرات إلى الاستحمام وتغيير ملابسي وتعقيمها ولبس الكمامة ثم الاكتفاء بحضنها واقفا. بعد فترة وجيزة تأقلمت مع الوضع وأصبح الأمر مسليا بالنسبة لها حتى أنني أتعمد ملاحقتها أحيانا لاختبارها فتهرب طالبة مني ألا ألمسها.
كنت في الوقت نفسه ألملم نفسي من الداخل بسبب تصاعد وطأة المرض وكان من أول ما فعلته في اليوم التالي الاستجابة لاتصال هاتفي من المركز الصحي يدعوني لإجراء فحوصات معمقة على القلب والصدر وتحاليل الدم. وكم كانت دهشتي كبيرة حين استفسر الممرضون عن سبب عدم استقدام أغراضي معي. قبيل إقلاعي من البيت طمأنني الطبيب بأن الفحوصات ستستغرق ساعتين أو أكثر ويمنع خلالها الخروج إلا بعد صدور النتيجة وحين وصولنا أكد لنا الممرضون أنه يتعين علينا البقاء ليوم أو يومين في المستشفى ثم نقلنا مباشرة إلى مرافق الحجر الصحي.
وبالطبع رفضنا الأمر جملة وتفصيلا بحكم أن الأولاد في البيت ولا يمكننا بأي حال المكوث في المستشفى سوى بضع ساعات. وبعد مفاوضات عسيرة اضطررنا إلى إلغاء أي فحوصات وقفلنا راجعين إلى البيت لاستكمال الحجر المنزلي، اتصلت مباشرة بالرقم المخصص لمتابعة الفحوصات وطلبت استقدام ممرضين لفحص الأولاد في البيت وبدأت أرسم السيناريوهات في رأسي. كان الجو حزينا مزعجا متعبا. ضغط الأعراض المرضية من جهة والتفكير المضني في وضع الأولاد ورسم سيناريوهات فراقهم لوالديهم. تمكنت من استصدار وعد بزيارة الولدين للفحص خلال يوم وقد تأخر الأمر بسبب ما يبدو لي ضغطا كبيرا على المصالح الصحية.
أعراض المرض ووسائل الحد منها
كانت أيام المرض الأولى هي الأصعب. كنت أشعر بتعب شديد وتكزز في العضلات أحيانا وبشيء ما يخنقني ويمنعني من التنفس بسهولة. كان حلقي ساخنا وكنت أشعر بوخز في الصدر وتعرق شديد إلى جانب الإسهال. ارتفعت حرارتي أحيانا فعالجتها بالباراسيتامول وكان أهم ما يؤرقني هو ارتفاع نبض قلبي وضغطي بصورة كبيرة. كانت زوجتي المريضة أيضا والمتعبة تراقب الأعراض وتتألم من جهتها لكنها كانت أكثر قوة وجرأة وصبرا مني.
اضطررت إلى الإفطار لأننا كنا صائمين ورمضان لم ينته. كنت أشرب الماء منقوعا فيه الزنجبيل والليمون وعسل السدر فأهدئ قليلا من حرارة حلقي وكنت أعتمد الهمس في كلامي كي لا أثير السعال وما يتبعه، أما زوجتي فواصلت صيامها واعتبرت أن ذلك يريحها ويقوي أيضا من مناعتها، وعلى ذكر المناعة وتقويتها فقد اعتمدنا على عدة خلطات قرأنا عن بعضها في شبكة الانترنت ونصحني بها بعض الزملاء ويمكن إجمالها فيما يلي:
ـ لعل أهم شيء يمكن الاعتماد عليه وكان بمثابة المخدر الذي يهدئ من حرارة الحلق ويضعف مفعول الفيروس هو القرنفل. فقد كنا نغلي ما مقداره ملعقة قهوة من القرنفل ثم نستنشقه لمدة خمس إلى عشر دقائق ونشرب جزءا ضئيلا من مائه وكان مفعوله مهدئا إلى حد بعيد وكنت أكرر العملية في الصباح الباكر بعد أن أغرغر حلقي بالماء المالح والليمون.
ـ غلي كمية صغيرة جدا من نبتة الشيح واستنشاق بخارها وشرب مائها. وللشيح أيضا خصائص مفيدة جدا وقد ذكر لي أحد الزملاء أنها مكون أساسي من مكونات عقار الكلوروكين الذي اعتمدته بعض الدول لعلاج الكورونا رغم أنه موجه بالأساس لعلاج الملاريا. وللأمانة لم أتأكد من المعلومة لكنني عاينت أن للشيح مفعولا مهدئا إذ كنت أستعمله مع القرنفل قبل النوم.
ـ غلي واستنشاق بخار أوراق شجرة الكاليتوس وقد كنت أحيانا أعمد لتركها على نار هادئة وأفتح بعض نوافذ البيت رغم القيظ وكان الهدف هو تهوئة البيت وتعقيمه. وللعلم فإن حمامات السونا تعتمد أيضا نبتة الكاليتوس لاستغلال خصائصه الطبية الفريدة.
ـ خلطة الكركم والزنجبيل والقرفة وعسل السدر كانت جيدة أيضا لتقوية المناعة وكنت آخذ ملعقة صغيرة من الخليط المرحي يوميا.
ـ وبالنسبة للضغط فقد اعتمدت زوجتي خلطة رائعة ساهمت في خفض ضغطي بصورة فعالة وهي خلط كميات متساوية من الثوم الطازج والعسل الحر وزيت الزيتون النقي وتناول ملعقة منه مرتين في اليوم بالإضافة إلى غلي وشرب الكركديه باردا ـ وأؤكد على ضرورة تناول المشروب باردا لأن له مفعولا عكسيا في حال تناوله ساخنا ـ.
ـ إلى جانب الخلطات هناك المشروبات الدافئة التي اعتمدناها حتى أنها أصبحت بديلا للماء مثل نبتة عصا الراعي المعروفة بالمالويزة ذات الأثر الرائع والمعروفة بالفرنسية بلافيرفان وأيضا الزعتر كما حضرنا غلاية ماء منقوعا فيها عسل السدر والزنجبيل والليمون واعتمدناها للشرب أحيانا لتبليل الريق.
ـ شرب كبسولتي فيتامين "سي" يوميا كما كنت مواظبا على تناول الفيتامين "دي" أسبوعيا.
ولتقوية المناعة أيضا امتنعت كليا عن أي شيء به مكونات السكريات وكما نعلم فإن السكر عدو لدود للإنسان ويسهم في إضعاف المناعة إلى حد كبير، وفوق ذلك كان يتعين رفع المعنويات ولا سبيل لذلك سوى التوكل على الله والتسليم له والأمل في الشفاء وعدم الاستسلام للفشل والمرض. وفي هذا الموضوع لقنتني زوجتي دروسا لن أنساها فقد أبانت عن قوة شخصية وتماسك قويين ذللا كل العقبات التي وقفت في وجهنا. وبما أننا كنا تحت وقع الصدمة فقد فكرنا أيضا في اعتماد الطب الشعبي الذي يلجأ إلى الكي أحيانا. وفي ثقافتنا الصحراوية فالكي مفيد جدا لطرد "الخلعة" وتنشيط الأعصاب. كان لكيي في مناطق معينة من الجسم أثر جيد إذ شعرت أنني نفضت عن نفسي غبار الخمول وأصبح تنفسي عميقا ومريحا.
بعد ثلاثة أيام أو أربعة لا أتذكرها بسبب تعاقب الليل والنهار علينا وشد آلام المرض وجذبها اتصل ممرض بنا ليفحص الأولاد ذات ليلة. حضرت سيارة الإسعاف وحضر الممرض الذي لا يبدو من وجهه سوى عينيه. قبلها حضرت الأطفال نفسيا للفحص وأخبرتهم أن سيارة الممرض تمر على جميع أطفال الدوحة لفحصهم، تقبل الأولاد الأمر بفضول كبير وكنت على أحر من الجمر في انتظار نتيجة فحصهما. كانت غريبة فالولد الملتزم بإجراءات التباعد اتضح أنه مصاب أما البنت التي أتعبتنا بعدم التزامها فتبين أن نتيجتها سلبية.
كنت في تواصل مع طبيب مختص عبر الهاتف وقد استغرب الأمر ورجح لي أن البنت مصابة رغم أن النتيجة سلبية مضيفا أن نتائج التحاليل قد تكون أيضا غير دقيقة في بعض الأحيان. لكننا استمررنا في تطبيق التباعد الاجتماعي بيننا في كل شيء. وقد زاد من قلقنا تعب الابن وارتفاع حرارته أحيانا لكن أعراضه كانت خفيفة والحمد لله، قبيل العيد اتصل بنا ممرض يحدد لنا موعدا قريبا لنقلنا إلى المستشفى لإتمام الفحوصات والبقاء في الحجر الصحي لكنني اعتذرت وفضلنا البقاء في المنزل، فوضعنا في تحسن ثم إن إمضاء مناسبة العيد في المستشفى تحبط المعنويات أيما إحباط في نظرنا. وقلت له إننا ملتزمون التزاما صارما بالحجر الصحي ولن نخرج من البيت إطلاقا كما أن وضعنا الصحي مستقر.
كانت صبيحة العيد جميلة وكئيبة.. طار فيها الابنان فرحا باستلام لعبهما الموعودة منذ زمن طويل وأمضينا اليوم في الاتصال بالعائلة والأصدقاء وكل يوم يمر كان وضعنا يتحسن وحمل المرض يخف إلى أن أصبح خفيفا جدا واقتصر على بعض التعب أحيانا وهو أمر مقدور عليه والحمد لله. وبعد أكثر من أربعة عشر يوما اختفت الأعراض نهائيا وأصبحنا نعيش حياتنا بصفة عادية. لقد اختفى الفيروس وحل محله النشاط والحيوية في البيت والحمد لله كما أن اللون في تطبيق " احتراز" لم يعد أحمر. كانت السلطات الصحية القطرية تعيد فحص كل المرضى في اليوم السادس عشر ثم تبين لاحقا أن هذه المدة كفيلة باختفاء الفيروس وبالتالي فلا داعي لإعادة الفحص مرة أخرى.
ما أريد قوله من وراء هذا السطور هو أنه يتعين على المرء العيش بصورة عادية جدا واعتماد وسائل التباعد الاجتماعي والتعقيم قدر الإمكان وتفادي الوساوس والهواجس في آن واحد وهذا طبعا دون التقليل من مخاطر انتشار المرض. ومما لاحظت أن كثيرين يستسلمون لنظرية المؤامرة ويقولون إن الفيروس لا يعدو أن يكون نزلة برد، بل هو فيروس خطير يمكنه أن يودي بحياة حامله وحياة من انتقلت إليه العدوى خاصة ذوي المناعة الضعيفة والأمراض المزمنة والمسنين الذين يعانون أصلا من هشاشة وضعهم الصحي. فيكفي أن ينتقل الفيروس إلى الرئتين ويجد المريض نفسه مخنوقا وفي حاجة ماسة إلى آلة التنفس الاصطناعي وهي الآلة التي أصبحت عملة نادرة في المستشفيات. ولا داعي للتذكير بالطوابير الطويلة على آلات التنفس الاصطناعي في بعض البلدان مثل إيطاليا إلى الحد الذي اضطر فيه الأطباء إلى الاختيار بين المرضى الذين يمكنهم مواصلة مسيرة حياتهم أو الموت.
وأعتقد أن إجراءات الغلق القوية التي اعتمدتها الدول يعود في الأساس إلى تفادي سيناريو الاكتظاظ على المرافق الصحية والوصول إلى تلك المستويات الكارثية. والموضوع أساسا يعتمد على وعي الناس والتزامهم بإجراءات الحجر الصحي ولنا في السويد أحسن مثال إذ راهنت السلطات على وعي شعبها والتزامه وأبقت باب الحجر الصحي مواربا فكانت النتيجة باهرة مع استمرار الاقتصاد في حركيته وانتشار الفيروس بطريقة مدروسة يمكن القول إنها متحكم فيها.
أعود لأطمئن كل مريض أو متخوف من الإصابة بالمرض بأن أعراضه قوية لكنها تبقى في فلك المقدور عليها. لكن يتعين أن يعتمد أحدنا على ممارسة الرياضة والأكل الصحي السليم كنمط حياة كي يساعده ذلك في التغلب على المرض. ورغم أرقام الوفيات الكبيرة التي يسببها المرض إلا أنها تبقى ضئيلة جدا مقارنة بعدد المرضى. فالحذر مطلوب لكن لا داعي للتهويل والإغلاق وشل مناحي الحياة في نظري لأن ذلك قد يتسبب في أضرار أكبر من الجانب الاقتصادي والاجتماعي وحتى النفسي. فحرمان الملايين من الناس من موارد رزقهم والإغلاق عليهم أياما وشهورا قد يكون له مفعول عكسي أكثر ضررا من المرض نفسه. لكن الأساسي والمطلوب هو الالتزام الصارم بإجراءات الصحة والتباعد الاجتماعي وفي نظري لا يمكن لأي بلد أن يبقي على الإغلاق الاقتصادي إذا ما عاين التزام الناس ومن وراءه انخفاض عدد الإصابات مثلما هو الوضع في فرنسا مثلا حيث وصل الأمر بالسلطات إلى فرض توقيع ورقة مكتوبة للخروج حتى للتبضع ولما نقصت حالات الإصابات جرى فتح تدريجي للاقتصاد بصورة مدروسة توازن بين متطلبات الاقتصاد ومعيشة الناس وبين متطلبات الحجر الصحي والوقاية من كورونا.
يبدو لي الوضع في الجزائر والمنطقة المغاربية متحكما فيه بناء على الأرقام المعلنة كما يبدو الالتزام أوضح عند الجارتين تونس والمغرب إذ تقلصت نسبة حاملي الفيروس بصورة محسوسة وهو ما يبشر بفتح وشيك لاقتصادي البلدين وتجاوز الأزمة، وفي الجزائر يبدو تجديد فترات الحجر الصحي عاملا مهما لوقف انتشار الفيروس إلا أنني عاينت قلة حيلة الناس من الجانب الاقتصادي وتأثرهم أيما تأثر إلى جانب صعوبة ضبط المخالفين فالتجار يشكون مثلا من نشاط تجار الأرصفة الذين يعملون في العديد من الولايات في الوقت الذي يجبر فيه التجار النظاميون على غلق متاجرهم. كما أن استهتار كثيرين بإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي مدفوعين بنظرية المؤامرة وعدم تصديق ما يصدر من السلطات يجعل أمر التحكم في الفيروس صعبا لأن معركة الوعي هي التي تراهن عليها الدول لتطويق انتشار الفيروس ولا يمكن لأي إجراءات ردعية مهما كانت أن توقف الاستهتار بإجراءات الحجر ما لم يكن الأمر نابعا عن قناعة ذاتية.
إيجابيات كورونا
نعم لمرض كورونا الذي أرّق العالم وجه إيجابي أيضا ويمكنني القول إنه أرجع التوازن البيئي إلى الأرض بسرعة لم يكن يتصورها أحد فمن كان ينتظر انغلاق ثقب الأوزون ووقف انبعاث الغازات وتحسن نوعية الهواء في المدن بطريقة لم يكن يحلم بها أحسن المتفائلين من نشطاء البيئة. لقد علمنا كورونا أن نكون أكثر نظافة وأكثر انتباها، حرمنا من التواصل المباشر لكنه فتح الباب على مصراعيه للتواصل الالكتروني والعمل والدراسة عن بعد، لقد غير الكثير من المفاهيم. وبالنسبة لي لقنني دروسا في الصبر والتوكل وإعادة النظر إلى الحياة من زوايا قد تكون غابت عني سابقا. كتبت هذه السطور في عجالة ليس طلبا للشهرة بل لنشر الوعي وإتمام ما سبقني إليه زملاء رائعون وثقوا تجربة مرضهم لتفيد من قد سيلحق بهم في ركب المتعافين منه إن شاء الله وأخص بالذكر الزميل حدبون ربيع في إسطنبول والزميلة الرائعة آمال بيروك في باريس التي خصتني بنصائح غالية أفادتني كثيرا عن تجربة مرضها مع وجود أولاد لها في البيت.
أعتبر نفسي محظوظا لأنني كنت محاطا بناس رائعين كانوا تابعوا حالتنا أولا بأولا ومنها إدارة قناة الجزيرة التي ذللت كل العقبات الإدارية في طريقي وسارعت إلى فحص زملائي المخالطين لتطويق أي انتشار للمرض. كم شعرت بالذنب في البداية خوفا من أكون سببا في نقل المرض إليهم وقد تبين لاحقا خلوهم من الفيروس فقد عملت يوما واحدا حين إصابتي بالفيروس لكن " القلب خبّار" كما يقولون فلم أتناول وجبة الإفطار الرمضاني معهم كما كنا نفعل حيث يأخذ كل واحد علبة إفطاره ويجلس على بعد متر من زميله أملا في اقتناص بعض الأجواء الرمضانية في العمل. كنت محاطا بجيران وأصدقاء رائعين وكانت تصلنا وجبات الإفطار والسحور وكل ما يمكن أن نطلبه من لوازم حتى بوابة البيت. كنا مرتاحين من هذا الجانب إلى حد كبير. مضت الأيام وانقشعت الغمة وتركنا المرض وراء ظهورنا لكننا اكتشفنا أصدقاء رائعين يقفون معنا في السراء والضراء وما أكثرهم ولله الحمد.
أعتبر هذه النسخة مما كتبت مخففة جدا لأنني للأسف ضيعت النسخة الأصلية حين كتابتي لها فأعدت ما كتبت على عجل ما دامت الكثير من المعلومات حاضرة في ذهني وبحكم كرهي لحرق الأعصاب والانتظار فقد تركت النص في جزء واحد رغم طوله. وفي انتظار حصول البشرية على لقاح فعال للفيروس أشعر بالاطمئنان لأن العاصفة مرت علي وخرجت منها أقوى. هل حصلت على جواز الحصانة من المرض؟ لا أدري والدراسات الطبية لم تتوصل حسب علمي إلى نتيجة مؤكدة لكنني سأواصل تطبيق الاجراءات الاحترازية ليس لحماية نفسي فحسب بل لحماية الآخرين أيضا. ولمن يطلب البلازما من دمي لكسب أجسام مضادة فهو متوفر بكميات محدودة.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة