الملل والجمال
الملل إحساس بغيض، يغلق حواسنا عن كل ما هو جميل. فلا نرى أحبابنا ولا نلتفت لإبداعات الفصول مهما تلونت وتبدلت، ولا رسمات أطفالنا اللذيذة التي رسموها في سعادة وأبهرهم إنتاجهم، فعلقوه وحدهم على كل الجدران لأننا مشغولون عنهم بمللنا!
الملل يصيبنا بالصمم إلا عن صوت واحد في رؤوسنا يكرر بلحن نشاز: ما هذا الملل؟ أشعر بالملل! كل شيء ممل....
يغلق قلوبنا عن الإحساس بالبراءة وعن حاجات الناس والظلم والحب..
يكبّل أيدينا عن العمل والإنتاج والإنجاز..
الملل إحساس ممل يشبه الشيطان لؤما وإفسادا وإتلافا لنفوسنا، وتعجيزا لإمكاناتنا وطاقاتنا، وقتلا لأوقاتنا.. يخرب علينا حياتنا ويضيّق كرتنا الأرضية، لتصبح حلقة سوداء صغيرة لكنها تنجح بامتياز في خنقنا!
نظنّ أن علاجه (الملل) يكون في نزهة أو تسوق أو زيارة أو محادثة أو سفر أو مشاهدة فيلم، لكنها علاجات مؤقتة عابرة، وقد تصيبنا هذه العلاجات نفسها بالملل!
لكنّ علاجه الأكيد – دون ظن أو شك – هو السهل الصعب.. الصعوبة لأنه هو -أي الملل- يصرفنا وبقوة عن الحل والعلاج، وعلينا أن نجاهده ونصرّ، وأصعب ما في العلاج بدايته!
البداية أن نرجو ألسنتنا ذكر الله، وإن لم يفد معها وكان الشيطان قد جلس فوقها، نلجأ لأسلوب الإجبار، نجبر ألسنتنا على الاستغفار إجبارا، ثم نكرره، ونكرره، حتى ترتاح النفس لذلك تدريجيا ويسترسل اللسان، فنرضى وتأنس قلوبنا، فنرددها بعد ذلك مرتاحين ومتعجبين من أثرها السريع القوي.. ثم ما نلبث أن نجد كل أجزائنا تسبح وتكبر وتحمد الله، فيزول ما كان يغلف رؤوسنا وقلوبنا من خبث الملل! إذن، الأمر سهل!
وعلاجه الأكيد الدائم ألا نهجر كلام الله ولو يوما واحدا!
سنتمكن بعدهما أن نفكر ونخطط وننتج.. سنتمكن من تحريرنا من قيود العجز فننتبه لما علينا أن ننجزه ونعمله، وسيدهشنا أنا قادرين على أكثر من مجرد أداء الأعمال حسب المطلوب، بل يمكننا أن نطوّر ونحسن ونبدع!
وتتغير نفسياتنا، ونظرتنا، ومشاعرنا، وحكمنا على ذواتنا وعلى الغير، وسنرى الخير والجمال والإبداع في شيء..
الأصوات التي كانت تنشز داخل آذاننا، تتحول إلى ألحان، أصوات أبنائنا وحتى صراخهم ما أعذبه وأحلاه! أصوات العصافير ما ألطفها! تسبيح تلك النباتات القابعة في زاوية الغرفة، والتي كنا نظنها قبل ذلك خرساء، ما أعجبها! وربما يطربنا حتى صوت المحرك الذي يعمل في مهنة تصعيد الماء لأعلى البناية، سنسمعه يغني أغنية العمل في نشاط ومرح!
سنرى الوجوه حولنا، كل الوجوه مليحة حسنة.. نرى تلك الزهور الجافة الميتة قد دبّت فيها حياة فجأة، فتلونت وزكت وزينت المكان بأسلوبها وعلى طريقتها وجفافها.
وسننتبه للجرم الذي ارتكبناه في حق صحتنا أثناء غيبوبة الملل! الشبع الزائد عن الحد وامتلاء معداتنا وانتفاخ أمعائنا، لأن منا من يقضي وقت ملله، بأكل كل الموجود، واشتهاء غير الموجود وإحضاره والتهامه! قد يجدي أن تقول لنفسك تطيب خاطرها وتكفر عن الذنب: لا بأس، لن أتعشى اليوم، وسأمارس بعض الرياضة، وو......
وسيعاودنا الشيطان حاملا معه الملل، أو يعاودنا الملل حاملا معه الشيطان..
العلاج سهل، بدايته ثقيلة، لكن نتائجه جميلة وسريعة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن