السلطان سليمان القانوني المفترى عليه
كتب بواسطة أ.د أحمد رشاد
التاريخ:
فى : تراجم وسِيَر
2340 مشاهدة
بلغت الدولة العثمانية أوج قوتها وأقصي امتداد لها في عهد الخليفة سليمان القانوني الذي استكمل تقريبا توحيد العالم الإسلامي . ففتح بلغراد أقوى حصون بلاد البلقان حينذاك في رمضان سنة 927 ه / اغسطس 1521 م ، كما أنه فتح جزيرة رودس التي استعصت من قبل السلطان محمد الفاتح ، وأراد بفتحها أن تكون حلقة اتصال بين القسطنطينية ومصر ولكيلا يكون للنصارى قاعدة بحرية في وسط بلاده تلجأ إليها سفنهم وقت الحرب ، وفعلا تم فتح هذه الجزيرة المنيعة على يد سليمان الذي قاد الجيوش بنفسه سنة 929 ه / 1523 م . كما أن الدولة العثمانية استولت على بلاد القرم وأصبح البحر الأسود بحيرة إسلامية . كما أن سليمان القانوني ضم بلاد الفلاخ ( رومانيا الحالية ) إلى الدولة العثمانية كولاية تابعة لها . وليست كإمارة تدفع الجزية للدولة العثمانية فقط . أما أكبر فتوحاته في أوربا فهي عزوه لبلاد المجر واستيلائه على عاصمتها ( بودا ) وتم له ذلك في سنة 932 ه / 1531 م وعرفت هذه المعركة بمعركة موهاكس التي نلقي عليها الضوء لأهميتها :
معركة موهاكس
كم مسلم منا يعرف هذه المعركة الخالدة ؟ و ما سببها و النتائج المترتبة عليها ؟ كم واحد منا قرأ عن السلطان سليمان القانوني ذلك البطل المجاهد ، و لم يلوث عقله بتخاريف مسلسل حريم السلطان ، أو حملة تشويه من الاعلام العربي علي هذا السلطان المجاهد ، ففي الوقت الذى يعشق الشباب المسلم الحضارة الغربية و ينبهر بتلك البروج المشيدة و يرتدى أعلام بلادهم المزينة بالصليب الملطخة بدماء المسلمين لم ينسى الغرب هزيمتهم على يد أسلافنا حتى انهم أطلقوا مثل يقول ” أسوأ من هزيمتنا في موهاكس ” يضرب عند التعرض لكارثة ، فمتى نتعلم تاريخنا و نسير على درب أعلام أمتنا الذين فتح الله على يديهم قلوب العباد و البلاد !!
عندما تولى السلطان سليمان القانوني مقاليد الخلافة رفض ملك المجر دفع الجزية التي كان يدفعها للخليفة سليم الأول ظنا منه أنه أمام خليفة شاب لا يملك قوة أبيه و لم يقف الأمر عند هذا الحد فقام ملك المجر بقتل رسول الخليفة، عندها جهز السلطان سليمان جيشا كبير خرج على رأسه من إسطنبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م ) كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة .
أجواء المعركة :
في تلك اللحظة الحاسمة في التاريخ أعلن بابا الفاتيكان كليمنت السابع حالة النفير العام في أرجاء أوروبا لمحاربة سليمان القانوني ، وأصدر قرارا بمنح صكوك الغفران لكل صليبي يشارك بهذه المعركة و تم تكوين أكبر حلف عسكري ( الإمبراطورية الرومانية المقدسة ) وتشمل كل من :
إسبانيا ، إيطاليا ، ألمانيا، النمسا، هولندا، بلجيكا، سويسرا، لوكسمبورغ،
مناطق واسعة في فرنسا
ومملكة المجر( هنغاريا ) : وتشمل المجر وسلوفاكيا وترانسيلفانيا ( وهي رومانيا الحالية إضافة لشمال صربيا )
مملكة بوهيميا وهي جمهورية التشيك الحالية، ومملكة كرواتيا، مملكة بولندا،
إمارة بافاريا الألمانية: وهي ولاية البايرن الألمانية،
جيوش الدولة البابوية، إضافة لمرتزقة أوروبيين من عدة مناطق،
فكونوا جيش من خيرة فرسان أوروبا مدعمين بأسلحة متطورة، وكان جيش موهاكس الصليبي بقيادة مجموعة من أعظم قادة المجر وقتها على رأسهم الملك لويس الثاني ، و ملك مملكة المجر( بال توموري ) وهو قسيس قاد أحد أجنحة الجيش بنفسه لبث الروح الصليبية لدى المقاتلين.
في تلك الأثناء كان جيش المسلمين في طريقة للمجر وفتح الله على أيديهم عدة قلاع حربية على نهر الطونة و تم فتح حصن بلغراد المنيع وصادف أن كان الفتح في عيد الفطر المبارك، فتلقى السلطان التهاني بالعيد والنصر بداخل بلغراد وهي عاصمة صربيا الحالية، بعدها توجه شمالا إلى المجر، ووصل إلى ( وادي موهاكس ) بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا ألف كيلومتر من السير .
وفي ليلة المعركة21 من ذي القعدة عام 932هـ ، 29 أغسطس عام 1526م، سهر السلطان المجاهد سليمان القانوني ليلته يصلي ويدعو الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم حتى جاء الفجر، فتقدم خليفة المسلمين جيشه الجرار وصلى بهم إماماً في صلاة الفجر، وبعد الصلاة نظر الخليفة المجاهد سليمان القانوني نحو جيش الإسلام العثماني بكل فخر واعتزاز، وقال لهم وهو يبتسم ودموعه تسيل من عينه : وكأني برسول الله صلي الله عليه وسلم ينظر إليكم الآن ، عندها انفجر الجنود بالبكاء ، وعانقوا بعضهم البعض مودعين يرجون الشهادة في سبيل الله
رسم السلطان خطة محكمة تقضي باستدراج قوات الأعداء بأن يصطف جيش المسلمين في ثلاثة صفوف، وأن يكون السلطان ومن معه من الإنكشارية في الصف الثالث ومن ورائهم مدافع المسلمين، حتى اذا بدأ القتال يتقهقر الصفوف الأولى من المسلمين ويتراجعوا خلف السلطان ومن معه من الإنكشارية، وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني فانسحب جيش المسلمون و ظن الصليبيون أن القوات الإسلامية انهزمت من المعركة بسرعة فاندفعوا كالسيل الجارف إلى الأمام، وعندها أعطى القائد سليمان القانوني الإشارة لسلاح المدفعية الإسلامية بالبدء بالهجوم المضاد فحصدتهم حصدًا، ففرت القوات الصليبية من ساحة المعركة بشكل فوضوي واستمرَّت الحرب ساعة ونصف الساعة و أقصى تقدير ساعتين، عندئذ أراد الجيش الأوروبي الاستسلام ؛ فكان قرار السلطان سليمان القانوني الذي لن تنساه أوروبا له حتى الآن وللأتراك العثمانيين وتذكره بكل حقد : لا أسرى ! . وأخذ الجنود العثمانيون يناولون من يريد الأسر من الأوروبيين سلاحه ليقاتل أو يذبح حياً ! وبالفعل قاتلوا قتال الميئًوس واليائس، وانتهت المعركة بمقتل فيلاد، والأساقفة السبعة الذين يمثلون النصرانية، ومبعوث البابا، وسبعون ألف فارس، ورغم هذا تم أسر 25 ألف جريح ، وتم عمل عرض عسكري في العاصمة المجرية من قبل العثمانيين، وقبَّل الجميع يد السلطان سليمان تكريما له، بما فيهم الصدر الأعظم، ونظم شئون الدولة ليومين ورحل ، وانتهت أسطورة أوروبا والمجر وأصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ ، بينما استشهد من العثمانيين 150 جندياً فقط ، وجرح 3000 ، والجيش في كامل قوته لم يُستنزَف أبداً !
نتائج المعركة
كانت تلك المعركة حادثة نادرة في التاريخ حيث ترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة في ساعتين فقط .
بعد موهاكس، دخل المسلمون عاصمة المجر بودا وهي جزء من العاصمة الحالية للمجر بودابيست بعد أن اتحدت مع مدينة بيست، دخل المسلمون المدينة وهم يكبرون، وتصادف أن يدخلوها في عيد الأضحى، فتلقى سليمان القانوني تهاني عيد الأضحى والنصر في بودا بعد أن كان قد تلقى تهاني عيد الفطر و النصر في بلغراد.
وكان من نتائج هذه المعركة أيضًا أن استولى العثمانيون على كل المنطقة الممتدة بين عاصمتهم إلى أسوار فيينا، وانهار الحاجز المجري الذي كان يقف في وجه العثمانيين للوصول إلى النمسا وألمانيا.
هذه المعركة من أغرب المعارك في التاريخ ، من حيث سرعة الحسم ، ومازالت تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة بعض المؤرخين الأوربيين، وعلى الرغم من انقضاء 494 عام علي المعركة.
و تعد تلك المعركة الفارقة شيء يسير جدا من تاريخنا الإسلامي المشرق الذى لانعرفه للأسف و تركنا الفرصة للأعداء أن يشوهوا صورة رموز أمتنا و يحرفوا تاريخنا بحقدهم وغيظهم الذي يشهد له التاريخ، وصل بنا الجهل والهوان الى ان نصدق تلك الاكاذيب و نرددها بلا تثبت ولا تفكير !!
مناقب سليمان القانوني
السلطان سليمان القانوني هو الخليفة الثمانون للمسلمين وهو عاشر ملوك الدولة العثمانية. وأوسع ملوكها عزًا ومجدًا، ويمثل عهده قمة بهاء دولتهم . وكان من عادته إرسال الخطابات إلى كافة الولاة وأشراف مكة والمدينة بخطابات مفعمة بالنصائح والآيات القرآنية المبينة، وذكر فضل العدل والقسط في الأحكام، ووخامة عاقبة الظلم .
كان يستهل خطاباته بالآية الشريفة : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) .
· 48عامًا قضاها سليمان القانوني على قمة السلطة في دولة الخلافة العثمانية(بعد موت والده السلطان سليم الأول )، بلغت في أثنائها قمة درجات القوة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحو لم تشهده من قبل، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث وكانت مساحة دولته 24 مليون كم موزعة اليوم على 40 دولة ، ارتقت فيها الفنون والآداب و العمارة
ولم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة. و لأنه وضع أرقى وأفضل القوانين والتشريعات الاسلامية التي تنظم الحياة في دولته التي تعد أكبر دولة في العالم في ذلك الوقت .
وفي آسيا قام السلطان سليمان بثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية:
•الحملة الأولى التي نجحت في ضم العراق إلى كنف الدولة العثمانية.
•وفي الحملة الثانية أضيف إلى أملاك الدولة “تبريز”، وقلعتا: وان وأريوان.
•وأما الحملة الثالثة وأجبرت الشاه “طهماسب” على الصلح وأحقية العثمانيين في كل من أريوان وتبريز وشرق الأناضول.
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق في سخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة، وبخاصة في مكة وبغداد ودمشق، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة .
بني السلطان سليمان القانوني جامع السليمانية في اسطنبول وهو من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي .ومكتبة السليمانية التي تحتوي على 80 ألف مخطوطة إسلامية كما وسع في مساحة المسجد الحرام
وارتقت فيها النظم والقوانين التي تسيّر الحياة في دقة ونظام، دون أن تخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
تعددت الفتوحات والبطولات التي قدمها السلطان القانوني خلال حياته المليئة بالنجاحات، ومن بينها:
فتح بلغراد: انطلق لفتح بلغراد بعد أن تمكن من إخماد الثورة في دمشق، فأعد العتاد والعدة بالتعاون مع صدره الأعظم بيري محمد باشا واتجه نحو بلغراد استعداداً للقتال وغزو مملكة المجر، فحقق النجاح في فتحها أمام المجرين في عام 1521م.
فتح جزيرة رودس: توجهت أنظار الخليفة إلى جزيرة رودس لفتحها، وتسللت الأخبار إلى مسامع أمير الجزيرة حول حملة الخليفة؛ فأقدم أمير الجزيرة على عرض دفع الجزية على السلطان ليمد له يد العون إلا أن الأخير قد رفض ذلك، وقاد السلطان قوة برية عثمانية قامت بحفر نحو 50 سرداب تحت الحصن لتشن هجومها من هناك، وتم فتح الجزيرة فعلياً في 22 ديسمبر سنة 1522م.
فتحت في عهد السلطان سليمان صربيا والمجر وجنوب إوكرانيا ورومانيا وبلاد القوقاز ووصلت القوات العثمانية بقيادته الى النمسا في قلب أوروبا.
معركة دامية مع الدولة الصفوية.
قتال البرتغاليين.
محاولات في فتح إيطاليا.
في عهد سليمان القانوني حررت القوات العثمانية الجزائر وليبيا من الاحتلال الأسباني والعراق من الاحتلال الصفوي
في عهد سليمان القانوني ضمت القوات العثمانية بلاد البحرين واليمن وتم تطهير سواحل الخليج العربي وخليج عدن من الاساطيل البرتغالية الصليبية .
توفى الخليفة العثماني سليمان القانوني الذي بلغت الخلافة العثمانية في عهده أوج قوتها وأقصي امتداد لها في صفر سنة 974 ه / سبتمبر 1566م بعد أن حكم البلاد نحو نصف قرن . ورغم أن الخلافة العثمانية قد استمرت تؤدي دورها كحامية للإسلام والمسلمين بعد ذلك أكثر من ثلاثة قرون أخري ،
يقول المؤرخ الالماني الشهير ” هالمر ” كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه
من أقوال السلطان سليمان رحمه الله
عندما أموت أخرجوا يدي من التابوت لكي يرى كل الناس أنه حتى السلطان خرج من هذه الدنيا بيد فارغة
هذه سيرة بطل بني عثمان وليست سيرة حريم السلطان الذي كانت القنوات الفاسدة تعرضه لتزوير وتشويه صورة هذا البطل العظيم باني سور الاقصى وسور القدس الذي يعتبر من اعجب العجائب …وزوجته المسلمة الروسية الاصل ..خاصكي التي ما تزال التكايا للفقراء تحمل اسمها في القدس القديمة.
المصدر : رسالة بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة