إشكال التغيير في لبنان
كتب بواسطة شريف أيمن
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1044 مشاهدة
استقل لبنان عن الانتداب الفرنسي أواخر عام 1943، وتم جلاء القوات الفرنسية بعدها بثلاث سنوات. ومنذ ذلك الاستقلال شهد لبنان حالة ارتباك طائفي أثّرت على الفاعلية السياسية، وبلغ ذلك الارتباك مداه باشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، واستمرت خمسة عشر عاما لتنتهي باتفاق الطائف أواخر عام 1989، وانتهت معارضة الاتفاق بفرار العماد ميشال عون واختبائه في السفارة الفرنسية بعدما عارض بعض مخرجاته، ثم قامت "الأم الحنون" بإخراجه من السفارة إلى "قلعة الحريات" التي بقي فيها حتى عام 2005.
عاشت الجمهورية اللبنانية طوال تاريخ استقلالها الذي يقارب الثمانين عاما في تيه وتخبط، نتيجة التقسيم الطائفي الذي صنعته "الأم الحنون" فرنسا. وعاد أوقح الرؤساء الفرنسيين لزيارة البلد المنكوب عقب الانفجار، ليتحدث كزعيم وطني، ويحدد من سيتم توجيه المساعدات له في الداخل اللبناني، في إهانة بالغة لزعماء الطوائف الذي دمروا سيدة المدن العربية بفسادهم أو انقسامهم، قبل أن تتدمر بفعل الانفجار الأخير.
الآن خرج اللبنانيون ليطالبوا بـ"الثورة، وتغيير الطبقة السياسية"، وبشكل مبدئي استقالت الحكومة اللبنانية الحالية، لكن هل يمكن بالفعل حصول تغيير سياسي في لبنان؟
خرج اللبنانيون ليطالبوا بـ"الثورة، وتغيير الطبقة السياسية"، وبشكل مبدئي استقالت الحكومة اللبنانية الحالية، لكن هل يمكن بالفعل حصول تغيير سياسي في لبنان؟
يمكن القول بشكل عام إن الأوضاع السياسية الخاطئة تتسم بعدم الاستقرار، ومهما طالت مدة حكم نظام سياسي فإن تطلع المجتمعات إلى الحرية يظل عاملا محفزا للمقهورين، ومقلقا للفاسدين والمستبدين، الأمر الذي سيدفع المجتمعات الرازحة تحت الاستبداد إلى محاولة الخروج من حياة المهانة إلى الكرامة، ربما يخفقون في مرة أو مرات، لكن النضال نحو العدالة الاجتماعية (قبل أي شيء) سيظل مستمرا.
هذا بشكل عام، لكن إسقاط هذا التصور على حالة بعينها يحتاج إلى النظر في عوامل عديدة، أهمها ما يتعلق بالشارع الذي يطالب بالتغيير، سواء على مستوى الحشد العددي، أو اتحاد المطالب لا انقسامها في الشارع، أو تماسك قيادة الحراك في حالة الالتفاف على المطالب، أو طول نفَس حركة المطالب إزاء المماطلة التي يبديها الساسة للضغط على المتظاهرين بتردي الوضع الاقتصادي الناشئ عن الاحتجاج، أيضا المراهنة على تغير مزاج قطاع من المتظاهرين إذا طالت المدة دون تغيير، وأخيرا مدى صمود المحتجين أمام القمع.
من جهة أخرى، هناك الطرف المستهدَف بالتغيير، وهو النظام السياسي الذي يحكم، وعوامل الاعتبار الخاصة به ترتكز على أمرين أساسيَّيْن: مدى تماسك نخبة الحكم، وصور القمع التي قد تقبل الأجهزة الأمنية ارتكابَها.
في الحالة اللبنانية تبدو الصورة أن النظام السياسي غير متماسك؛ إذ يقوم على محاصصة طائفية بالأساس
في الحالة اللبنانية تبدو الصورة أن النظام السياسي غير متماسك؛ إذ يقوم على محاصصة طائفية بالأساس، وهذه المحاصصة تقوم على النِّسَب داخل الديانتين الأكبر في لبنان (الإسلام والمسيحية). فنحن لسنا أمام كتلتين رئيسيتين فحسب، بل أمام قطع فسيفساء يصعب جمعها في إناء واحد دون رغبة كل طرف في إبداء تمايزه الاجتماعي والسياسي. وهذه الحالة هي الإشكال رغم أن انقسام النخبة الحاكمة يمثّل عاملا دافعا للتغيير، لكن ليس في لبنان؛ إذ رغم عدم التماسك الاجتماعي والسياسي، فإن النخبة السياسية متفقة (ولو ضمنيا) على عدم المساس بامتيازات كل طائفة.
تعقيد التركيب الاجتماعي والسياسي والطائفي في لبنان شديدٌ، ولا خروج من الأزمة إلا بتفكيك مُركَّب الطوائف والاتجاه إلى عدم التمييز السياسي والاجتماعي على أساس الدين والطائفة، وجعل الانتخاب النيابي والرئاسي والتعيين الوزاري، على أساس قواعد مجردة؛ ليست الطائفة جزءا منها. وهذه الخطوة تكاد تكون مُحالة في الوقت الراهن؛ فمن جهة، هناك انحيازات إقليمية ودولية لطوائف بعينها، وكل دولة تدعم طرفا ما بما يخدم رؤيتها الخاصة ولا يخدم المجتمع اللبناني، ومن جهة أخرى، لا بد أن التمايز الاجتماعي والسياسي مُرْضٍ لقطاعات جماهيرية داخل الطوائف. والتجارب من هذا النوع تقول إن الشعور الداخلي بالتهديد داخل الجماعات في الوطن الواحد، يطغى على الشعور بالتهديد الوطني العام جراء الانقسام الاجتماعي. والخروج من تحت عباءة قيادات الطوائف ليس هيّنا أبدا، ويحتاج إلى تقديم الهمّ الوطني على الهمّ الطائفي داخل الوعي العام، وهو ما يحدث عبر التراكم الزمني، أو عبر الكوارث الوطنية.
المأساة التي ضربت لبنان ربما تمثّل فرصة للحريصين على الخروج من الأزمة السياسية بتأثيراتها على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في لبنان، فالمصاب كبير والكارثة غير مسبوقة، وقطعا تسبب الانفجار، ومن قبله الوضع الاقتصادي، في اهتزاز الصورة الداخلية لزعماء الطوائف، لكن يبقى الرهان على وجود مطالب شعبية واحدة تركز على أصل الإشكال الطائفي لا على الفشل السياسي للنخبة الحالية. إذ يثور تساؤل عن الحل في ظل الاستقطاب الإقليمي الحاد الذي ينعكس على لبنان، فكيف يمكن لمن ينحاز لمشروع خارجي متصارع أن يقبل التوافق في الداخل؟ حتى الانتخابات النيابية المبكرة لن تكون حلا لإنهاء الأزمة المرتبطة أساسا بالقيادات الداخلية اللبنانية، وكل ما سيجري مجرد إعادة تدوير الوجوه بنفس السياسات.
ربما يكون مناسبا تذكير الأشقاء والأحباب في البلد الجميل، بالمادة 95 من الدستور اللبناني التي تنص على:
على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.
مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب، والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
وفي المرحلة الانتقالية:
أ- تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب- تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
هذه الصورة ربما تكون ملائمة كبداية للملمة جراح بلد عانى طويلا من الانقسام والحروب والعدوان الصهيوني، وعانى أكثر من فساد قيادته التي ولغت في الدماء خلال الحرب الأهلية، ولا يبدو أنهم اكتفوا منها.
المصدر : عربي 21
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة