الإسلاموفوبيا في الغرب.. الأسباب والآثار
كتب بواسطة محمد العودات
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
887 مشاهدة
تختلف القراءات في تحديد ميلاد مصطلح “الإسلاموفوبيا” فيما يراه البعض أنه وليد ما بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 وبروز ظاهرة الخوف والتمييز ضد الحجاب الإسلامي في الغرب، فيما يرى آخرون بأن أول استخدام للمصطلح رسمياً ظهر في عام 1997 في دراسة بحثية يسارية قامت به جهة بحثية بريطانية.
يمكن تعريف “الإسلاموفوبيا”: وهو مصطلح في الإنجليزية يعني إسلام وفوبيا التي تعني الخوف أو الرهاب وبجمع المفردات تعني اصطلاحاً الرهاب غير المبرر أو الرهاب المرضي من الإسلام.
هذا الرهاب أو الخوف من الإسلام هل هو خوف حقيقي له ما يسنده في الواقع؟ أم أنه رهاب مرضي لا يستند إلى حقائق على أرض الواقع؟ وما آثار هذه الظاهرة على المسلمين في الغرب؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة والتخفيف منها؟
لماذا تصاعدت ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في ربع القرن الأخير؟
يبدو أن تصاعد ظاهرة “الإسلاموفوبيا” مرتبطة بعدة عوامل في أساس نشوئها وتصاعدها، وأهمها:
أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إذ تشكل هذه الأحداث منعطفاً كبيراً في انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا” وتمددها في الغرب، فحجم الصدمة في العالم الغربي شكل حالة خوف وهلع من الإسلام على اعتبار أنه كان محركاً لتلك الجريمة كما صوره الإعلام الغربي واليمين المتطرف (العرق الأبيض)، وصوره “تنظيم القاعدة” منفذ هذا الهجوم وترويجهم أن ما قاموا به من تفجير بالطائرات أعمال دينية مقدسة وأطلقوا عليها غزوة منهاتن.
تصاعد اليمين المتطرف (الجنس الأبيض) في أوروبا والغرب الذي يؤمن فيه بتفوق العرق الأبيض على سائر الأجناس الأخرى؛ إذ كانت أبرز تجلياته صعود بعض أعضاء اليمين المتطرف إلى الحكم في بعض الدول الغربية، هذا اليمين الذي يقوم على حمل مشاعر الكراهية تجاه كل ما هو غير منحدر من الجنس الأبيض حتى وصلت الأمور في أستراليا بأن يرفع اليافطات بأن الإسلام عدو للغرب، وظهور استطلاعات رأي في ألمانيا بوجود ما نسبته 40% من المستطلع آراؤهم يطالبون بإغلاق الحدود الألمانية في وجه هجرة المسلمين إليها.
الأزمة الاقتصادية في عام 2008 كان لها الأثر الكبير في انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا”؛ إذ يشعر السكان الأصليون بأن هجرة المسلمين إلى بلادهم تؤثر على فرصهم في العمل وتأمين حياة كريمة لهم، وتلاقت تلك المخاوف مع رواية اليمين المتطرف الذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض وعنصريته تجاه الغير.
تصاعد الأعمال الإرهابية ببواعث دينية إسلامية في الغرب؛ ظهور “تنظيم القاعدة” وبعد ذلك تناسل النسخة الأكثر تطرفاً منه “تنظيم داعش”، وإصراره على استهداف الغرب في عقر دارهم، ووقوع ضحايا في الأرواح وخسائر في المنشآت في معظم الدول الأوروبية؛ عزز رواية اليمن المتطرف عن المسلمين وجعلها أكثر إقناعاً للمواطن الأوروبي المحايد من الخطر القادم من المسلمين.
دور الإعلام الغربي واليميني على وجه الخصوص في محاولة تضخيم الأخطاء التي ترتكب من قبل الجاليات المسلمة، في ظل جهل كبير في حقيقة الدين الإسلامي من قبل المواطن الغربي، ومعلوم حجم وقدرة الإعلام في تشكيل قناعات الناس وتوجهاتهم.
عدم قدرة الفئات المسلمة المتدينة على الاندماج في المجتمعات الغربية والتعايش معها، وتفشي المدرسة السلفية المتشددة بين المسلمين المتدينين في الغرب ساهم في منع هذا الاندماج؛ إذ تشكل السلفية مثلاً التجمع الأكبر للمسلمين في أستراليا، بينما يكون تأثير الجماعات الدينية المعتدلة أقل في أوساط الجاليات المسلمة المتدينة.
آثار “الإسلاموفوبيا” على الإسلام والمسلمين في الغرب
لا شك بأن انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في الغرب ألحقت أضراراً كبيرة وصورة الإسلام كدين سماوي يدعو للتسامح والتعايش؛ مما انعكس ذلك على حياة الجاليات المسلمة، وازدادت نسبة الاعتداءات على المسلمين في الغرب بشكل كبير إذ:
ارتفعت نسبة الجرائم العنصرية في أمريكا ضد المسلمين إلى 67%، وفقاً لمركز مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير).
ارتفاع أعمال الإيذاء البدني والعنف ضد المسلمين في أوروبا وأمريكا لبواعث عنصرية.
ارتكاب جريمة الهجوم على مسجدي نيوزيلندا التي تم بثها مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة هزت الوجدان العالمي بأسره.
ارتفاع الأصوات المطالبة بإغلاق باب الهجرة في وجه المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وأمريكا، وصدور قرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في عام 2017 بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية.
خسارة حزب المستشارة الألمانية ميركل بانية نهضة ألمانيا الحديثة للانتخابات المحلية التي أعلنت على إثرها أنها لن تترشح بعد انتهاء ولايتها الأخيرة التي تنتهي في عام 2021، خسارة كانت بسبب سياستها الودية تجاه اللاجئين السوريين واستقبالهم وفتح المجال أمامهم.
إغلاق بعض المساجد والمؤسسات الدينية في أوروبا، وكان آخرها في فرنسا قبل أيام، وكذلك منع بعض الرموز الدينية كالمآذن وحتى حظر بناء المساجد في بعض الأقاليم الإيطالية.
انتشار ظاهرة السخرية من الرموز الدينية الإسلامية على وجه الخصوص؛ إذ تعتبر الرسوم المسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم عرضاً لظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وتعمد إهانة وحرق المصحف وتحت عناوين حرية التعبير والقيم العلمانية.
كيف يمكن مواجهة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”؟
رغم أن نسبة المسلمين وفقاً لما يتم نشره في أوروبا لا تتجاوز 3.5%، ونسبتهم أقل بكثير في أمريكا، حيث إنها بلغت 1%، فإن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” وما يتعرض له المسلمون في الغرب وما يتعرض له الدين الإسلامي نفسه يستدعي بذل المزيد لمواجهة هذه الظاهرة، لكن كيف لنا مواجهة هذه الظاهرة:
مواجهة “الإسلاموفوبيا” تستدعي قيام عمل منظم ومؤسسي تتبناه دول العالم الإسلامي، وإنشاء منظمة دولية خاصة لمواجهة تمدد هذه الظاهرة وما تثيره من نشر الكراهية بين شعوب العالم؛ مما يهدد السلم والاستقرار الدولي ويعزز نظرية تصادم الحضارات.
تجفيف منابع التطرف التكفيري بجميع نسخه الذي يعتبر المسبب الأول لتنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” وتمددها، هذا التطرف الذي يستغله اليمين الأوروبي المتطرف في تعميق القناعة بالترهيب من الإسلام.
محاولة التأثير وترشيد خطاب الحركات السلفية في الدول الغربية التي تعتبر الحضن الدافئ لنشوء حركات التطرف والتشدد الديني التي تمنح اليمين المتطرف الفرصة لمهاجمة الإسلام والمسلمين.
دعم الدعاة أصحاب الرشد السياسي الذين يؤمنون بالتصالح ما بين الحضارات ليكون خطابهم الأكثر انتشاراً في الجاليات المسلمة في الغرب؛ مما يعزز اندماج المسلمين في الغرب مع المحافظة على خصوصيتهم الدينة والسلوكية.
إنشاء مؤسسات إعلامية من داخل الغرب بخطاب إعلامي يناسب البيئة الأوروبية والغربية في تقديم الإسلام ونشره بصيغته الحضارية كدين يدعو إلى التسامح والتصالح مع كل ما هو جديد.
العمل النشط من خلال المنظمات الحقوقية في الدول الغربية والضغط السياسي من خلال التجمعات السياسية الإسلامية من أجل سن القوانين التي تجرم كل مظهر من مظاهر وأعمال “الإسلاموفوبيا” لتصبح أعمالاً يعاقَب عليها في القوانين الغربية.
العمل من خلال المؤسسات الدولية لتنظيم والمطالبة بعقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بعدم التعرض للإساءة للأديان والرموز الدينية المقدسة لجميع الشعوب العالمية.
علينا أن ننتقل كمسلمين من ردود الفعل على بعض أعراض انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، ونتحول إلى بذل الجهد لمعالجة المرض والمسبب الرئيس لكل تلك الأمراض والعلل والأعراض والظواهر السلبية.
المصدر : مجلة المجتمع
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة