إنّ عمرَ الإنسان قصيرٌ لا يسَعُ أن يجمعَ العلومَ مفصَّلةً، ولا حتى أن يحيطَ بالعلم الواحد منها، وذلك لما يعترضه من نقصٍ وضَعف، وهي خواصٌّ أصيلة فيه.
وهذه الحقيقة لا تبرر الركونَ وعدمَ طلب العلم كما قد يَظنُّ الكسالى والمتراخون، بل لابد من الأخذ بقاعدة:" ما لا يدرك كلُّه لا يُترك جلُّه".
وإنَّ العلمَ هو إرث الأنبياء، طلبُه من أشرف المطالب، وفضله فوقَ كلِّ فضل، وبه يتفاضل الإنسانُ على غيره من المخلوقات، فيه الخيرية، وبه الرفعة التي قال عنها الله جلّ جلاله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11].
وإنّ أشرفَ هذه العلوم هي التي تتصل بكتابِ الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه، ويعدُّ علم الحديث في مقدمتها، لأنه يحفظُ للأمة دينَها من التحريف والتدليس والانتحال، وهو العلم الذي نَقل للأمّة جميعَ أقْوالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأفعالِه، في سائرِ أحوالِه.
ثم في واقعٍ يشكو فيه المشتكون من تزاحم المشاغل وضيقِ الوقت للقراءة والتعلّم، وأن وقتهم يقصرُ عن قراءة آلاف الكُتُبِ المُصنَّفةِ في الحديثِ وعُلومِه وشُروحِه، يشرقُ أملٌ وضَّاءٌ في حُلكة هذا الواقع، فيقرِّب المسافةُ، ويهوّنُ الصعاب، فيظهر مشروعٌ سماّه صاحبه: ((تقريب السنّة النبوية))، يشتمل على خمسةَ عشر كتاباً، ختمَها وأتمَّها بكتابٍ أسماه:"معالِمُ السُّنَّةِ النَّبويَة: وهو خلاصة 14 كتاباً هي أصولُ كُتُب السُّنَّة".
نشرته دار القلم في تاريخ (1436هـ = 2015م) في ثلاثة مجلدات.
ثم أخرج آخر كتاب الوجيز في السنّة النبوية وقصد بأصول كتُب السُّنَّة الأربعةَ عشرَ:(صَحيحُ البخاريِّ، صَحيحُ مسلمٍ، سُنَنُ أبي داودَ، سُنَنُ الترمِذيِّ، سُنَنُ النَّسائيِّ، سُنَنُ ابنِ ماجَه، سُنَنُ الدارِميِّ، مُوَطَّأُ مالكٍ، مُسنَدُ أحمدَ، صَحيحُ ابنِ خُزَيمةَ، صَحيحُ ابن حِبَّانَ، المستدرَكُ على الصَّحيحَيْنِ للحاكمِ، السُّننُ الكبرَى للبَيهَقيِّ، الأحاديثُ المُختارةُ لضِياءِ الدِّينِ المَقدِسيِّ).
وقد أثبتَ الكاتب في مشروعه (28430) حديثاً من مجموع الأحاديث في هذه الأمهات، والتي بَلَغَتْ (114194) ثم أوجزها في كتابه الأخير إلى (3921) حديثاً، بعد أن حذف الأحاديث المكررة والمتقاربة في المعنى.
الموقف الذي دعاه للقيام بهذا المشروع
ذكرَ القصة التي فتحت له آفاق مشروعه، فقال:((كنتُ أجلس مع بعض الإخوة في دراسة علمِ الفرائض، وفي يومٍ من الأيام سألني أحدُ الحاضرين عن حديثٍ، فقلت له: لا أعلم صحَّتَه من ضَعفه، لكن يغلبُ على ظني أنه ضعيف. ولما رجعت الى البيت وجدتُ أن هذا الحديث في الصحيحين، فأخذتُ الهاتف واتصلت بالأخ وأعلَمتُه أن هذا الحديث في الصحيحين)).
يذكرُ أنَّ هذا الموقف استدعاه ليراجع نفسَه وحسابَه، ويتساءل: "لماذا هذا الجهل بعد مدَّةٍ طويلة من التدريس ومن العمل في إطار الشريعة؟" ليجد السبب في ذلك، وهو: قصور كليات الشريعة في تدريس أمّهات الكتب من مثل صحيحَيْ البخاري ومسلم، والاكتفاء بنصوص من الحديث من نيل الأوطار أو من سُبُل السلام.
ثم يقول: ((لُمتُ نفسي على تقصيري، لأنني لم أرجع إلى قراءة البخاري بكامله، وإنما رجعتُ إلى مختصر الزُّبَيْدي، وهو لا يفي بالغرض ولا يفي بالحاجة. ومن هنا نشأت فكرةٌ استقرتْ في ذهني، وهي أنّه ينبغي أن يكون هناك كتابٌ يجمع بين الصحيحين، يكون في متناول الأيدي، مثلُه مثلُ كتاب الأربعين النووية التي يتداولها الناسُ ويعرفها كل صغير وكبير، فالصحيحان هما الكتابان اللذان يليان كتاب الله تعالى)).
الفكرة والعمل
أخذ التفكيرُ في هذا المشروع وقتاً من الشيخ غيرَ قصير، فأخذ يسأل عمَّن يعمل على جمعٍ بين الصحيحين أو عمل متشابه، فقيل له الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة تنوي إخراج أحد الجوامع بين الصحيحين، ثم علم أنّ أحداً لم يأخذ الموضوع بشكل جدّي، فقرر أن يعملَ بنفسه على إخراج كتابٍ من هذا النوع يجمع الصحيحين، ثم يسَّر الله له أن يطلَّع في مكتبة الرياض العامرة على الكثير من الجوامع بين الصحيحين: منها الجمع بين الصحيحين للحُميدي، والجمع بين الصحيحين للإشبيلي، والجمع بين الصحيحين للمَوْصلي، والجمع بين الصحيحين للأصفهاني، والجمع بين الصحيحين للصاغاني.
فلم يجد في هذه الجوامع ما يلبي حاجةَ العصر كما ذكَر، فاستقر لديه العزمُ على القيام بهذا العمل من تلقاء نفسه .
مراحل إعداده للكتاب
مَرَّ بأربع مراحل، وهي:
المرحلة الأولى: رجع الى فهرس الجامع الصحيح للإمام البخاري ووجد أن فهرسه يشتمل على سبعة وتسعين عنواناً، ورجع الى فهرس الجامع الصحيح لمسلم ووجد أن فهرسه يشتمل على خمسة وخمسين عنواناً، وبعد وقت مضنٍ دام شهوراً، استطاع الباحث أن يخرج بعشرة عناوين سماها "مقاصد"، ترجع إليها جميع البحوث في كتابَي البخاري ومسلم.
المرحلة الثانية: أعدّ الملفات لكل مقصد، وهي عشرة ملفات كبيرة، ثم أضاف الأحاديث التي تشتمل على أكثر من موضوع إلى الموضوع الأول الذي وردت بشأنه، ثم أضاف معلقات الأحاديث في الحواشي.
المرحلة الثالثة: اعتمد طريقة "الكتابة على البطاقات الملونة"، وتدوين أسماء الرواة، حيث قام بتفريغ غرفة كاملة لنشر البطاقات والتأكد من تلاؤمها وموافقتها، ومن ثم تجميعها حسب اللون والراوي.
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة التسويد والتبييض وإخراج النّص متناً وحاشيةً إخراجاً مُتقناً، صار به إلى النور والنشر.
الأحاديث الضعيفة في تصنيفه
اقتصرَ على الأحاديث الصحيحة والحسنة، ولم يذكر من الأحاديث الضعيفة إلا ما كان فيه ما يبين معنى في حديثٍ صحيح آخر، أو أن يكون الحديث الضعيف متداولاً على الألسنة فيذكره ليبين ضعفَه، أو تكون أحاديث الباب كلها ضعيفة، ويكون ذلك في الفضائل، فيذكرها آخذاً في ذلك بطريقة الإمام أحمد رحمه الله في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل.
فهرسته للكتاب
تميَّز الكتابُ بالتقسيم الجيد، والترتيب السهل، والمناسبة القويّة بين عناوين أبوابه ومضامينها.
فأثبت صاحبه عشرة عناوين، سمّاها المقاصد. وهذه المقاصد هي: العقيدة. العلِم ومصادره. العبادات. أحكامُ الأسرة. الحاجات الضرورية. المعاملات. الإمامة وشؤون الحكم. الرقائق والأخلاق والآداب. التاريخ والسيرة والمناقب. الفِتَن.
إنّ هذا الجهد الذي قام به الشيخ صالح والذي استغرق العمل فيه ثلاث سنوات من العمل الراتب وسنتان تحت الطباعة وفي التصحيح والتعديل والتغيير والتبديل، قد وفرّ كثيراً من الوقت على كل مسلم يرى أن الإلمام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من موجبات فَهْم الشريعة، ومن الضرورات التي يحصل بها النفع.
لهذا فإننا ننصح باقتنائه والإفادة منه، فهو فريدٌ في بابه، يناسب كلّاً من العامّة وطلبة العلم.
جزى الله صاحبَه خير الجزاء وجعل عملَه هذا علماً يُنتفع به على مدى الأيام.
وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة