شكراً فرسان المنصة
كتب بواسطة عائشة عبدالله عزازي
التاريخ:
فى : قصص
2177 مشاهدة
عند انتصاف النهار وتوهج قرص الشمس يكون لي موعد مع منضدتي الرمادية اجلس عليها لبعض الوقت مداعبة بضع من قصاصاتي الورقية ومحبرتي الخشبية، وحولها أقلام مختلفة بحدتها والوانها الزاهية.
أمسكت بأحد اقلامي وسطرتها بحرفية وبدأت بكتابة سيل من المفردات والحروف وجمل طرقت باكورة أفكاري والتي سوف تواكبني عند البدء في اختيار موضوع مقالتي. فإذا بصوت يطنب مسامعي وطرق خافت يطرق باب غرفتي وصرير الباب يعلو شيئاً فشيئاً، وصوت طفولي من خلفي ينادي أمي .. أمي. فنظرت إلى وجهه بملامحه الطفولية وعيناه البرقتان. أمي قالها مردداً بنبرة يشوبها حزن وشهقة بكاء.
أمسكت يده وقلت بصوتٍ حانٍ: يا صغيري ما بك هل تشاجرت مع اريج، اخته التي تصغره بعام. هز رأسه نافياً. وقال: لا. قلت: إذاً ما يزعجك؟ فأجاب بحسرة: أمي اشتقت لمدرستي. واغرورقت عيناه بالدموع. اشتقت لأقراني لنعلب بالكرة ونركض خلفها. اشتقت للشراء من مقصف أبي سعيد. اشتقت لمنضدتي وفصلي، لطابور الصباح والاستماع لتلاوة القرآن ولسماع نشيد بلادي.
اشتقت لتحية أستاذي مع أقراني بصوت جماعي جهوري يصم الأذان وتكاد الجدران تسقط من قوته. ثم تابع قالاً قولي لي متى ترحل كورونا وشهق بالبكاء بصوت مرتفع.
احتضنته وأجبت بعد وهلة من التفكير والتريث رب البرية أعلم ياولدي متى يكون رحيلها وشجعته ببعض من الكلمات وأغدقت عليه ببعض من الحلوى وربت على ظهره ليستعد لحضور دروسه على المنصة الإلكترونية.
نظر لي وقال: المنصة جماد يا أمي. لا أقدر ان ألمس يد أقراني. قلت له وانا أنظر إليه بنظرات حانية مشفقة: محمد يا ولدي هي حية.
ففغر فمه الصغير!! وأجاب بدهشة: حية؟؟ قلت أرخي أذنيك ألا تسمع ضحكات أقرانك العالية وأحاديثهم الشيقة؟
رد مبتسماً: نعم. أسمع ثم تابعت بحماس: حية بفرسانها الكبار.
رد بتعجب: فرسان المنصة؟؟!!
قلت: اسمع، أليس ذاك الفارس خالد يعلم تجويد القرآن وأحاديث خير البشرية؟ وذاك زومان يغرد بحروف الانجليزية؟ وذاك الفذ سلمان يعلم قوانين الخوارزمي ويبسط جداول الضرب؟ َوذاك الفارس المغوار إسماعيل يعلمنا مجد بلادنا وتاريخها المجيد وملوكها الأخيار؟ وذاك سامي يفهمنا طبيعة الأرض و رقة الماء وخضرة النبات؟ وذاك الرسام سند يحاكي الطبيعة بريشته؟ وذاك اللغوي الفذ عبدالرحمن يعلمنا لغتنا المجيدة ونحوها الفريد وفنون الأبجدية الغراء؟
وكان محمد تلمع عيانه عندما أذكّره بفرسان المنصة.
وفجأة انفرجت اساريره وانطلق إلى غرفته بهمة ونشاط للاستعداد لحضور دروسه وسماعها من فرسان المنصة، وتبادل الأحاديث الشيقة مع أقرانه وقت الراحة.
وكان لوقع أقدامه وهو يركض إلى منصته تأثير على نفسي. وصوت المنصة بفرسانها داعب َوجداني و بنات أفكاري.
حقيقةً وبكل شفافية وصدق احترت َوعجز قلمي عن انتقاء واستنباط صنوف الكلام من عجائب المفردات لوصف جهود فرسان المنصة.
حبات عرق تصببت من جباههم، وحبال صوتية أنهكها التعب من التكرار ونبرات صوتٍ يشوبها لطف حاني ونصح يغالبه قسوة ظاهره وبطانه شفقة هدفها الرشد والإصلاح.
عجزت عن اختيار أوزان الشعر وقوافيه. ومن النثر وسجعه. ونبضت باكورة أفكاري عن موافاتي شكركم فقد كنتم ومازلتم منارة للعلم ومنهل لن ينضب على مر الأزمان.
فغبار السبورة كأنه مسك عابق بالمكان. وستبقى مدرسة شجاع بن وهب مفخرة لرياض المجد ولحطين العز. وسيبقى قلمي يترنم بجزيل الشكر والعرفان. على مدى الأزمان.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!