حصاد ثورات الربيع العربي.. هل انهزمنا حقاً؟
كتب بواسطة رانيا مصطفى
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1061 مشاهدة
انتهت ثورات الربيع العربي من حيث بدأت؛ فقد أبحرت لتقاتل ديكتاتوريات، وأحرزت انتصارات ثم رست على شواطئ أكلة لحوم بشر.
بقدرة قادر، بعد أن كان مذيع البرامج الإخبارية يتحدث عن الثورة والثوار بملء فيه، صار يقرأ نشرة عن أنظمة انقلابية شرعية تواجه حروباً أهلية وإرهابيين! تحول الثائر لخارج عن القانون، ووصفت أحداث الثورات بأنها أعمال عنف وفوضى! تخلى الجميع عن المناداة بحرية الشعوب وحقوقهم الديمقراطية. لحفظ ماء الوجه، اكتفى العالم ببيانات شجب ومطالبات بتحسين أوضاع السجناء السياسيين تصدرها المؤسسات الحقوقية. اعترفت الديمقراطيات العريقة بالمنقلبين القمعيين، واستضافوهم لبحث سبل التعاون، وأجلسوهم على نفس الطاولة مع الثوار لعقد اتفاقات تسوية، ولاعزاء لدماء سُفكت، ولا لدموع سكبت، ولا لأرواح عذبت.
في مصر:
انقلب وزير الدفاع على الرئيس المنتخب بعد ثورة يناير، فتحولت مصر التي كانت رمانة ميزان المنطقة إلى مجرد مقامر غارق في الديون، يتنازل عن ممتلكاته أملاً في مكسب لا يتحقق. تحكم مصر الآن شركة استثمارات عسكرية يشبه عهدها ولاية محمد علي الذي تخلص من كل معارضيه فنفى قيادات الأزهر، وذبح معارضيه بالقلعة، وجند الدولة بكل مؤسساتها ووزاراتها وشعبها لصالح مشروعات كبرى لا تعود بالنفع إلا على أسرته. اتهم الإسلاميون بأنهم سيطبقون نظاماً ثيوقراطياً إذا ما وصلوا للحكم، وهذا ما لم يحدث في سنة حكمهم، بينما تحقق منذ لحظة إعلان الجيش الانقلاب، فاستحوذ على ممتلكات البلاد، وتسلط على دين العباد.
أما عن ثوار يناير؛ فقد انقسموا إلى أربعة فرق؛ الإخوان ومناصريهم الذين اختاروا أن يكملوا الطريق للنهاية، وعلمانيين تذبذبت مواقفهم بشكل كبير جداً، بعض والإسلامي-علمانيين الذين لمعوا كنجوم في قنوات فضائية تسعى لصنع اصطفاف يدعو للعودة لمبادئ يناير، ويطلب من الإخوان أن يثوروا وينجحوا ثم يختفوا من المشهد السياسي!
في تونس:
نجحت ثورة تونس بمنتهى الفشل، عندما فاز السبسي بأول انقلاب انتخابي ديمقراطي؛ ثم مُنِحت فرصة انتخاب رئيس حالم سرعان ما قولبه الواقع. أحرز حزب النهضة الإسلامي نجاحاً بالوصول للسلطة التشريعية ورئاسة الحكومة، وتجنب فقد مكتسباته بالتراجع عن الانتخابات الرئاسية. يعد طموح إسلاميي مصر في الوصول لرأس الحكم مشروعاً بحكم تخطيهم قبل ثورة يناير، ما وصل إليه النهضويون في تونس بعد ثورة الياسمين.
في ليبيا:
ظهرت ليبيا في البداية وكأنها حسمت أمرها بقتل القذافي؛ إلا أنها استنزفت بحرب أهلية، ثم بإقحام حفتر دولياً ورفعه لمستوى المفاوضات حول سلطة البلاد بالرغم من الاعتراف الدولي بشرعية حكومة السراج. انتهت الثورة بخضوع الثوار لانتخابات قد تأتي بابن الدولة العميقة.
في الأردن:
كانت الاحتجاجات في شكل تحذيرات للنظام ولم تتطور لما هو أبعد، ومع ذلك لم يسلم الثوار من الملاحقات والقمع.
في المغرب:
امتص الملك غضب الشارع عبر إقراره تعديلات دستورية تتجاوب نسبياً مع مطالبه عوضاً عن مواجهته عسكرياً.
في الجزائر:
اندلعت احتجاجات ضد ترشح الرئيس للفترة الخامسة. رفض الثوار المشاركة في انتخابات تأتي برموز النظام القديم، فتجاهل الجيش الرفض وعقد الانتخابات وأعلن رسمياً عن فوز أحد مكونات حكم الرئيس المخلوع.
في السودان:
بدأت الاحتجاجات رداً على تردي الأوضاع، وجاء رد الفعل عنيفاً من قِبل السلطات، وأعلن الجيش عن خلع الرئيس وتولى رئيس أركانه الحكم.
في اليمن:
خرجت مظاهرات عارمة انتهت بخلع الرئيس، وبموجب مبادرة خليجية تسلم نائبه الحكم. خرجت الثورة عن قضبانها عمداً وتحولت لحرب أهلية استغلتها الإمارات لتحتل جزيرة سقطرى.
في سوريا:
مازال نظام الأسد مستقراً يتمترس وراء الحماية الروسية الإيرانية، وقد أنزل الإعلام المحتجين عليه من مكانة الثوار إلى موقع المعارضين، وأجلستهم القوى الدولية مع النظام على طاولة واحدة ليتفاوضوا حول دستور البلاد.
تحولت ثورتا سوريا واليمن إلى مسرحين لحربين عالميتين مصغرتين، تدخلت فيهما دول المنطقة وقوى دولية؛ فباب مندب اليمن، كقناة سويس مصر، كمنفذ سوريا على البحر المتوسط. وسط ركام الحرب لم يعبأ أحد بمجاعات ولا لاجئين ولا خيام ولا غرقى.
فجأة، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ليمنح القوى والقوى المنافسة مسوغاً للتدخل ولتغيير سياق الأحداث في المنطقة، وليكون يداً لمن لا يريد أن يظهر للعلن؛ فبفضله مُحِيَ ذكر الثورتين السورية والعراقية وتحولتا لحربين أهليتين، وتراجع الثوار بعد زج أسمائهم زوراَ بين جماعات العنف. ألهمت داعش ديكتاتوريات المنطقة فخلقت دواعشها القوميين للاستمتاع بمزايا شعار الحرب على الإرهاب التي لا يسأل من يشنها عن الضحايا. ثم قتل ترمب البغدادي كما قتل أوباما بن لادن، وانتهى الأمر!
حاول ثوار الربيع العربي على اختلاف جنسياتهم أن يتفادوا مصير مصر؛ لكن الواقع فرض على الجميع أن يصلوا لمحطة الانقلاب الدامي أو الناعم. كانت تجربة مصر نموذجاً متكاملاً في فهم مجريات الأحداث العالمية والتفاعل معها؛ نجحت، بلى، نجحت ثورة مصر في إزالة نظام حكم، وانتخاب مجلسي شعب وشورى، وإقرار دستور شعبي، وكانت على وشك اتخاذ خطوات في محيطها الإقليمي والقاري والدولي، وذلك ما لم يكن ليسمح به الانقلاب العسكري.
إن الانقلاب لا يدل على فشل الثوار بقدر ما يدل على حقيقة راسخة، وهي أن من يملك السلاح يكسب المعركة، وخاصة لو كان الضاغط على الزناد يستند لترسانات عالمية تبحث عن مصالحها ولا تكترث لحقوق البشر.
هذه ليست نهاية الثورات وإنما هي البدايات الحقيقية للتغيير الذي يقول التاريخ أنه يجب أن يحدث لكي تبدأ حقبة جديدة وليأخذ التغيير مجراه.
فسلام على أرواح شهداء تمنوا الحرية فنالوها، وسلام على أرواح معذبة معلقة في السجون ما بين الحياة والموت.
المصدر : عربي بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة