ما أكثر الجدال!!
كتب بواسطة د. محمد راتب النابلسي
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
912 مشاهدة
يقول الله تعالى : ﴿ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾
هناك أُناسٌ وما أكثرهم في أيامنا هذه، لديهم نفسٌ طويل في الجدال، تسعة أعشار أوقاتهم في مناقشات، وتعليقات سخيفة، وجدل، لا يقدم ولا يؤخر ..
يحبون المجادلة، يحبون المماحكة، يعشقون الكلام الفارغ، ويغرقون في الجزئيات من الأحاديث، ويدخلون في خصومات من أجل موضوعات صغيرة وتافهة جداً، ينسون مقاصد الشريعة، ينسون سِرَّ وجودهم، وغاية وجودهم، ولديهم أسئلة لا تقدم ولا تؤخر .
-كان هناك مسجداً في عصور قديمة إختلف رواده على صلاة التراويح، أهي 8 ركعات، أم 20 ركعة ؟
فتجادلوا، ثم تماسكوا، ثم تراشقوا التُهم !
فكان في المسجد عالم جليل، أصدر فتوى بإغلاق المسجد، قال: لأن التراويح سُنّة، ووحدة المسلمين فرض.
-ومرة كنت في ندوة على الهواء، فسألني أحدهم عن نفس الموضوع، قال لي : صلاة التراويح كم المفروض أن نصليها ؟
قلت له : هذا الموضوع أصغر بكثير من أن يكون سبباً للخلاف ولفرقة المسلمين ..
صليها في المسجد 20 ركعة إن شئت، وصليها في المسجد 8 ركعات، وصليها بالبيت إذا شئت، أما أن تجعلها قضية نختصم من أجلها، فهذا الذي لا يرضي الله عزَّ وجل.
-ومرة ألقيت كلمة في مناسبة عقد قران، فذكرت فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر كان أصحابه لا يزيدون على 300 شخص إلا بقليل، والرواحل( الإبل ) قليلة، فما الحل ؟
هو قائد الجيش، هو زعيم الأمة، هو سيد الخلق، هو حبيب الحق ..
فقال النبي : كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة !
يعني لقطة رائعة جداً من النبي الكريم، ما هذا التواضع ؟ قائد الجيش، زعيم الأمة، قمة المجتمع، رسول الله، يُسوّي نفسه مع أقل جندي ؟!
فلما انتهت كلمتي، وجلست في مكاني، كان إلى جانبي رجل يعمل في الدعوة، قال لي : هناك خطأ !
قلت له : أين الخطأ ؟
قال : الرواحل كانوا 314 وليس 300 !
المغزى : أن الرقم غير معني إطلاقاً في هذا الحديث، غير مهم إن كانوا 300 أو 314
العبرة: أن ثلث هذا العدد رواحل، والنبي من شدة تواضعه وهو زعيم الأمّة قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة.
هذا الذي ينبغي أن تفهمه من هذا الدرس .
-إنسان آخر سألني على الإذاعة بموضوع غير الموضوع الذي أتحدث فيه فقال : يا شيخ، كيف قتل قابيل هابيل ؟!
قلت له : قتله بمسدس 6 ميلمتر
يعني بربكم ماهذا السؤال ؟
من كان وقتها ليقول لنا كيف قتله ؟
ما الذي يهمنا من هذا الموضوع ؟
-ومرة سألني أحد الأشخاص أيضاً : هل سيدنا آدم فعلاً كان طوله 60 متراً ؟
قلت له إذا كان 60 متر، وإذا كان 2 متر، ماذا يُبنى على هذا الحكم ؟
-ومرة أخ كريم ألف كتاباً عن مرض النبي عليه الصلاة والسلام الذي توفي به، قال لي: ما رأيك ؟
قلت له: هل تسمح أن أقول لك رأيي بصراحة ؟
قال : تفضل .. قلت له: لا جدوى منه !
النبي عليه الصلاة والسلام قد مات، كيف مات ؟
مات بالتهاب السحايا، أو مات بأي مرض آخر، ليس هذا هو المهم، لو أنك ألّفت كتاباً في وصايا النبي الصحية لانتفعنا منه جميعاً .
العبرة :
-نختلف على صلاة التراويح، وفي بعض البلاد يتقاتلون، وهي سُنّة، ووحدة المسلمين فرض .
-نختلف على تسمية الأشياء : ما تعريف صلاة التهجد، وصلاة قيام الليل ؟ نختلف ونقتتل .
-نختلف على التشهد في الصلاة : هل حركة الإصبع متتالية، أم حركة واحدة .
-نختلف على أشياء تُعد من الدرجة المئة في سلَّم الأولويات، ومع ذلك نختلف ونقتتل أحياناً .
والله تعالى يقول في كتابه الكريم :
﴿ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾
أيها الإخوة والأخوات : هناك قاعدة مهمة جداً :
(أيّ قضية في الدين لا يُبنى عليها حُكم، فهي باطلة )
فحينما يزداد إيمان الإنسان يتعلق بمقاصد الدين، وحينما يضعف إيمانه يتعلق بجزئياته، ويجعل من هذه الجزئيات موضوعاً للخلاف .
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!