طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
البحر
كتب بواسطة رغد دعبول
التاريخ:
فى : قصص
1152 مشاهدة
أرى نفسي عائمة على صفحة مياه زبرجدية، أنظر حولي... فإذا أنا في وسط بحر فائق الجمال! لم أرَ مثيلاً له في حياتي إلا في صور الجنات الاستوائية! ومما زاد من سحره صفاء السماء، حيث ذلك القرص الذهبي الذي يمنحني شحنات من الدفء والسعادة...
وبينما أنا عائمة على ظهري أحدق في السماء وأستمتع بنفحات الشمس، أرى سحابة رمادية صغيرة قاصية، فلا أعير لها اهتماماً، فكيف أسمح لنفسي أن يعتريها القلق بسبب شيء سخيف كهذا وأنا منعّمة بجنة الله على الأرض؟! "ستندثر قريباً..." طمأنت نفسي.
وتمضي الساعات، ولا أزال على حالتي الأولى، أحدق بجمال المنظر وكأنني أراه لمرّتي الأولى... لم أشعر بالملل قط، بل كانت السعادة تملأ قلبي، ولولا وجود تلك السحابة الصغيرة البعيدة لشعرت بأنني لا يمكن أن أكون بحال أفضل.. متى ستذهب وتريحني؟! ولكنني أنسى أمرها على الفور عندما أتذكر أنني أمام مشهد يخطف الأنفاس، مشهد الشمس النحاسية وهي تغوص في الأعماق تاركةً وشاحاً من حمرة الشفق على الأفق، وبساطاً لامعاً متماوجاً على المياه.
وبعد فلول آخر أثر للكوكب الدري، يهبط الليل بأستاره رويدا رويدا، ولكن تجلّي البدر التمام في كبد السماء يبدد دجنة الليل وينثر على المياه فضة وماساً... تداعب شعري نسماته العليلة، ويؤنسني صوت تلاطم أمواجه الخافت، فأغلق عيني بكل رضى وأهمس لنفسي: "هذا كل ما أحلم به..." كنت أظن أنني سأخاف وحدي في ذلك المكان الغير محدود، ولكن شعوري يكون مناقضاً تماماً! أشعر بأنني سعيدة بكون البحر ذاك كلّه لي من دون أن يشاركني فيه أحد!
ثم قررت أن أقوم برحلة غوض إلى الأعماق... لا أدري، لعلّي أجد بعض الكنوز أو الدرر الدفينة! فإني أظن أن بحراً ذا منظر مبهر كهذا سيحمل في داخله ما هو أجمل! وأقوم بغوصتي المغوارة، ويا ليتني لا أفعل...
ما هذا؟! أيعقل أن تحتوي أعماقه هذا القدر من القذارات؟! إني أكاد لا أرى يديّ من عكرة المياه! وما هذه المخلوقات البشعة؟ يا ويلي! علي أن أهرب!
أصعد إلى سطح المياه من جديد، فأرى أن تلك السحابة التي كانت تقضّ مضجعي قد عظمت وتمددت، فغطت الغيوم الداكنة السماء الصافية، وهاج البحر وماج، واختفت تلك الصفحة الصافية الجذابة بعد أن طغت عليها كدرة المياه... "كيف لم أعلم حقيقة هذا البحر؟!" أتساءل بيني وبين نفسي، "حقاً إن البحر لغدار..." ولكن لم يكن لدي وقت للتحسر أو الندم، فالموج يزداد حنقا، لقد تحولت موجات البحر الحنونة التي حملتني إلى براثن وحش عنيف. أشعر أنني وقعت تحت رحمة براثن تلك الأمواج التي تشدني نحو الأسفل. في بادئ الأمر أشعر أنني هالكة لا محالة، ولكنني أحافظ على رباطة جأشي وأقاوم بكل ما أوتيت من قوّة لأصعد إلى السطح من جديد، وأنجح أخيرا في الصعود...
أسمع صوت أذان من بعيد، فأستبشر خيراً وأنظر نحو مصدر الصوت فأرى مئذنة على شاطئ ذهبي طويل تدلّني على الطريق الصحيح، ثم أرى أمي قربها، حاملة طوق نجاة. يمتلئ قلبي بالفرح فأسبح نحوها مقاومة تيار البحر العنيف. هي تراني...
والقلق يعتري طلعتها... أحاول أن أصرخ لها، ولكن مياه البحر المالحة تخنق الحنجرة. أدنو منها وتزداد مقاومة البحر، ولكن أمي ترمي طوق النجاة لي فأتشبث به كما أتشبث بالحياة وتسحبني أمي نحو شاطئ النجاة.
أقبّل أمي وتحيطني بذراعيها بينما أنظر إلى البحر الذي خضت فيه، فأرى الكثيرات غيري واقعاتٍ بالذي وقعت فيه... فيلهج لساني بالدعاء، شاكرة الله على النجاة من ذاك المأزق. "الحمد لله" ... "الحمد لله"...
"سحر! يا سحر! استيقظي يا بنيتي!، منذ فترة وأنت لا تصلّين الفجر على وقته كما عهدتك... الحمد لله دائماً وأبداً، ولكنْ بمَ كنت تحلمين؟ هل حلمت أنك ربحت المليون؟" سمعت أمي تقول مازحة بينما أشعلت الضوء وأزالت الغطاء عني.
استيقظت لاهثة وجلة! وتناولت كأس الماء قرب سريري لأزيل طعم المياه المالحة من فمي. وبعد أن هدأ روعي، قمت فتوضأت وصليت فرضي ودعوت ربي أن يثبتني على صراطه المستقيم، ثم ركضت مسرعة إلى غرفتي، وأحضرت هاتفي، ومحوت رقم من كنت أدعوه قبل الآن "صديقي العزيز"..
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!
ضَوْءٌ لَمَعَ وَسَطَ المَدِينَة