كاتبة ومحررة في مجلة إشراقات
كمالا ثريا.. رائدة الأدب النسائي في الهند.. من الهندوسية إلى الإسلام
كتب بواسطة منال المغربي
التاريخ:
فى : تراجم وسِيَر
3341 مشاهدة
من هي؟!
شاعرة هندية نفضت عن كاهلها عبء الوثنية، وغذَّت قلبها وفكرها بتعاليم الإسلام، وكرّست قلمها وإبداعها لخدمة هذا الدين الذي اختارته عزًّا لها وخلاصًا من حياة الضياع..
اسمها الحقيقي
كمالا داس، وهي تعتبر واحدة من أبرز شعراء الهند الذي يكتبون بالإنكليزية، وكانت تتقن اللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة المحلية – المالايالامية –لغة ولاية كيرالا في الهند، فكتبت باللغتين.. ولدت كامالا داس في 31 آذار 1934 في ولاية كيرالا لأسرة هندوسية محافظة. كان والدها (في يم نايار)، رئيس تحرير صحيفة واسعة الانتشار. أما والدتها (بالا مانياما) فكانت شاعرة معروفة.
زواجها
في الخامسة عشرة تزوجت كمالا من (ماداوا داس) وكان بينهما فرق كبير في السن، وأنجبت منه ثلاثة أولاد. كان عمرها 16 سنة عند أنجبت أول أطفالها، وقالت في إحدى مؤلفاتها (ما كنت ناضجة كفاية من أجل الأمومة إلا عند ولادة ابني الثالث).
بداياتها
كانت الكتابة لكمالا وسيلة للتغلب على الشعور بالعزلة والحنين أثناء عيشها مع زوجها المشغول بوظيفته بمؤسسة النقد الدولي، ولاقتّ خطواتها الأدبية الأولى كل التشجيع من زوجها، فأتقنت كمالا داس اللغتين الإنجليزية والمالايالامية، وكتبت الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغتين. وقد كانت كتاباتها، وحياتها نفسها، مثاراً للجدل. وحين كتبت سيرتها الذاتية قصتي (1974)، صدمت صراحتها الكثيرين وصارت محط أنظار النقّاد ومحور سجالاتهم بين مؤيد ومعارض لآرائها التي بثتها في مؤلفاتها، حيث كانت تكتب - بدعم كبير من زوجها - بكل صراحة وحرية بعيداً عن أي قيود.
ولكن بعد إسلامها اعترفت وأوضحت أنها لن ترجع إلى مثل هذه الكتابات، وذلك "لأن ثريا الجديدة ليست ’مادوي‘ أو ’كمالا‘ وقد تغيرتُ تماما".
ثم شكلت كتاباتها بعد ذلك دعوة لانطلاق الأصوات النسائية احتجاجاً على واقعهم الاجتماعي القاس، المليء بالظلم والذي تفرضه قوانين وموروثات الحياة في الهند، وحملت نصوصها قضايا المرأة، ونقلت أصوات الفقراء ومعاناتهم، ووقفت إلى جانبهم ودافعت عن حقوقهم.
كتبت كمالا ثريا تحت ثلاثة أسماء وكل واحد منها يدل على ثلاث مراحل في حياتها. كتبت باسم "كمالا داس" باللغة الانكليزية ثم استعارت اسم "مادوي كوتي" عندما كتبت بالماليالام، وبعد إسلامها كتبت باسم "كمالا ثريا" بالإنجليزية والماليالم، ومع ذلك كانوا مُحِبوها يدعونها باسم "أمي".
عالمياً
أخذت حياة كامالا منحى مهماً حين نشرت سيرتها الذاتية "قصتي" عام 1976، والتي ترجمت إلى أكثر من 15 لغة عالمية، ثم دخلت كامالا ثريا قائمة المرشحين لجائزة نوبل للآداب عام 1984.كما تلقت العديد من الجوائز الأدبية لمساهماتها وإنجازاتها الأدبية ومنها "جائزة الشعر الآسيوية"، و "جائزة كينز الإنجليزية للكتاب من البلدان الآسيوية"، و "جائزة الآسيوية العالمية"، و "جائزة أكادمية هندية للأدب" و "جائزة أكاديمية كيرالا للأدب".
وقد تُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات كالفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية واليابانية والعربية
اعتناقها الإسلام
في عام 1999، اعتنقت كمالا ثريا الإسلام متأثرةً بشاب هندي مسلم يدعى (صادق علي) كان يهاتفها من دبي وأبو ظبي. وقد قالت لصحيفة «التايمز أوف إنديا» Times of India أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكن أن يوفر الحب والحماية للمرأة...ولقد ذكرتْ أنها قبل اعتناقها الدين الإسلامي بسبعة وعشرين عامًا، أفصحت لزوجها عن رغبتها اعتناق الإسلام فنصحها بالتريث وقراءة ما أمكنها من الكتب التي تتحدث عن الإسلام، كي تتكوّن لديها قناعة ذاتيّة ونفسيّة لهذا الأمر، وسألتها صحيفة انكليزية تدعى "أوف أنديا" عن أول احتكاك حقيقي لها بالإسلام؛ فقالت: "كان ذلك عندما تطوّعتُ لتعليم الأطفال العميان في إحدى الجمعيات، فأُرسل -والحديث لها- لي طفلان مسلمان، وكانت المواد الإسلامية من ضمن ما كان عليّ تعليمهما".
وكان لدورها التعليمي في هذه الجمعية أثراً كبيراً في ترسيخ قناعتها التي توّجتها في ما بعد -وتحديدًا سنة 1999م- باعتناقها الإسلام علنًا..
وأعلنت إسلامها عندما كانت تُلقي كلمة في برنامج عام في شهر رمضان عام 1999م، فدُهش الجميع بشجاعتها ولاقت سيلاً من الانتقادات والهجوم، ولكن وقف إلى جانبها أبناؤها - بعد وفاة زوجها - وقدموا لها الدعم الكامل.
وفي مقابلة بعد إسلامها سئُلت عمّا إذا كان الإسلام يُقيد حريتها الأدبية؛ فقالت: "لقد اخترت هذا الدين بكل اقتناع، وأنا على استعداد كامل للعمل والعيش في إطار القواعد الإسلامية وليس خارجها.. ولكن عليكم أن تفهموا جيدا أن الإسلام لا يمكن أن يُقيد إبداع الإنسان. الإسلام دين السماحة، الله هو إله المحبة والتسامح وهو يحب الجميل؛ فكيف يمنعني من الإبداع؟ ".
وسئُلت مرة هل هي سعيدة بحياتها الإسلامية الجديدة فأجابت: "قناعتي بالإسلام تزداد. لم أنشأ على الإسلام. ولم أكن متدينة في حياتي.. أما الآن أنا فعلاً أهتم بالدين وهذا بسبب الإسلام. إنني سعيدة جدا كمسلمة ".
والجدير بالذكر أنها بعد إسلامها في عام 1999 قامت بزيارة دول مجلس التعاون الخليجي بدعوة من الجاليات، وكانت تفتخر بإلقاء خطبها في دولة قطر أمام الآلاف من المواطنين كما اجتمعت مع كبار العلماء والكتّاب مثل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم.
تهديدها بالقتل
أثار اعتناق كمالا الإسلام ضجة كبرى في وطنها، كونها شخصية معروفة في الأوساط الهندية، كما أنها تعرّضت لتهديدات بالقتل حيث هددها بعض الهندوس المتعصبين بالقتل.. آثرت بعدها أن تقيم مع أحد أبنائها.. والجدير بالذكر أن أولادها الثلاثة من الشخصيات المعروفة في الهند، وبعضهم يعمل في مجال الصحافة ولم يعتنق أحد منهم الإسلام . وكان الأبناء الثلاثة على علاقة ودية عميقة مع والدتهم على الرغم من إسلامها في أواخر حياتها، وكانوا يؤيدونها في جميع القرارات التي أخذتها في حياتها بما فيها اعتناق الإسلام.
لبسها الحجاب
سألها البعض كيف استطعتِ أن تلبسي الحجاب؟ فردّت بكل بساطة: "كثير من الناس يسألونني لماذا اختارت امرأة حرة مثلي لبّس الحجاب، أقول لكم: الحجاب يجعلني أشعر بأنني أكثر تحرراً، لأنك عندما ترتدي الحجاب يمكنك السفر في أي مكان في العالم وتشعر بالأمان. ولا أحد يحاول أن يقوم بأي تعدٍّ على امرأة ترتدي الحجاب، لأنهم يخافون من غضب المسلمين. الحجاب أمان وحماية. كما أنه يُبعد الغبار والحرارة والحشرات بعيداً عن جسمك."
وقد أدّى ارتداؤها الخمار والحجاب إلى انتشار ظاهرة لبسهما في كيرالا، وانعكس ذلك على الحياة الاقتصادية، فازدهرت حوانيت ومحال عدة لبيع هذا النوع من الملبوسات.
في السياسة
أحدثت كمالا ضجة أخرى في مجتمعها بعد ضجة إسلامها عندما أعلنت تدشين حزب سياسي جديد على مستوى الوطن هدفه تغيير أوضاع الطبقات المتخلّفة إجتماعياً في الهند، ولقد أعلنت تدشين الحزب السياسي "لوك سيوا بارتي" (حزب لخدمة الشعب) عام 2000م. أما السبب الذي دفعها لتشكيله تقول: "لن يتحقق التغيير الاجتماعي في الهند إلا من خلال السلطة السياسية".
وتعتبر هذه الخطوة جريئة جداً بدرتْ من سيدة مسلمة هندية حيث كانت المسلمات الهنديات ضعيفات ومهمشات في المجتمع الهندي.
مؤلفاتها بعد دخول الإسلام
بعد اعتناقها الإسلام دونت كمالا ثريا رحلتها إلى الإيمان في ديوان شعري بلغة الماليام تحت عنوان (يا الله) و(يا محمد) - تم ترجمتهما إلى العربية- و(امرأة ضائعة) و(الروح وحدها تعرف كيف تغني) عام 1996م، أما قصيدتها التأملية (موازي الحياة الغامض) فقد ترجمها الشاعر والمترجم الإماراتي شهاب غانم، وتُعبر الشاعرة في هذه القصيدة عن سؤالها الكبير حول الموت والحياة.
وفاتها
توفيت كمالا في 31 أيار عام 2009 في إحدى مستشفيات مدينة بيوني أثناء علاجها من الالتهاب الرئوي. وتم نقل جثمانها إلى تريفاندم في كيرالا ودفنت حسب وصيتها في مقبرة المسجد الكبير هناك، وحرص أولادها على تنفيذ وصيتها بهذا الخصوص على الرغم من اختلاف دينهم. وشاركوا في صلاة الجنازة في المسجد مع المسلمين رغم أنهم ينتمون إلى الهندوسية، وقد شهدت ولاية كيرالا حضوراً - رسمي وشعبي - لم يسبق له مثيل لصلاة الجنازة،..حيث شُيعت جنازتها إلى مأواها الأخير.
مستفاد من مقالات عدة ومنها مقالة للكاتب د. عبد الله سي كي.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!