باحث في مؤسسة القدس الدولية، متخصص في التاريخ الإسلامي، كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكترونية، عضو رابطة أدباء الشام، ومسؤول لجنة الأقصى وفلسطين في جمعية الاتحاد الإسلامي.
من 'القدس تنتفض' إلى 'سيف القدس'.. مشاهدات ورؤى
تصطخب الشاشات بصور العزة والبطولة، ويسطر المرابطون والمجاهدون في فلسطين ملحمة العزة والكرامة والإباء، وفي هذه النقاط بعض من الأفكار التي جاشت في صدري، هي مشاهدات ورؤى تتناول الأحداث الجارية، وتفتح المجال للمزيد من البحث والتحليل واستخلاص الدروس، وهي كثيرة جدا، أكثر من أن تستوعب، وتجمع في كلمات قليلة.
- لم أشهد في حياتي تضامنًا كثيفًا مع ما يجري في القدس المحتلة خاصة، وفلسطين بشكلٍ عام، كما شهدته منذ بداية شهر رمضان، وتصاعد بشكل مضطرد حتى لحظة كتابة هذه المشاهد، وشمل فئات كثيرة ومنوعة لم نكن نشهد تضامنًا منها في أوقات سابقة، خاصة قضية إخلاء سكان الشيخ جراح، ومن ثم الاعتداء على المسجد الأقصى، وأخيرًا ما يجري من ملحمة بطولية في غزة، ومما يلفت النظر أكثر مشاركة ما يُعرف بالمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل كبير ومتزايد.
- مركزية ومكانة المسجد الأقصى في وجدان الأمة، وهي علاقة مقدسة لم تفتر على الرغم مما حدث في السنوات القليلة الماضية، من محاولات تشويه وعي الأمة وإدراكها لأهمية مسجدها المبارك، بل تركزت أكثر وأكثر نتيجة التصويب الإعلامي والاهتمام الجمعي، وظهر حجم تعلق العرب والمسلمين بالمسجد المبارك، وهو تعلق عقدي إيماني، وتعلق قلبي وجداني، وتعلق عمل وفداء وتحرك بما يستطيعه الناس ويدركونه. إضافةً إلى توق الشعوب العربية إلى الدفاع عن مقدساتها، والذود عن إخوانهم في القدس، ما يؤكد مرة جديدة مركزية المسجد الأقصى في تحريك جماهير الأمة، وفي إدراك الجماهير الكبرى لطبيعة الصراع مع المحتل.
- مظاهر العزة والكرامة التي تجلت من رحاب المسجد الأقصى في الليالي الأخيرة من شهر رمضان، وفي يوم الثامن والعشرين منه على وجه الخصوص وما بعده، وما أظهرته الأخبار والمقاطع المصورة عن ثبات هذه الثلة المباركة من المرابطين، لساعات طويلة، على الرغم مما استخدمته قوات الاحتلال من أسلحة وقنابل ورصاص، وهي ملحمةٌ بطولية أسهمت في تجديد جذوة الأمل، بأن الاحتلال "صرحٌ من خيال"، وأن العين لا يجب أن تسكت للمخرز، بل هي قادرة بتوكلها على الله وحشد طاقتها وثباتها على كسر المخرز، وكسر من يكمن خلفه.
- لا يُمكن للمرء إلا أن يفخر ويزهو برسائل إخواننا في غزة ومواقفهم العالية الرفيعة، التي تؤكد على عظيم صبرهم، ورفاعة شأنهم، وصدق توكلهم، وما يتصل بذلك من تفانٍ واحتساب، مهما بلغت حجم الخسائر في الأرواح والأملاك، وأن ثباتهم من أسرار بركة هذه الأماكن وتعلقهم بأسباب علوية ربانية، فكانت هتافاتهم ومواقفهم لله وفداء للأقصى، ودفاعًا عن القدس.
- شهدت المرحلة الماضية مفاجآت لا يمكن لنا إلا الإشادة بها، بل والاعتزاز بمن حققها، وتوجيه أسمى آيات التبريك والامتنان لهم ولقيادتهم، وهو إعداد المقاومة المبهر لأي معركة قادمة مع الاحتلال، وتطوير ترسانة من الصواريخ والطائرات استطاعت إرباك العدو وتكبيده خسائر باهظة، وشل الحركة في كل المدن المحتلة ومطاراتها. بل قلب المعادلة رأسـا على عقب، وهبة الفلسطيين في الداخل المحتل، وهي هبة بدأت منذ أشهر في بلدة أم الفحم، ثم استمرت في الرباط في الأقصى في العشر الأخير من شهر رمضان، واليوم في أحياء وشوارع اللد ويافا وحيفا وعكا وكفر كنا، وأم الفحم وغيرها من بلدات أراضينا المحتلة عام 48.
- خيبة بل خسارة محور التطبيع مع الاحتلال، فقد أفَلت جهودهم، وخابت خططهم، وما قاموا به منذ سنوات طويلة، خر بلمح البصر، واضطروا إلى إعلان مواقف ضعيفة لحفظ ماء وجههم ليس إلا، على أثر الأحداث الأخيرة من القدس وصولًا إلى غزة، وانكشاف سوءة التطبيع المرة تلو المرة، وفضح طبيعة هذه الاتفاقيات، التي لم تكن إلا انبطاحًا جديدًا، وتواطؤًا قذرًا مع الاحتلال.
أخيرًا، هناك تغييرات كبرى في الأفق، والأمة ستخرج من مخاضها الكبير، لم يكن الربيع حلما أو سرابًا، بل هو واقع برعم في غزة منذ عشرين عامًا، واستوى على سوقه في بلادنا العربية، ثم قام من الموت في هذه الأيام، وسيزهر قريبا نصرا وتحريرًا بعون الله تعالى..
قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة