الغضب المشروع والغضب المذموم.. في نظر الإسلام
كتب بواسطة الشيخ عبد الله العمر
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
2411 مشاهدة
الغضب صفة بشرية تتفاعل فيها نفوس الناس سلباً وإيجاباً حسبما يكن أثر الالتزام أو الانحراف عند أصحابها.
وهو في الإسلام ذو وجهين، واحد مشروع، والآخر مذموم ومنهي عنه.
فأما الغضب المشروع فهو الغضب لله ولدينه ولحُرماته، ومقدسَّاته.
وألا يغضب العبد لنفسه فإنه بذلك يصبح غضبه بعيداً عن الاخلاص ويداخله الرياء ومنفعة الذات.
وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة عندما رأى ما فيه انتهاك لحرمات الله وتعدٍ على حدود ما أمر الله بالوقوف عليه..
فقد سرقت أمرأة من بني مخزوم، وجاء من يريد الاستشفاع لها عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان المشَّفع لها صحابي جليل له مكانة خاصة في قلب الرسول الكريم ألا وهو أسامة بن زيد رضي الله عنه، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر غضب غضباً شديداً وقال: "يا أسامة الشفع في حدَّ من حدود الله، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها"،
فهذا نموذج للغضب في الله ونصرة لحرمات الله.
وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى في بيت زوجه عائشة رضي الله عنها ستراً فيه صور ذات أرواح وأمر بطمسه وقال: "البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة".
- وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ونزل في ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ).
ولم يغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام لنفسه عندما جاءه وكما حدث الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ فأدركه إعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي عليه الصلاة والسلام (ما بين العنق والكتف) وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال -أي الأعرابي- يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء وليس فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صادر عن ضعف أو عجز في الرد وإنما هي المدرسة النبوية التي تستمد نظامها من معنى قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).
ولكل مسلم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسَّوة في الوقوف عند ساعة الغضب وعدم الاسترسال في مطاوعة نزعات الشيطان والذي يشكل الغضب سلاحاً يستخدمه في إيغار الصدور وشحن النفوس إلى درجة يذهب فيها العقل ويطيش الدماغ وما يستتبع ذلك إذا أطلق له العنان من خراب ودمار يطال النفس والأهل والغير والمال والولد، فكم من بيوت وأسر خربت وتفككت أواصر العقد فيها بالطلاق بين الزوجين بسبب الغضب الذي يجعل الزوج ثوراً هائجاً لا يعقل لنفسه الصبر والأناة حتى يجعله الشيطان يخرب بيته بكلمة يطلقها لسانه فيتحول بها وأسرته إلى الفراق والشتات وضياع الأسرة والأولاد..
والسؤال هنا، ماذا أمر الإسلام في مواجهة كل أنواع الغضب -والذي هو إن لم يكن مشروعاً- يعد وسيلة من وسائل الشيطان في التدمير والهلاك واستغلال ضعف البعض في ذلك؛ لينفذ منه إليهم فيُرديهم من حيث لا يشعرون؟!
وأول وسائل دفع الغضب هو العمل بقوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
وقد أمر الله تعالى رسوله بالصفح الجميل، ومن مآثر العفو والصفح وكظم الغيظ مع القدرة ما ورد عن جارية كانت عند سلطان مسلم تُناوله كأس الماء ولما سقط من يدها على ثوبه نظر إليها غاضباً فقالت له: (والكاظمين الغيظ، فقال : كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس، قال : عفوت عنكِ، قالت: والله يحب المحسنين، قال : فاذهبي فأنت حرة لوجه الله).
ونأتِ إلى أسباب الوقاية التي جاء بها الإسلام للحد من أثر الغضب في حياة المسلم وحماية المجتمع المسلم من ويلاته وأوله: الاستعاذة بالله من الشيطان، عن سليمان بن صرد قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه و سلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه و سلم (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ). فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان. فقال وهل بي جنون؟ رواه البخاري،
وفي حديث ثان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب أحدكم فليسكت) رواه الإمام أحمد.
وهذه الوقاية النبوية عظيمة الأثر لأنها تدل على ما يُسكن غضب من هو ينتظر منك التمادي والتعالى عليه؛ فلما سكتَّ عنه لا بد من أن تهدأ ثورته ويسكن غضبه.
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه يسأله الوصية قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي؟ قَالَ: " لَا تَغْضَبْ "، قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ" رواه البخارى
ذلك أنه ينطق الغضب ليس على أفراد وجماعات فقط، وإنما يصل إلى دول تحكمها قادة لا يعرفون للحكمة ولا للتؤدة طريقاً فيما يقضون ويمضون فتخرب ديار وتتهدم آثار، وتزال بلدان، وتسوى بالأرض بنيان، جراء تحكم الغضب والعزة بالأثم في حكم القوم فيما بينهم..
إن الإسلام يرغّب أتباعه بأن يكظموا نار غضبهم ويحبسوا أنفسهم عن إطلاق ألسنتهم وأيديهم عندما يغضبون، ومن البشائر النبوية في ذلك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة.
وفي حديث ثان : "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ ؛ دعاهُ اللهُ سبحانَهُ على رُؤوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ مِن الحُورِ العِينِ ما شاءَ " (أخرجه أبو داود).
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يصيب الذين تأخذهم العزة بالإثم عند الغضب مقتلاً فقال "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه، وليس ثمة نصيحة أعظم من هذا الحديث وغيره.
وفي التربية النبوية السوية التي تحفظ للعبد عقله ودينه وخلقه عندما يأخذ الغضب منه كل مأخذ.
ومن ير مجتمعنا اليوم الذي تحيط به الكروب والمصائب والشدائد في حياة الناس، يعلم أهمية حديثنا عن الغضب وضرورة معرفة حدوده، وعدم التهاون بشأنه، لإنه بمثابة الشرارة التي لو تركت في كوم من القش لأشعلته وجعلته رماداً، ذلك أن الغضب من الشيطان من نار، ولا يطفأ النار إلا الماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وهو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نختم به مقالنا سائلين الله ألا يغضب أحدنا إلا لله ولدينه لا لنفسه ولا لغرض من أغراض الدنيا التي لا يبتغى بها وجه الله، والغضب لحرمات الله ولما يصيب المسلمين في فلسطين الأسيرة حررها لله والأقصى من رجس اليهود هو من أعظم ما يباح الغضب لله فيه ومن أجله، والحمد رب العالمين
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن