* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
المتأمِّل في هذا الكون، وما فيه من مخلوقات متعددة ومتنوعة، يُدرك أنَّ وجودها ليس عبثياً بلا حكمة ولا غاية، فالشمس والقمر والماء والهواء والنباتات وغيرها، لها وظيفة محددة ونظام مُحكم، فهل يُعقل أن يكون الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات وأشرفها قد وُجد في هذه الحياة وبهذه القدرات عبثاً بلا حكمة ولا غاية؟!، هذا بالطبع ينافي العقل المستنير والمنطق السليم فضلاً عن الشرع الحنيف، قال الله تعالى في آخر سورة المؤمنون: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ، وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
إذاً، الخالق لم يخلق عباده عبثاً ولن يتركهم بعد الموت سدىً، إنَّما خلقهم ليعرفوه ويعبدوه ويطيعوه، فيفوزوا بسعادة الدارين (الدنيا والآخرة). قال تعالى في خواتيم سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ).
ولكن، كيف يعرف الإنسان ربَّه حقَّ معرفته؟ وكيف يعبده ويطيعه حق عبادته وطاعته؟ وكيف يدرك الحكمة من وجوده والمصير الذي سيؤول إليه بعد وفاته؟. لا بدّ له - إذًا - من منهج صالح، كامل، ثابت، لا يعتريه خطأ أو نقص، منهج ينسجم مع الفطرة البشرية، يلبِّي حاجات الإنسان الرُّوحية والعقلية والجسدية، وينظم حياته الخاصة والعامة في كل زمان ومكان لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد.
إنّ هذا المنهج بهذه المواصفات، لا يمكن أن يَضعه الإنسان المخلوق - المعروف بعجزه وقصوره وضعفه وأخطائه وأهوائه - لإنسان مخلوق مثله..: وَمَا أوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. وقد جرّب الإنسان الأنظمة الوضعية والمناهج البشرية والتصورات الفلسفية حول الكون والإنسان والحياة وما قبلهم وما بعدهم.. التي وضعها بعض البشر، فتجرع مرارة تلك التجارب المليئة بالقصور والخلل والظلمات والظلم (.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
أما المنهج الحقُّ، فإنَّما يضعه خالق كل شيء، العليم بكل شيء، المنزَّه عن كل عيب ونقص: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
فخالق الخلق وحده صاحب الحقِّ – وليس أحداً من خلقه - في وضع المنهج المناسب والتصوُّر الصحيح والتشريع الملائم لعباده (..أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين)؟! بلى.
وهذا أمر بديهي ينبغي أن لا يختلف فيه اثنان، فإذا كان صانع أي آلة، هو صاحب الحقِّ في تحديد وظيفتها التي صُنعت من أجلها ونظام عملها، وهو الخبير بها وصاحب الكلمة الفصل في ما يصلحها أو يفسدها، فإنَّ الله تعالى – وله المثل الأعلى – هو وحده صاحب الحق في تحديد وظيفة المخلوق ونظام حياته وتصوراته العقدية وقضاياه المصيرية، وهو صاحب الكلمة الفصل فيما يصلحه أويفسده وأسباب سعادته وشقاوته :(قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ..) وليس معنى ذلك مصادرة دور الإنسان وإلغاء عقله، بل المقصود أن لا يتجاوز الإنسان حدوده ولا يتعدى على حق الله تعالى بالربوبية والتدبير والحاكمية والتشريع، وبعد ذلك فإنّ للإنسان دوره الكبير في عمارة الأرض وإقامة الفرض وفق منهج الله تعالى، قال الله عزّ و جلّ: (..اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..) ، وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). كما أنَّ للإنسان دوره المهم في إعمال عقله كي يفهم ما يريد اللهُ منه في تطبيق منهج الله في الحياة والدعوة إلى الخير، وإقامة العدل، وإحقاق الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحاجة الناس للدِّين الحقِّ ضرورية ومصيرية، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش حياة صالحة من دونه، وهي تفوق حاجته للطعام والشراب والهواء..، لذلك قيل: "حاجة النَّاس للشريعة، أعظم من حاجتهم إلى التنفس، فضلاً عن الطعام والشراب، لأنَّ غاية ما يُقدَّر في عدم التنفس موت البدن، وأمَّا ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبد، وأعظم من حاجة الناس إلى الطب، ألا ترى أنَّ أكثر العالم يعيشون بغير طبيب".
وأخيراً، الإنسان هو الإنسان من آدم إلى آخر الزمان، وسيظل هذا الإنسان بحاجة إلى الدِّين الحقِّ من اللحظة الأولى لوجوده على وجه الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها..: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسلِمون).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة