مِن الحفظ والبركة إلى التدبُّرِ والحركة
انطباعات وتلخيص الدكتورة هبة بدوي للمحاضرة
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ (16)الحديد
باستقبالِنا الضّيفَ الجليل والزّائر الفضيل شهر رمضان، شهر الخير؛ ينبغي علينا رفعُ لياقتنا الإيمانية..
فبعدَ أن تسلّلَ الضِّيقُ إلى نفوسنا وأثقلتْ الهموم كواهلَنا؛ بسبب ما آلت إليه أوضاعُ بلادنا، نرى أنّنا بحاجة ماسّة لترياقٍ فعَّال يعالجُ آفاتِ القلوب و يعيد برمجتها لوضعها الصّحيح المتّصل بخالقنا سبحانه.
هذا التّرياق ما هو إلا كتاب الله عز وجل، فهو طريقُ السّعادة والفلَاح والفوز، وغذاء الرّوح، وراحة الأبدان.
۞أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَٰهُ(122) الأنعام، كما يُحيي الله الأرض الميتَة بالماء النّازل إليها، كذلك يحيي القلوب الميتة بالوحي المتدفق إليها. علاقتنا مع القرآن لا يجبُ أن تكون علاقةَ تلاوة وتَعداد أجرٍ فقط، فكتاب الله هو كتاب حياة، هو كتاب خير و بركة وأجر واسع، هو منهج سماوي هدفه الأساسي ضبط حياة الناس لإصلاح الأرض.
و مِن أفقهَ مَن تكلَّم عن كيفية تعاملنا مع القرآن كان الدكتور صلاح الخالدي، تغمده الله بواسع رحمته، في محاضرته "من الحفظ والبركة إلى التدبر والحركة" في ملتقى حفاظ الوحي الثالث.
كانت محاضرةً قيِّمة ألهبت المشاعرَ وشجعت النّفوس للارتقاء إلى عالَم القرآن، عالَمٍ نتكلم به بالقرآن، نتنفس به بالقرآن، ونحكم به بالقرآن، صورة للحياة المثالية الهانئة.
زبدةُ المحاضرة كانت سبع خطوات مرحليّة متدرّجة نخطوها بتعاملنا مع القرآن لنحيا به، وننتقل من كونِه كتابَ بركةٍ إلى كتاب حركةٍ وتوجيهٍ ومواجهة، وهي:
1_ محبّةُ هذا القرآن: لِنحسنَ التّعاملَ مع القرآن علينا أن نحبَّه، فهو كلام الله عز وجل ومحبَّتُه مقترنة بحب الله كجزء من العقيدة، وهذه المحبة لا يجب أن تكون حبًّا نظريًّا، بل محبةً عمليّة تطبيقيّة.
2_ تلاوةُ هذا القرآن: علينا أن نحدّد لأنفسنا وِردًا يوميًّا للقراءة_ ويخجلنا الشيخُ رحمه الله من أنفسنا عندما يصنِّف مستوى الكسول بالتّعامل مع كتاب الله؛ الذي يقرأ كلَّ يوم جزءاً و يختم مرة في الشّهر_ واليوم الذي لا نقرأ فيه القرآن لا يجب أن يُحسَب من أعمارنا.
3_ فَهْمُ القرآن و تدبُّرُ معانيه: قال سيد قطب رحمه الله: "إن هذا القرآن لا يمنحُ كنوزه إلا لمن يُقبل عليه"، وقال سهل ابن عبد الله التُّسْتَري: "لو أُعطي العبدُ بكلِّ حرفٍ من القرآن ألفَ فَهْمٍ لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه".
فحبذا لو يقرأ كلُّ منّا ولو تفسيرًا مختصرًا يُمكّنه من أن يتحرك بالقرآن وينزل إيحاءات الآيات القرآنيّة على واقعِه الحالي. يجب أن نعِيَ أن للقرآن خطابًا خاصًّا متجدّدًا لكلّ جيل، خطاباً يحاكي الواقع و يعالج مشاكل المجتمع حتى قيام السّاعة.
4_ التّطبيق و التّنفيذ: علينا العملُ على مستوى الفرد و خاصةً مستوى حافظ القرآن؛ لتطبيق أحكام القرآن وتنفيذ أوامره والانتهاء عن ما نهى عنه، لكي يكون حُجةً لنا ولا يكون حجة علينا.
ولنا في نبينا وأصحابه الأُسوة الحَسنة، فالنّبي صلى الله عليه وسلم ربَّى صحابَته على القرآن، وهم في دَورهم تلقّوا أحكام القرآن على أنّها أوامرُ ميدانيّة للتنفيذ؛ لذلك تميّزوا وأثبتوا أنّهم جيلٌ قرآنيٌّ فريد، فازدادوا رِفعة.
5_ الدّعوة إلى هذا القرآن: من أحبَّ شيئًا أكثرَ من ذِكره، فيجب أن نصل إلى مرحلةٍ نكون فيها سفراءَ القرآن، نتكلم به ونتحرك به وندعو به وإليه الناس.
6_ الجهاد بالقرآن: ۞فَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦ جِهَادًا كَبِيرًا(52)الفرقان. هذا الأمر الموجه للنّبي صلى لله عليه وسلم يشملُ كلَّ مسلم من بعده، والمراد هنا جهاد الدّعوة وجهاد الحُجّة والبيان، هذا الذي سمّاه الله عز وجل جهادًا كبيرًا.
كلّ خطوة من هذه الخطوات هي ثمرة لما قبلها لنصل إلى الخطوة الأخيرة..
7_ الرّجل القرآني: هو داعيةُ القرآن، حافظ الوحي، و جنديُّ الوحي _كما سماه الشيخ رحمه الله_ هذه هي المرحلة التي نكون فيها جنودًا في الثّغور الأولى؛ نواجه الجاهليةَ وأهل الباطل بهذا القرآن.
يجبُ أن نَعي أن وضع أمتنا الحالي متردٍّ؛ بسبب اجتهاد الأعداء على إقصاء القرآن عن واقعنا وعن الحكم والتّوجيه، ومحاولة تحويل القرآن إلى "كتابِ أرفُف" مع أن في صفحاته حلّ لكل مشكلاتنا.
واستزاد الشيخ ببعض النصائح:
1) إعطاءُ القرآن أفضلَ أوقاتنا، وتقديمُه على كلِّ شيء.
2) الاجتهادُ لتربية أنفسِنا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ربَّى عليه صحابته الكرام بالقرآن، ومن ثم الانتقال إلى إصلاح الآخرين.
3) إعادةُ برمجةِ حياةِ المُقبِل على القرآن الكريم، وتوجيه بَوصَلة آماله ومخططاته وربط أنفاسه بالقرآن.
4) أن نتحركَ ونحن ندعو غيرنا، مع اليقين الكامل أننا منتصرون، فهذا ما وعدنا ربُّنا، وحاشا لله أن يُخلف وعدَه.
أنهى الشيخُ محاضرَته بقولِه: "ثقوا جميعًا أن أنوار القرآن آتيةٌ، وسوف تسطعُ، و أنَّ دولة القرآن آتية، وأنَّ كلَّ أعداء القرآن ذاهبون إلى مزبلة التاريخ، فهؤلاء لا قيمةَ لهم أمام قوة الله، وأنَّ الّطريق ليس مفروشاً بالورود، بل يحتاج إلى جهود كبيرة وصبر".
"أنتم بالقرآن عظماء عند الله تعالى، أهل القرآن هم خاصّة الله تعالى.."
إنها كلماتٌ تترك في أنفسنا شِحنات جبَّارة؛ لنمشيَ على هذا الدّرب، ويشتدُّ أملنا بالله تعالى لمستقبل النّصر.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن