لِـي وعـلـيّ
حرفا جر: "على" و "اللام"... كل منهما جرّ نفس الحرف: الياء، والنتيجة: اسمان مجروران أعطيا معنيين متعاكسين تماما!
"عليّ": صعبة ثقيلة، لأن "عليّ" تعني المسؤوليات والأحمال والواجبات.. عليّ: التضحيات، عليّ تعني أن يظل جدول رأسي ممتلئا بالبرامج والخطط والتكاليف.. عليّ: تعني الالتزام بالوعود والساعة والدقيقة... عليّ: الأرق والتفكير والهم!
أما "لي": ما أجملها! فهي ما أستحقه، ما أناله، ما آخذه وأحصل عليه.. لي: حقوقي على زوجي وأبنائي وصاحب الشركة والجيران والأصدقاء والناس أجمعين من ماديات ومعانٍ.. تعني أن أمتلك كثيرا أو قليلا..
لي: تعني الراحة والمكافأة والهدية والفرح والثراء..
ثم.. اكتشفت أن بينهما علاقة لا تنفصل، فحتى يكون لي، يجب أن أؤدي ما عليّ!
عليّ أن أحب، ولي أن أُحب، عليّ الصلاة والعبادة ولي الأجر والجنة، لي المال وعليّ الزكاة والصدقة، عليّ الإنتاج والإنجاز ولي تحقيق المراد والنجاح والسعادة!
بينهما علاقة وثيقة ولا يمكن أن ينفصلا!
لكن، حتى متى؟ يجب أن أجري عملية الفصل، لا أريد ولا أحب هذه ال: "عليّ"
فهي تتعبني بأثقالها، وتجعلني لا أكاد أتذكر الذي لي..
الأفضل أن أهرب إلى أي مكان في العالم لا يكون فيه عليّ فأرتاح منها!
أعود وأحسب الأمور من جديد، فأجد أنه لا يمكن لي فعل ذلك، لأن عليّ الكثير من عليّ وعليّ: نحو والديّ وزوجي وأبنائي وأمتي، وعملي وبيتي ومن يحبني ومن يكرهني ونحو نفسي، وحتى نحو حديقتي الصغيرة ونباتاتها التي أرى ابتسامتها عندما أقترب منها أسقيها بل وأسمعها تشكرني وتدعو لي، وعليّ ما عليّ نحو الجمادات: بيتي وقلمي وورقي وو.....
يا إلهي، عليّ غلبت لي! هي الأقوى والأقسى!
عليّ أن أفكر بطريقة أخرى، أيضا (عليّ)؟
لابأس، فهي الأقوى! لكني سأغلبها مهما كانت قوتها!
سأقرأ المعادلة بطريقة أخرى، وأبدأ بـ (لي):
لي حب الأهل والناس، ولي الشكر والثناء والسعادة، ولي الهدايا والمكافآت، ولي أن أمتلك كل ما أحب وكل ما لا يخطر على بالي، ولي الأجر والجنة، إن أنا أديت راضية محتسبة ما علي ّ...
إذن، لا مجال للخلاص من (عليّ).. يبدو أن سر النجاة فيها!
إنه الصبر الجميل والله المستعان، الصبر دون شكوى، بل وبالرضى والقناعة أنه كله خير وكله حسن وكله جميل ما دام من الله، وكل شيء سيكون لي.
عليّ إذن الصبر الجميل، وكل شيء بعد ذلك لي.. الأمر سهل وواضح!
أخيرا تصالحت مع "عليّ".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن